ترجمة وتحرير نون بوست
انتشرت الكراسي في أحد مقاهي قرية منشية الرجولة، وكان الجميع بانتظار بداية مباراة مصر وكينيا في تصفيات كأس الأمم الأفريقية 2022. قال أحد الزبائن في الدقيقة 65 من المباراة بعد أن أحرزت كينيا هدف التعادل: “ما خطب محمد صلاح؟ إنه مثل هذه السفينة، عالق في الثلث الأخير من الملعب”، مشيرا بيده في اتجاه الشرق.
كان عوض، وهو مندوب مبيعات في مصنع للأسماك يبلغ من العمر 31 سنة، يشير إلى قناة السويس، حيث علقت سفينة حاويات يبلغ طولها 400 متر منذ الثلاثاء الماضي، ما أدى إلى تعليق حركة الملاحة على أحد أكثر ممرات التجارة ازدحاما في العالم. نشأ عوض في قرية منشية الرجولة المجاورة ولا يزال يعيش هناك، وقد شاهد مثل سكان المنطقة الكثير من حوادث السفن التي تحمل النفط والغاز والبضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا.
ينظر بعض سكان القرية الفقيرة بكثير من السخرية المشوبة بالمرارة إلى الكم الهائل من الوقت والمال الذي خصصته الحكومة والجهات الفاعلة الدولية لإعادة تعويم السفينة، وهو الأمر الذي تحقق جزئيا صباح الاثنين. يقول عوض: “نتمنى أن نرى جزءا من تلك الجهود المبذولة في تعويم السفينة من أجل حل مشاكل القرية”.
اهتمام دولي
اكتسبت قرية منشية الرجولة شهرة عالمية خلال الأسبوع الماضي، وربما كانت المرة الأولى التي يكتب فيها اسمها باللغة الإنجليزية في الصحافة الدولية. يمكن القول إن سكان القرية لديهم أفضل موقع لرؤية سفينة الحاويات العالقة التي جعلت التجارة العالمية على حافة الهاوية. لكن القرية التي تقع على بعد 20 دقيقة بالسيارة من ميدان الأربعين في السويس -أحد نقاط انطلاق انتفاضة 2011 التي شهدت مقتل عشرات المتظاهرين في اشتباكات مع الشرطة- تشبه في الواقع الكثير من القرى المهمشة المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.
يرفض سائقو سيارات الأجرة دخول القرية بسبب طرقها الوعرة، ومن أجل الوصول إلى القرية يستخدم السكان سيارات “التوك توك” والسيارات الخاصة والعربات التي تجرها الخيول. تمثل مياه الصرف الصحي مشكلة كبيرة للسكان، والعديد من المنازل المبنية من الطوب الأحمر في الأراضي الزراعية، هي مبان غير قانونية وتعمل بعدادات كهرباء ومياه مسروقة.
لم يشاهد تامر، وهو تلميذ يبلغ من العمر 16 سنة، أي أشخاص أجانب في حياته حتى جنحت سفينة إيفر غيفن التي عرقلت مئات السفن الأخرى وعطّلت سلاسل الإمداد العالمي.
يقول تامر لموقع ميدل إيست آي، وهو يقود عربة توك توك على الطرق غير المعبدة في السويس من أجل جمع بعض المال لإعالة أسرته بعد انقطاعه عن الدراسة: “لقد رأيت العديد منهم خلال الأيام القليلة الماضية، وكان من بينهم نساء جميلات أيضا”. لم يقتصر دور “إيفر غيفن” على تحويل منشية الرجولة إلى قرية مشهورة بين عشية وضحاها، بل أدى إلى حضور مكثف لرجال شرطة بزي مدني في القرية الفقيرة.
تقول سامية، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 45 سنة: “لم تشهد المدينة مثل هذا الحضور الأمني الكبير والأعداد الضخمة من رجال الشرطة بزي مدني منذ الانتخابات الماضية”. وقال ابنها هيثم، الذي يبلغ من العمر 29 سنة، مازحا أثناء مرور سيارة شرطة بالقرب من منزلهم: “نحن واثقون من أن رئيسنا وجيشنا قادرون على حلّ هذه المشكلة، كما أنهم سيعاقبون الإخوان المسلمين لأنهم تسببوا في هذا الحادث”، وذلك في إشارة إلى القمع الذي يسلطه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي على الجماعة منذ سنوات.
انتشرت الكثير من التعليقات الساخرة في الشارع المصري منذ أن جنحت السفينة وأغلقت قناة السويس، وقال البعض إن الحكومة ستتهم السفينة وقبطانها بالضلوع في مؤامرة للإضرار بسمعة مصر. تعتقد سامية أن السفينة كانت “ضيفا ثقيلا”، وتضيف: “اعتدنا على رؤية السفن من مختلف الأنواع والأحجام، لكنّنا استيقظنا يوم الثلاثاء ووجدنا أن هذه السفينة تأبى المغادرة”.
الأمل في الهجرة
بينما استحوذت أزمة القناة وتأثيرها على التجارة العالمية باهتمام واسع في معظم أنحاء العالم، لم يتم التركيز بشكل واضح على تأثير الأزمة على الاقتصاد المصري الذي يعتمد على القناة لجمع عائدات بمليارات الدولارات.
تؤكد سامية أنها كانت في السابق تهتم بأمر الاقتصاد المصري، لكنها لم تلاحظ أي تحسن في معيشتها على مدى السنوات الماضية، وتقول: “ما زلنا نسمع في الأخبار أن هذه المشكلة كبيرة وقد تؤثر على سعر الدولار، لكن دعونا نأمل أن يظل الجنيه على حاله”.
بالنسبة لتامر، الذي لم يسافر في حياته سوى إلى الإسكندرية والساحل الشمالي، حيث كان يعمل هناك، يرمز مرور السفن في القناة إلى الأمل في الرحيل من منشية الرجولة. لقد شاهد الكثير من السفن تحمل بضائع متنوعة من جميع أنحاء العالم، وهو يأمل أن يتمكّن يوما ما من التنقّل بسهولة مثل تلك البضائع. ويضيف تامر أن العديد من أصدقائه يفكرون أيضا في الهجرة، حتى إن كان ذلك بشكل غير قانوني، عبر أوراق سفر مزورة أو باستخدام القوارب المتجهة إلى إيطاليا. ويقول تامر: “سمعت أن هذه السفينة كانت متجهة إلى هولندا. أتمنى أن أعيش هناك وأن أزور منشية الرجولة فقط خلال الإجازة”.
المصدر: ميدل أيست اي