كثر الحديث في الآونة الأخيرة بين أوساط الشباب العربي خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي _حيث تنشط هذه الفئة بشكل كبير_ عن الشباب في دول أوروبا الذين تم تعيينهم مؤخرا في مناصب قيادية ومسؤولة في حكومات تلك الدول، فكثر الحديث وتداول المعلومات الشخصية عن الشاب سباستيان كورتس وزير الخارجية والهجرة في النمسا الذي تم تعيينه في منصبه في العام 2013م وكان عمره حينها 27 عاما والذي اعتلى منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة لالقاء كلمة بلاده مؤخرا. بالاضافة إلى هذا الشاب، فقد كثر الحديث أيضا عن الشابة عايدة هازديلك والتي تم تعيينها في منصب وزيرة التعليم قبل الجامعي ورفع الكفاءات في السويد وهي لم تتجاوز من العمر 27 عاما. وليس انتهاءا بالحديث عن سوسن شبلي التي عُيِّنت نائبا للمتحدث باسم الخارجية الألمانية وهي في العقد الثالث من عمرها في دولة تعد من أقوى الدول الأوروبية اقتصاديا وتأثيرا في سياسات الاتحاد الأوروبي.
إن هذه الشخصيات وغيرها من الذين كثر الحديث عنهم في الفترة الأخيرة فتحت عيون وأفكار الكثيرين من الشباب العربي حول دور الشباب في مواقع المسؤولية والقيادة، وزادت الأسئلة في أذهانهم عن الأسباب التي أدت إلى وصول هؤلاء الى سدة القرار في مؤسسات الدولة؟ وما الذي يحتاجه الشباب العربي لكي يصل إلى ما وصل إليه أقرانهم؟ وما هو الدور الرئيسي للشباب العربي؟
إن الحديث عن هذه الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها ليس من سبيل المقارنة مع الشباب في الدول المختلفة فلن تفيد مجرد المقارنة في شيء، ولن يجلب كثرة الحديث والتهكم على حال بلادنا إلا مزيدا من اليأس والإحباط لفئة الشباب، ولن تجدي نفعا منشورات وتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي اذا ركّزت فقط على عُمرِ هؤلاء الشباب حينما تولوا مناصبهم دون التركيز على أهم ما ميّزهم قبل تولي هذه المناصب.
بقليل من البحث في سيرة حياة الشباب الوزراء تجد أن السمة المشتركة فيما بينهم هي نشاطهم الثقافي والاجتماعي والتربوي _وربما السياسي_ قبل توليهم هذه المناصب، مما يعني أن هؤلاء الشباب قد حققوا في حياتهم ما يجعلهم محط اهتمام وتقدير وثقة صانعي القرار (كبار السن) في تلك الدول، فنجد مثلا الشابة عايدة هازديلك يشار إليها على أنها ذات نشاط تربوي واجتماعي كبير حينما كانت نائبا لرئيس بلدية المدينة التي تعيش فيها، وشخصية نشيطة في أعمال هذا المنصب، كذلك الشاب سباستيان والسيدة سوسن الذين عُرف عنهم نشاطهم في الأنشطة الشبابية في بلادهم.
مما سبق نستطيع أن نقول أننا حينما نريد أن نعالج مشكلة واقع الشباب في الوطن العربي، علينا أن نجعل نصب أعيننا تفريعات المشكلة وأجزائها، فليس من المنطق أن نضع كل اللوم في أسباب المشكلة على المسؤوليين والمجتمع العربي، وليس من الحكمة أن نعفي الشباب أنفسهم عن تحمل مسؤولية دورهم.
بعض من مشكلات الشباب في الوطن العربي:
من المهم تناول بعض مشكلات الشباب في الوطن العربي كنوع من تشخيص الداء قبل الحديث عن ما هو المطلوب من المسؤولين والمجتمعات العربية لتمكين دور الشباب والأخذ بيدهم إلى تحمل المسؤولية. لذلك فإن هذه المشكلات يمكن تلخيصها بالتالي:
البطالة والفقر:
لا يمكن غض الطرف عن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الشباب العربي، فمن لا يستطيع توفير لقمة عيشه لن يستطيع بأي حال من الأحوال تقديم دور مهم في تحمل مسؤوليات المجتمع، ومن لا يستطيع أن يكون آمنا على مصدر رزقه لن يستطيع أن يتقدم ليصبح أمينًا على مستقبل أقرانه، ذلك أن توفير وتأمين الحاجات الأساسية والرئيسية للشاب العربي يمكّنه من تجاوز التفكير في هذه الأمور والانطلاق الى التفكير في دوره اتجاه المجتمع والأفراد الآخرين.
الاستقطاب:
يُعد الاستقطاب الحزبي أوالايدولوجي أوالعرقي من معاول هدم طاقات الشباب في الوطن العربي، ذلك أن هذا الاستقطاب يقف حاجزا أمام انطلاق تفكير الشباب الى الفضاء الرحب وصياغة الافكار والرؤى والمشاريع التي تساهم في نهضة المجتمعات على اختلاف مكوناتها، فيتحجم تفكير الشباب ليصبح في قالب الأيدولوجيا او الحزب أو العِرق دون النظر الى الصالح العام للمجتمع. كما ويَحرم الشباب من فرصة الاطلاع على تجارب الآخرين والدول المختلفة لمجرد أنهم يختلفون حزبيا أو أيدولوجيا أو عرقيا.
إن هذا الحديث لا يعني بالضرورة الاستغناء عن الأحزاب أو الايدولوجيا، ولكن الحديث هنا عن الاستقطاب الذي يجعل من الشباب أداة فقط لتحقيق أدوار معيّنة دون النظر إلى حاجة المجتمع ككل.
حالة العجز والاحباط والتراخي:
إن أكثر ما يدمر قدرات وطاقات الشباب هو وصولهم إلى حالة اليأس والاحباط التي ينتج عنها حالة العجز والتراخي عن عمل أي شيء جديد أو ذو قيمة مجتمعية أو انسانية أو حتى تطوعية، فتصل الحالة إلى تبني الشباب خطاب العجز وعدم أهمية كل ما يقوم به الأخرون معللين ذلك بأنه لن يتغير في حالهم أي شيء، وأن الأمور أعقد من مجرد تفاؤل، أو إنجاز هنا أو هناك، وكأن طريق الشباب يجب أن يكون ممهدا وسهلا كي يصلوا الى ما يريدون.
إن هذه الحالة التي وصل إليها الشباب العربي نتيجة متوقعة لواقع المجتمعات العربية المفكك والمليء بالنزاعات والتفرقة، والمليء بتهميش دور الشباب.
غياب العدالة وضياع الهوية الهدف:
إن تغييب العدالة في المجتمع الواحد من شأنه أن يعمل على تضييع الهوية المجتمعية في أوساط الشباب، فلا يعد الشباب يهتم بواقعه ولا بالمخاطر التي تحيط به وبمجتمعه وأهدافه، فينتج عن ذلك ضياع الهدف العام الذي يجب على الشباب ان يتبنوه. إن العدالة في توزيع الأدوار، والعدالة المجتمعية في الوظائف والمناصب، من شأنه أن يجعل الشباب على معرفة قوية بهويتهم ومجتمعهم، ويجعل في نفوسهم الرغبة في خدمة المجتمع الذي ينتمون إليه، في إشارة قوية إلى وضوح الهدف العام الذي يتخذونه مسارا في خدمة بلادهم.
أزمة الفكر والاهتمامات:
إن أزمة المبادئ والقناعات التي تعاني منها المجتمعات العربية، وأزمات الفكر التي لا تجد من يقومها لم تجد حاضنة لها تصيبها في حيويتها إلا الشباب، فنتج عن ذلك اهتمامات سطحية أو غريبة عن المجتمعات العربية لفئة الشباب تلك الفئة الأكثر قدرة على تغير واقع تلك المجتمعات.
لقد انتاب الشباب الشك في قدرتهم على العطاء، والإهمال في اهتمامهم بأنفسهم ومجتمعاتهم، فباتوا يهربون من واقعهم إلى أي واقع “سطحي أو سخيف” دون النظر إلى القدرة على تغيير هذه القناعات عن طريق الاهتمام من جديد بالفكر ويقظته، حتى وصلوا مع هذه الحالة إلى ما يشبه الآلات التي تعمل بناءا على رغبات واهتمامات الآخرين.
إن الناظر الى ما تقدم من مشكلات يعاني منها الشباب العربي، يرى بوضوح أن المتسبب في المشكلة لا يمكن حصره في المسؤولين والمجتمع بشكل عام دون النظر إلى دور الشباب أنفسهم، لذلك فإن الحلول يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين أولهما ما هو مطلوب ممن هم في مواقع المسؤولية، والثاني ما هو مطلوب من الشباب أنفسهم.
ماهو مطلوب من المجتمع والمسؤولين:
ما هو مطلوب من المجتمع بكل مكوناته ومن المسؤولين أمر كثير، فلا يعتقد أحدا أن المسؤولية تقع على الشباب أنفسهم فقط، فمن يريد تمكين الشباب وأن يكون لهم دور ومسؤولية، عليه أن يوفر الأجواء لذلك، وأن يؤمن ابتداءا بأن للشباب طاقة يجب أن تكون في مكانها الصحيح.
الاحتضان:
إن من أولى أولويات القيادات والمسؤولين احتضان طاقات الشباب وابداعاتهم وتوجيهها في الاتجاه الصحيح خدمة للشباب أولا ولمجتمعاتهم ثانيا. هذا الاحتضان من شأنه أن يوفر البيئة المناسبة ليقوم الشباب بدورهم في مجتمعاتهم على أكمل وجه، بتوجيه وارشاد ممن سبقوهم في الخبرة والجهد والعمل، ليكون هذا الاحتضان لتأمين الحياة الكريمة والمناسبة للشباب، وتوفير ما يلزم لتعزيز المهارات وأداء الأدوار والتدرج في مستويات المسؤولية.
إعطاء الفرصة للشباب لاثبات جدارتهم:
لن تظهر مواهب الشباب وقدرتهم على تحمل المسؤولية إلا اذا تعرضوا لها، فكثرة الكلام عن كم القدرات التي توجد عند الشباب العربي لا يفيدهم بشيء إلا إذا وُضِعوا فعلا في دائرة المسؤولية، كالوزراء الشباب الذين تحدثنا عنهم في بداية هذا المقال.
إن في تحمل المسؤولية فعلا على أرض الواقع اختبار مباشر لطاقات وقدرات واهتمامات الشباب، فإن اخطأوا قُوّموا وتعلموا من أخطائهم وإن أصابوا تعززت ثقتهم بأنفسهم. وهذا لا يتحقق إلا إذا أصبح في البرلمانات عدد لا بأس به من الشباب، وفي المجالس المحلية بل في ادارتها، وفي الحكومات وعلى رأس الشركات ودوائر الوزارات، دون الخوف من تهور الشباب وعنفوانهم، فالمسؤولية تُعلّمهم الانضباط.
تطوير التعليم والتدريب:
إن كان الشباب يمتلكون الطاقات الكبيرة، فهذه الطاقات تحتاج الى صقلها عن طريق التدريب والتعليم، وهنا يأتي دور النظام التعليمي، وما يكمله من مؤسسات ومعاهد، بحيث لا يقتصر الأمر على مجرد التعليم والتدريب بشكله المعتاد، بل يتعداه ليصبح أشبه بتحمل المسؤولية الفعلية عن طريق التدريب على إدارة المؤسسات والمعاهد والشركات وحتى الوزارات والمجالس المحلية. يجب أن تكون عملية التعليم والتدريب عبارة عن محاكاة صغيرة لواقع كبير وأشمل.
توفير المشروع:
أقصد بتوفير المشروع أن يكون هناك خطة واضحة لدمج الشباب في مجتمعاتهم وتمكينهم في تحمل المسؤوليات، وهذا لا يكون إلا عن طريق وجود هدف معلن وواضح للجميع بأنه لا مكان للشباب على قارعة الطرقات وفي المقاهي لتضييع الأوقات، بل هناك هدف واضح يعمل الجميع على تحقيقه، فكلنا يعلم بأنه إن لم يكن هناك هدف يستفز صاحبه سيكون هناك هدف آخر يجر صاحبه ومجتمعه إلى ما لا يحمد عقباه.
ما هو مطلوب من الشباب أنفسهم:
لعل الشباب العربي الآن ينظرون إلى حال بلادهم بشيء من الإحباط واليأس، وقد ملّوا كثيرا من كثرة الكلام والوعود بإعطائهم الفرصة لقيادة مجتمعاتهم، ولكن هذا لا يعني أبدا أنه لا يوجد دور مُلقى عليهم يجب أن يحرصوا على أدائه بالشكل الصحيح.
المبادرة:
على الشباب أن لا يملوا المبادرة، وأن لا يملّوا العمل في مبادراتهم التطوعية والمجتمعية، حتى وإن لم يحصلوا على التقدير السريع من المسؤولين والمحيطين، فلا تعني مرحلة الشباب شيئا إن لم تكن مليئة بالنشاط، وهذا ما لا يتحقق إلا بكثرة السعي والاجتهاد.
تشجيع الشباب بعضهم البعض:
إن اللافت لحال الشباب الآن هو تذمر بعضهم من بعض، ومحاولة البعض تحطيم طموح وأعمال شبابا آخرين في نفس أعمارهم. إن هذه التصرفات تجعل أصحاب القرار يغضون الطرف عن إعطاء أي مسؤولية للشباب، ذلك أنه من لا يثق بقدرات غيره من نفس الجيل، لن يجد من يثق بقدراته من الأجيال الأخرى. الشباب الذين يبحثون عن مصالحهم فقط ويسيرون على مبدأ “أنا أو لا أحد” لا يمكن أن يجدوا من يهتم بهم فضلا على أنهم يعيقون تقدم غيرهم. ليكن الشباب مشجعين لبعضهم البعض فنجاح أحدهم نجاح للجميع.
التطوير المستمر
يقصد هنا بالتطوير المستمر عدم التقوقع على حال واحد، أو الانتظار إلى حين أن يأتي أحدهم ليقدم للشباب فرصة تحمل المسؤولية، أو أن يبقى الشاب على حاله فترات طويلة دون تطوير وتدريب، ولنتذكر جميعا أنه من لا يطور نفسه يسبقه غيره. إن التطوير المستمر يعني أن يشارك الشباب في الدورات التدريبية، وأن يزيدوا من حصيلتهم العلمية باستمرار الدراسة والحصول على الشهادات المختلفة، وأن يزيدوا من رصيد ثقافتهم بالقراءة الواعية التي تنشّط العقل وتوقظ الفكر، وأن يقوموا بالاطلاع على تجارب الآخرين والدول المختلفة في مجال تخصص كل واحد منهم أو اهتمامه، مع مراعاة أن يتم هذا التطوير كله وفق أهداف واضحة وعين ترقب طريق التطوير والنتائج المترتبة عليه بالاعتماد على التركيز وعدم التشتت.
الوعي واليقظة
لا يعني الوعي واليقظة بأي حال من الأحوال التخوين والشك في كل ما يحيط بأمور الشباب، فلا هو يعني أن لا يثق الشباب بمن هم أكبر منهم وأقدم منهم خبرة وعملا، ولا هي تعني أن لا يتقبل الشباب ما يُعرض عليهم من مسؤوليات حتى لو كانت بسيطة. ما نقصده هو أن يكون الشباب قادرين على تحليل الأمور والأحداث المحيطة بهم وبمجتمعاتهم وقادرين على حماية أنفسهم ومن حولهم من المخاطر التي قد يتعرضون لها.
إن انفصال الشباب عن مجريات الأمور والأحداث يجعلهم غير قادرين على تحمل أي من المسؤوليات، وقد يكون سبب ذلك هو الأيدولوجيا أو الانتماء السياسي أو العرقي، فيكونون بذلك فريسة لاستغلال الآخرين وفرصة لايجاد الذرائع لعدم وضع الشباب في أدوار المسؤولية.
إن معركة الوعي واليقظة في ظل التقلبات الحاصلة في العالم واجتهاد البعض بطمس وعي الفئة الأكثر قدرة وعطاءا في الوطن العربي “الشباب” يجب أن تكون من أهم أولويات الشباب حتى يحصلوا على ما يريدون