“السوق الآن في دبي استثنائي، بسبب أسعاره المنخفضة وشروط الدفع المواتية”.. هكذا علقت سيدة الأعمال الإسرائيلية ميري فاسيليفسكي، في مقابلتها مع وكالة Bloomberg الأمريكية، على دوافع استثمارها في السوق العقاري الإماراتي الذي بات هدفًا للمستثمرين الإسرائيليين.
الوكالة الأمريكية في تقريرها المنشور في 29 مارس/آذار 2021، أشارت إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية الإماراتية منذ إبرام اتفاق أبراهام في سبتمبر/أذار 2020 أسهم في رواج سوق العقارات، ما دفع لزيادة الطلب على المترجمين والمتحدثين باللغة العبرية للترويج للشركات الإسرائيلية داخل الإمارة الخليجية.
الهزة العنيفة الذي تعرض لها سوق العقارات في دبي خلال العامين الماضيين، أسالت لعاب المستثمرين الإسرائيليين بصورة كبيرة، وهو ما حوًل العاصمة الخليجية إلى وجهة الكثير منهم، إذ زار نحو 130 ألف إسرائيلي الإمارات منذ توقيع اتفاق التطبيع، نسبة كبيرة منهم رجال أعمال.
الإقبال على سوق العقارات في دبي لم يكن الاستثمار (في ضوء المحفزات التي يقدمها بعد انهياره) هدفه الأساسي وفقط، فالدولة العبرية وفي ظال حالة التناغم والتنسيق مع قاطرة التطبيع الخليجية تسعى إلى إنقاذ حليفها من مأزقه الحالي الذي يواجه شبح تراجع نفوذه الإقليمي بشكل كبير.
إقبال إسرائيلي
التقرير نقل عن نائب الرئيس الأول في شركة “داماك” العقارية، نيال ماكلوغلين، قوله إن الإسرائيليين يتطلعون إلى الشراء أو الاستئجار قبل معرض إكسبو الدولي 2020 بدبي، المقرر عقده في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو ما زاد من إجمالي الطلب على قطاع العقارات.
ومن أجل مواجهة هذه الطفرة التي أحدثها الإسرائيليون بدأت شركة “داماك” وبعض الشركات الأخرى في مقدمتها منافستها شركة “إعمار”في البحث عن توظيف متحدثين باللغة العبرية للتواصل مع المستثمرين الإسرائيليين، هذا بخلاف انتشار الإعلانات التي تروج للاستثمار في عقارات دبي على مواقع الإنترنت العبرية.
سيدة الأعمال الإسرائيلية، فاسيليفسكي، أشارت في تصريحاتها للوكالة الأمريكية أنها وغيرها من عشرات المستثمرين في بلادها سعوا إلى استثمار حالة الركود في السوق العقاري بدبي، واستغلال التحفيزات التي يقدمها من أجل التوغل في هذا السوق الذي تعتقد أنه سيكون وجهة الكثير من رجال الأعمال الإسرائيليين خلال الأونة القادمة.
وكشفت أنها بدأت في إنشاء شركة تلبي احتياجات قاعدة العملاء، وبيع الهواتف النقالة للإسرائيليين، وتقديم الخدمات المعلوماتية الخاصة بالعقارات والفرص لمستثمري بلادها، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة نجحت في تحقيق نسبة جيدة من المبيعات على حد قولها.
فاسيليفسكي وغيرها من الشركات العبرية يعتبرون أن مثل تلك المشروعات التي يدشنها الإسرائيليون في الدولة الخليجية الفترة الأخيرة هي طوق النجاة لسوق العقارات الإماراتي الذي يعاني من أزمة خانقة في السنوات الماضية، بسبب التباين الكبير بين المعروض والمطلوب والذي تعزز بصورة أكبر مع النزوح الجماعي لآلاف المغتربين في أعقاب تفشي فيروس كورونا، مما جعل الأسعار قريبة من أدنى مستوياتها منذ أواخر عام 2012.
فرصة استثنائية
السوق العقاري في الإمارات عمومًا هذه الأيام بات فرصة استثمارية كبيرة للإسرائيليين وغيرهم من الجنسيات الأخرى بعد حالة التهاوي التي تعرض لها، وهو ما أشار إليه دانيال غولدشتاين، مدير مكتب “بوشامب إستيتس” (شركة عقارية متعددة الجنسيات)، إن رجال الأعمال الإسرائيليين يبحثون عن أعلى العوائد، موضحًا أن العائد في دبي أو الإمارات عموماً أعلى بكثير مما تحققه في أي مكان بإسرائيل، على حد قوله.
تراجع أسعار العقارات السكنية في دبي بنسبة 40% تقريباً عن مستوياتها في 2014 أغرى المستثمرين الأجانب للإقدام على عمليات الشراء، على أمل معاودة الارتفاع مجددًا خلال الفترة القادمة بعد إسدال الستار على أزمة كورونا، رغم تأكيد وكالات التصنيف الاقتصادي استمرار الأزمة لفترات طويلة.
وكانت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية قد حذَّرت بداية مارس/آذار الجاري من أن رحيل نحو 8.4% من السكان بعد تفشي فيروس كورونا، من المرجح أن ينقص الربحية في شركات العقارات بدبي، فيما توقعت أن سوق العقارات في الإمارة الخليجية قد ينخفض قياسياً ليبلغ القاع خلال 2022، بعدما تجاوز عاماً صعباً سنة 2020.
المحللة بالوكالة “سابنا جاجتياني” أشارت إلى معاناة السوق العقاري بدبي من خلل كبير في العرض والطلب قبل ظهور كورونا الذي زاد من سوء الوضع، متوقعة أن يستمر الانخفاض في القطاع السكني هذا العام، “وأن تظل معدلات الرهن العقاري منخفضة، الأمر الذي سيشجع السكان على شراء العقارات بدلاً من استئجارها”.
وفي المقابل هناك من يرى أن الإقبال الكبير للإسرائيليين على السوق العقاري الإماراتي سيقابل بالرفض المجتمعي في ظل تحفظ شريحة كبيرة من الإماراتيين على خطوة التطبيع مع المحتل، لكن أخرين ذهبوا إلى أن ضخ الاستثمارات العبرية بهدف إنقاذ قطاع العقارات في دبي- الذي يقدر أن يصل إلى 130 مليار دولار بحلول عام 2023- سيكون موضع ترحيب كبير من جانب الشعب الإماراتي.
دعم الحليف الإماراتي
تحيا الإمارات و”إسرائيل” مرحلة من حميمية العلاقة لم تشهدها الدولتان منذ نشأتهما، فالتنسيق التام على كافة المستويات وصل إلى درجة تجاوزت إطار التحالفات التقليدية إلى ماهو أعمق من ذلك، حتى باتت الدولة الخليجية العربية أحد أوراق الدعاية الانتخابية لرئيس الحكومة العبرية المتهم بالفساد والمغضوب عليه شعبيًا للخروج من مأزقه السياسي.
تقود أبوظبي قاطرة التطبيع مع دولة الاحتلال والترويج له، بل وتمارس نفوذها المالي والسياسي لتوسيع رقعة الدول العربية المطبعة مع الكيان، هذا رغم الرفض الشعبي الواضح والتحفظات الاستراتيجية من قبل العديد من التيارات السياسية في المنطقة، ورغم تداعيات ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية التي تسير الإمارات عكس اتجاهها تمامًا منذ اعتلاء أبناء زايد سدة العرش.
وعلى المستوى الاقتصادي تسعى البلدان لتعميق جذور التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية المتعددة، إذ تتوقع تل أبيب أن يصل حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى 6.5 مليار دولار مع نضوج التعاون، هذا في الوقت الذي أنشأت فيه الإمارات صندوقا استثماريًا قيمته 10 مليار دولار من أجل استهداف القطاعات الاستراتيجية في دولة الاحتلال.
التعاون المتوقع بين البلدين لن يقتصر على السوق العقاري وفقط، بل اتفق البلدان على فتح أفاق تعاون في مجال التكنولوجيا الزراعية ومكافحة فيروس كورونا، بل دخلتا في شراكة لتطوير الأسلحة، هذا بخلاف الاستثمار الرياضي والذي توج بجانب التطبيع الرياضي إلى استثمار إماراتي مباشر في الأندية العبرية، أحدها يشتهر بكراهيته للعرب وعنصريته ضدهم.
وفي الأخير يبدو أن تل أبيب تود أن ترد الجميل لحليفها الإماراتي المخلص الذي كان له دورًا كبيرًا في إعلاء أسهم الحكومة العبرية التي حققت بفضل دعم أبناء زايد ما لم تحققه طيلة العقود الماضية بشأن توسعة رقعة الاستيطان حتى شملت الأماكن المقدسة وإضعاف القضية الفلسطينية، ليكون التعاون من أجل إنقاذ سمعة دبي كسوق عقاري عالمي أقل ما يمكن أن يقدمه الحليف لحليفه الوفي.