في وضح النهار، انتشرت عشرات العربات العسكرية رباعية الدفع وسط شوارع العاصمة العراقية بغداد صبيحة يوم الخميس 25 من مارس/آذارالحاليّ. انتشار عسكري ليس الأول من نوعه، إلا أن العربات العسكرية المشاركة فيه كانت تحمل لافتات تشير إلى فصيل يطلق على نفسه “ربع الله” في مشهد بات بتكرر كثيرًا في العاصمة العراقية.
تسبب الانتشار العسكري بحالة إرباك كبيرة في شوارع بغداد مع استغراب البغداديين من هذا الاستعراض وتساؤلاتهم عن أهدافه ومآلاته، في ظل تعثر البلاد بالعديد من الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية، فضلًا عن الأزمة الصحية وتفشي فيروس كورونا.
مصدر أمني عراقي يعمل في قيادة عمليات بغداد أوضح أن “قيادة العمليات تلقت إشعارًا بوجود استعراض عسكري لميليشيا مسلحة”، مشيرًا إلى أنه لم تصدر أي أوامر عسكرية بالتدخل أو الاعتقال للمجوعات المشاركة فيه، في حين أبدى الناطق باسم العمليات المشتركة تحسين الخفاجي استغرابه من الاستعراض الذي لم تبلغ به القيادة.
ما هو فصيل ربع الله؟
لم يكتف الاستعراض العسكري بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بالانتشار في العاصمة، إذ رفع المسلحون الذي يستلقون عربات – بعضها تحمل لوحات تسجيل حكومية – لافتات تظهر رسوم “دعس بالحذاء” لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات أحمد أبو رغيف، فضلًا عن تشهير وتهديد هذه الفصائل لعدد من القادة الأمنيين البارزين.
طالب المسلحون بخفض سعر الدولار أمام الدينار العراقي وإعادة الدعم الحكومي له في بيان قرأه أحد المسلحين، كما طالبوا أيضًا بعدم منح موازنة لإقليم كردستان كما حذروا ممن وصفوهم بـ”عملاء أمريكا والسعودية”.
في السياق، يقول المحلل الأمني العراقي رياض العلي في حديثه لـ”نون بوست” إن الفترة التي أعقبت اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في يناير/كانون الثاني 2020 شهدت ظهور العديد من التسميات لفصائل لم تكن معروفة من قبل على الساحة العراقية.
ويتابع العلي أن فصيل ربع الله شارك في إحراق العديد من مقرات القنوات الفضائية وتفجير العبوات الناسفة على أرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف، فضلًا عن مسيرات مسلحة مناهضة للحكومة.
وعن تبعية هذا الفصيل، يشير العلي إلى أن الكثير من الدلائل والقرائن تؤكد أن هذا الفصيل هو الواجهة لكتائب حزب الله العراقية التي ارتأت إطلاق هذه التسمية على الفصيل وتبنيها للعمليات العسكرية في محاولة لخلق الفوضى وتقليص إمكانية استهدافها من واشنطن في عهد ترامب.
ويستدل العلي على تبعية ربع الله لكتائب حزب الله ببيان المتحدث باسم الكتائب أبو علي العسكري الذي نشره ليل الخميس على موقعه في منصة “التيليجرام” الذي أشار فيه إلى أن بغداد شهدت تحريك بعض أرتال الحشد الشعبي تجاه أطراف بغداد.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن هناك العديد من المجموعات المشابهة لربع الله من حيث التسمية، إذ ظهرت في الأشهر الأخيرة فصائل تطلق على نفسها مسميات كأصحاب الكهف وقاصم الجبارين وسرايا أولياء الدم وغيرها.
ويأتي استعراض ربع الله الأخير بعد أسابيع من استعراض مماثل نفذته سرايا السلام التابعة للتيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي شهد مشاركة آلاف المقاتلين من السرايا بعرباتهم العسكرية المدججة بالسلاح.
أهداف عسكرية
يعيش العراق على وقع أزمة أمنية متفاقمة، إذ يشهد ومنذ أشهر استهدافًا متكررًا لمقرات التحالف الدولي وقواعده العسكرية، فضلًا عن استهداف متكرر ومتصاعد لخطوط إمداد التحالف الدولي.
الهدف الثاني يأتي لإثبات كتائب حزب الله لقوتها العسكرية وتمكنها من التجول داخل بغداد على مرأى ومسمع من القوات الأمنية
وعلى الرغم من أن هيئة الحشد الشعبي أصدرت بيانًا صحفيًا نفت فيه نفيًا قاطعًا وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد الشعبي داخل العاصمة بغداد، تشير بعض المعلومات أن فصيل كتائب حزب الله غير مدرج بصورة كلية داخل الحشد، فضلًا عن وجود خلافات كبيرة بين قادة الحشد وقادة الكتائب، بحسب الخبير الأمني حسن العبيدي.
ويتابع العبيدي حديثه لـ”نون بوست” قائلًا “هناك هدفين عسكريين واضحين من استعراض ربع الله داخل بغداد، يتمثل الأول بأنه رد على استعراض سرايا السلام الأخير قبل أسابيع، فعلاقة التيار الصدري مع كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق تمر بأسوأ مراحلها”.
ويضيف “الهدف الثاني يأتي لإثبات قوة كتائب حزب الله العسكرية وتمكنها من التجول داخل بغداد على مرأى ومسمع من القوات الأمنية، فضلًا عن أن هذا الاستعراض يأتي لسحب المشهد من الحكومة وإثارة متابعة العراقيين، بعد أن تمكنت قوات جهاز مكافحة الإرهاب من تدمير عشرات الأوكار لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العملية التي أطلق عليها الجهاز “الأسد المتأهب” التي استمرت أسبوعين جنوب محافظة نينوى”.
أهداف سياسية
تتعدد أهداف الاستعراض العسكري الأخير لربع الله، فقد اعتبر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن الهدف من الاستعراض العسكري هو إرباك الوضع وإبعاد العراق عن دوره الحقيقي، مضيفًا “هناك من يعتقد أنه بالسلاح يهدد الدولة، قائلًا: “كفى حروبًا وسلاحًا”.
من جانبه، يقول الباحث السياسي أحمد الشريفي إن هناك تراجعًا في الرصيد الجماهيري للحركات السياسية الإسلامية، بالتالي ترغب هذه الجهات بتأطير صراعاتها بأطر تقترب من مشاعر العراقيين، إلا أن الواقع لا يخرج عن كونه محاولة لإعادة ترميم العلاقة بينها وبين الشعب العراقي، فضلًا عن الصراع على السلطة.
أما السياسي العراقي مثال الآلوسي فقد أكد أن أخطر ما يمثله استعراض ميليشيا ربع الله يتمثل بمشاهدة الناس الحكومة وهي تتراجع أمام حملة السلاح، وهو ما يفقد الشعب العراقي ثقته بحكومته، وبالتالي ازدياد سلطة الميليشيات على أرض الواقع بما يمثل السقوط التام للدولة العراقية.
وأضاف الآلوسي “الحكومة العراقية أعلنت على المستوى الداخلي 3 أهداف أساسية لتحقيقها عقب تنصيبها، وهي نزع السلاح وإجراء انتخابات نزيهة ومحاربة الفساد”، مشيرًا إلى أنه وبعد قرابة العام على تشكيل حكومة الكاظمي باتت هذه الأهداف غير واقعية.
ليس هذا فحسب، إذ يرى مراقبون أن الاستعراض العسكري الأخير يأتي قبيل عقد القمة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية التي كان من المقرر عقدها ببغداد، وبالتالي يأتي الاستعراض من أجل إيصال رسالة لجميع الدول أن أي صفقات اقتصادية بين العراق والدول العربية لا يمكن أن تمر إذا أثرت على الاقتصاد الإيراني وعلاقته بالعراق.