تضم مواقع الإنترنت عشرات الآلاف من الأفلام الوثائقية حول كل شيء، من قتلة القطط إلى المهرجانات الموسيقية، لكن بعض الأفلام تقدم طرحا فريدا قد يجعلك تفكر بشكل مختلف تماما في بعض القضايا. من بين تلك الأفلام “الحوت الأسود” الذي صدر سنة 2013، والذي تناول قضية اصطياد الحيتان بشكل غير مشروع، ثم فيلم “مؤامرة البقر: سر الاستدامة” سنة 2014 بشأن تربية الماشية. وتقدم نتفليكس حاليا فيلما وثائقيا صدر في 2021 بعنوان “بحار ومؤامرات“.
يتحدث هذا الفيلم الوثائقي عن قطاع صيد الأسماك، وشارك فيه مجموعة من صناع فيلم “مؤامرة البقر”، ويقدم حقائق جديدة حول ما يعنيه حقا أن تكون المأكولات البحرية مستدامة. يسلط الفيلم الضوء على مصايد الأسماك العالمية ويوضح كيف تتطور مشاكل البحار بينما يركز الجميع على مشاكل زراعة الأراضي.
من خلال السفر عبر العالم من جزر فارو إلى تايلاند واليابان واسكتلندا، يقوم المخرج والراوي علي تبريزي (وشريكه) بتصوير رحلة تبدأ من الحب الطفولي للمحيط، لتنتهي بالكشف عن بعض أكبر المشاكل، وما إذا كان أولئك المكلفون بالعناية بالمحيط يقومون بدورهم بالشكل المطلوب أم لا. فيما يلي أكبر سبعة دروس استخلصتها صحيفة الإندبندنت من الفيلم الوثائقي، والتي ستشكل الطريقة التي ننظر بها إلى الثروة السمكية مستقبلا.
مشكل البلاستيك في البحار
يبدأ الفيلم الوثائقي بعناوين مألوفة للغاية عن الحيتان والحيوانات البحرية الأخرى التي يتم لفظها على الشواطئ وبطونها مليئة بالبلاستيك، بالإضافة إلى لقطات من الحملات التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة حول تقليل كمية البلاستيك التي يلقي بها البشر في المحيط، وعلى وجه الخصوص الأعواد القطنية والشفاطات والزجاجات البلاستيكية.
يقول تبريزي: “هناك كمية من البلاستيك تساوي شاحنة نفايات تُلقى كل دقيقة في المحيط، وهناك فعليا أكثر من 150 مليار طن من الميكروبلاستيك، إنها الآن تفوق عدد النجوم في درب التبانة”.
شباك الصيد
نظرا لمقدار الاهتمام بتقليل الاستخدام المنزلي أو الفردي للبلاستيك والحملات الحكومية لحظر الأعواد القطنية البلاستيكية والشفاطات وأدوات تحريك المشروبات، فمن الطبيعي أن يرى الجمهور أن هذه الأشياء أكبر تهديد للبيئة البحرية. لكن فيلم “بحار ومؤامرات” يقول إن أحد أكبر الرواسب البلاستيكية هو في الواقع منتجات ثانوية للصيد التجاري، مثل الشباك، حيث يؤكد أن 46 بالمئة من النفايات في المحيط الهادئ [مجموعة من الحطام البحري في شمال المحيط الهادئ، والمعروفة أيضا باسم دوامة نفايات المحيط الهادئ] تتكون من شباك الصيد، في حين أن الشفاطات البلاستيكية لا تمثل سوى 0.03 بالمئة من البلاستيك الذي يدخل المحيط. في الواقع، حبال الصيد الطويلة كافية للالتفاف حول الكوكب 500 مرة كل يوم.
يقول خبير البيئة جورج مونبيوت: “شباك الصيد المهملة أكثر خطورة على الحياة البحرية من الشفاطات البلاستيكية لأنها مصممة للقتل”. ويؤكد الفيلم أن 1000 سلحفاة فقط قُتلت جراء البلاستيك في المحيطات، بينما تم اصطياد أو إصابة أو قتل 250 ألف سلحفاة بحرية بواسطة سفن الصيد. ويقول عالم البحار كالومن روبرتس إن تسرب النفط في ديب ووتر هورايزون سنة 2010 “أفاد” الحياة البحرية لأن مناطق كبيرة أصبحت مغلقة أمام الصيد مما منح المحيطات فترة راحة.
الصيد العرضي
الصيد العرضي هو الأسماك أو الثدييات التي يتم الإمساك بها عن غير قصد عندما يحاول الصيادون اصطياد سمكة محددة، مثل اصطياد الدلافين في شباك مصممة لصيد سمك التونة. تُقتل بعض هذه الأسماك على الفور، لكن حتى الذي يُلقى به في البحر لا ينجو على الغالب، حسب الفيلم. ويؤكد الفيلم أن ما يصل إلى 50 مليون سمكة قرش يتم اصطيادها سنويا بشكل عرضي.
ويقول الكابتن بيتر هامارستيدت، من منظمة “راعي البحر” البيئية: “أحد أكثر الأشياء الصادمة التي لا يدركها معظم الناس هو أن أكبر تهديد للحيتان والدلافين هو الصيد التجاري. يُقتل أكثر من 300 ألف حوت ودلفين كل سنة نتيجة للصيد الصناعي”. وتؤكد منظمة “راعي البحر” أن ما يصل إلى 10 آلاف من الدلافين يتم صيدها سنويا في المحيط الأطلسي قبالة الساحل الغربي لفرنسا.
هذه ليست مشكلة من حيث قتل على هذه الكائنات فحسب، ولكنها تهدد المناخ أيضا، لأن الحيتان والدلافين تلعب دورا حاسما في تسميد العوالق النباتية في البحر، والتي يقول فيلم “بحار ومؤامرات” إنها تمتص أربعة أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها غابات الأمازون المطيرة، وتولّد 85 بالمئة من الأكسجين على الأرض.
الملصقات على الأطعمة لا تعكس الحقيقة
إذا كنت تطمئن نفسك بالقول إن استهلاكك للمأكولات البحرية لا يؤذي الدلافين لأن العلبة تحمل ملصق “آمن على الدلافين”، فإن الفيلم يحثك على التفكير في الأمر مرة أخرى.
عند سؤاله عن مدى مصداقية ملصق “آمن على الدلافين”، قال مارك جي بالمر من معهد إيرث آيلاند، والمسؤول عن برنامج “آمن على الدلافين”: “لا، لا أحد يستطيع ضمان أن المنتج آمن على الدلافين – بمجرد أن يكون الصيادون هناك في المحيط. كيف تعرف ماذا يفعلون؟ لدينا مراقبون على متن السفينة ولكن يمكن رشوتهم، كما أنهم لا يشاركون بشكل منتظم”.
في بيان على موقع المعهد على الإنترنت، أوضح بالمر ردا على ما جاء في الفيلم: “عند سؤالنا عما إذا كان قادرين على ضمان عدم قتل أي دلافين عند اصطياد أسماك التونة في أي مكان في العالم، أجبت بأنه لا توجد ضمانات. ولكن من خلال التقليل بشكل كبير من عدد السفن التي تطارد الدلافين عن عمد وتحاول اصطيادها، بالإضافة إلى اللوائح الأخرى المعمول بها، فإن عدد الدلافين المقتولة منخفض جدا. لقد أخرج الفيلم كلامي من سياقه ليشير إلى أنه لا توجد رقابة ولا نعرف ما إذا كانت الدلافين تُقتل أم لا. هذا ببساطة غير صحيح”.
ويضيف البيان: “خلاصة القول هي أن علامة “آمن على الدلافين” وقيود الصيد تنقذ حياة الدلافين. صحيح أن الصيد التجاري يخرج عن السيطرة في كثير من الحالات في جميع أنحاء العالم، لكن التونة المعلبة التي تحمل علامة “آمن على الدلافين” مؤشر على حماية للدلافين وتثبت الحفاظ على الثروة السمكية أكثر من الغالبية العظمى من مصايد الأسماك الأخرى”.
أضاف متحدث باسم مجلس الإشراف البحري دفاعا عن الشهادات الخاصة به: “لا يتم المصادقة على هذه الشهادات بواسطة مجلس الإشراف البحري – إنها عملية مستقلة عنا ويتم تنفيذها بواسطة هيئات تقييم ذات خبرة. إنها عملية شفافة تماما والمنظمات غير الحكومية وغيرها لديها فرص متعددة لتقديم الاعتراضات. يمكن الاطلاع على جميع تقييماتنا عبر الإنترنت بواسطة خدمة ‘تتبع مصايد الأسماك’. يتم اعتماد المصايد التي تفي بالمتطلبات الصارمة التي وضعناها”.
ويضيف المتحدث باسم مجلس الإشراف البحري: “على عكس ما يقوله صانعو الفيلم، فإن إصدار الشهادات ليس عملية سهلة، وبعض مصايد الأسماك تقضي سنوات عديدة في تحسين ممارساتها من أجل الوصول إلى معاييرنا. في الواقع، يُظهر تحليلنا أن الغالبية العظمى من مصايد الأسماك التي تجري تقييمات مسبقة وفقا لمعاييرنا لا تلبي هذه المعايير وتحتاج إلى إجراء تحسينات كبيرة للحصول على الشهادات”.
معايير الاستدامة البيئية
بالإضافة إلى طرح أسئلة حول ملصقات مثل “آمن على الدلافين”، يتساءل الفيلم أيضا عما إذا كان هناك أي طريقة يمكن من خلالها أن يكون صيد الأسماك مطابقا لمعايير الاستدامة البيئية، أو إذا كان هناك أي نوع من الأسماك التي يمكننا تناولها دون الإضرار بالمحيطات مثل الصيد التجاري على نطاق واسع. لكن يبدو أن جزءا كبيرا من الفيلم الوثائقي يشير إلى أن الاستدامة لا تزال مصطلحا مبهما.
تقول ماريا خوسيه كورنكس، مديرة حملات مصايد الأسماك في “أوسيانا يوروب”، وهي منظمة غير ربحية تهدف للحفاظ على المحيطات: “لا يوجد تعريف للاستدامة بالنسبة لعمل مصايد الأسماك. لا يمكن للمستهلك أن يقيّم بشكل صحيح ما هي الأسماك المستدامة وغير المستدامة. لا يمكن للمستهلك اتخاذ قرار واضح في الوقت الحالي”.
من جهتها، تقول الدكتورة سيلفيا أليس إيرل، عالمة الأحياء البحرية الأمريكية: “نتوقع أنه بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، إذا واصلنا اصطياد الأسماك البرية بالمستوى الذي نحن عليه اليوم فلن يكون هناك ما يكفي من الأسماك لصيدها”، وتوقعت أن تكون المحيطات خالية من الأسماك تقريبا بحلول سنة 2048.
يؤكد فيلم “بحار ومؤامرات” أنه يتم اصطياد ما يصل إلى 2.7 تريليون سمكة سنويا، أو خمسة ملايين سمكة كل دقيقة، ويقول إنه لا توجد صناعة أخرى على وجه الأرض قتلت هذا العدد من الثدييات. كما يسلط الفيلم الضوء على المشاكل التي تنجر عن بعض طرق الصيد مثل الصيد بجارفة القاع [طريقة صيد تتضمن جر الشباك الثقيلة عبر قاع البحر]، والتي يدعي الفيلم أنها تقضي على ما يقدر بنحو 3.9 مليار فدان من قاع البحر سنويا.
هل الاستزراع حل مناسب؟
يقدم الفيلم خيار الاستزراع كبديل لصيد الأسماك البرية من البحار. لكن في زيارة لإحدى مزارع سمك السلمون في اسكتلندا، يكشف الفيلم عن مشاكل التكاثر في هذه المزارع، مثل الأمراض والقمل والنفايات. ويقول الفيلم إن كل مزرعة سلمون تنتج كمية من النفايات العضوية تعادل تلك التي ينتجها 20 ألف شخص، وأن صناعة السلمون الاسكتلندية تنتج نفايات عضوية تعادل التي ينتجها سكان اسكتلندا كل سنة. كما يدعي الفيلم أنه نتيجة لاستزراع الروبيان والقريدس، تم تدمير 38 بالمئة من غابات الأيكة الساحلية في العالم.
العبودية في البحر
يرى جورج مونبيوت أن ظروف العمل في مصايد الأسماك نوع جديد من العبودية. ويقارن الفيلم الوثائقي بين عدد الجنود الأمريكيين الذين لقوا حتفهم خلال 5 سنوات من حرب العراق – قرابة 4500 جندي – وبين حالات الوفيات في صفوف صيادي الأسماك خلال الفترة ذاتها، وقد بلغت 360 ألف حالة وفاة. ويقول الكابتن هامارستيدت من منظمة “راعي البحر”: “إنها الجماعات الإجرامية نفسها التي تقف وراء تهريب المخدرات والاتجار بالبشر”.
أُجريت مقابلات مع صيادين سابقين في تايلاند، وقد زعموا أنهم احتُجزوا في قوارب لسنوات وعاشوا ظروفا مزرية وواجهوا تهديدات بالقتل. وادعى أحدهم أن قبطان السفينة احتفظ بجثث عدد من البحارة في ثلاجة.
بالإضافة إلى هذا البؤس الذي يعانيه عدد من الصيادين، يربط الفيلم الوثائقي أيضا بين تدمير الثروات السمكية واضطرار بعض المجتمعات الفقيرة إلى تناول المزيد من لحوم حيوانات الأدغال والثدييات البرية، في ظل نقص الأسماك. ويربط الفيلم الوثائقي بين هذه الزيادة وتفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا.
التوقف عن تناول السمك
على الرغم من أن الفيلم الوثائقي يستكشف خيارات مختلفة – مثل تناول المزيد من الأسماك المستدامة أو أسماك المزارع، بدلا من الأسماك من البرية – إلا أنه يخلص إلى أن أفضل ما يمكن فعله للنظم البيئية البحرية هو عدم تناول الأسماك على الإطلاق. كما يدعو الفيلم إلى ضرورة إنشاء “مناطق يُمنع فيها صيد الأسماك” في جميع أنحاء العالم من أجل الحفاظ على الثروة السمكية.
ويقول الفيلم إن المعتقدات الراسخة بأن الأسماك لا تشعر بالألم أو أنها ليست ذكية بما يكفي لكي تحس بالخوف لا أساس لها من الصحة، وأن الأسباب الأخرى لتجنب صيد الأسماك تشمل التلوث الشديد بالمواد الصناعية، بما في ذلك الزئبق والمعادن الثقيلة والديوكسينات. حسب فيلم “بحار ومؤامرات”، يجب أن تكون الأسماك خارج القائمة تماما.
لكن مجلس الإشراف البحري يقول: “الصيد المستدام موجود بالفعل ويساعد على حماية محيطاتنا. أحد الأشياء المدهشة حول محيطاتنا هو أن مخزونات الأسماك يمكن أن تتعافى وتتجدد إذا تمت إدارتها بعناية على المدى الطويل. نختلف مع الكثير مما يقوله صناع الفيلم الوثائقي ‘بحار ومؤامرات’، لكن هناك شيء واحد نتفق معه وهو أن هناك أزمة صيد جائر في محيطاتنا. ومع ذلك، يعتمد الملايين حول العالم على المأكولات البحرية لتلبية احتياجاتهم من البروتينات. مع وصول عدد سكان العالم إلى 10 مليارات نسمة بحلول سنة 2050، أصبحت الحاجة إلى مراقبة مواردنا الطبيعية مسؤولية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، ويلعب الصيد المستدام دورا حيويا في تأمين تلك الموارد”.
المصدر: ذا إندبندنت