يواجه وزير الإعلام المصري، أسامة هيكل، حملة هجوم حادة، ربما تطيح به من فوق كرسي الوزارة، بعدما تجاوزت الانتقادات شاشات الفضائيات ومنصات المواقع إلى أروقة مجلس النواب (البرلمان)، إذ تقدم النائب نادر مصطفى وكيل لجنة الإعلام والثقافة والآثار بالمجلس، بأول طلب استجواب للوزير.
الطلب وفق ما هو مدون في الأمانة العامة للبرلمان يشير إلى أن سبب الاستجواب هو “التقصير والفشل في أداء الوزير مهام منصبه المكلف بها، واستمرار ارتكابه مخالفات مالية وإدارية بالشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي بالمخالفة للدستور والقانون”، ومن المقرر مناقشته خلال الأيام القادمة.
رئيس البرلمان، المستشار حنفي الجبالي، أبلغ الوزير بالمثول أمام المجلس لمناقشة الاستجواب، غير أن الوزير اعتذر للمرة الثانية، وهو ما اعتبره رئيس المجلس “تحججًا ومماطلةً ومضيعةً للوقت وعدم تقدير لاختصاصات المجلس، مما يؤدى إلى تعطيل المجلس عن ممارسة دوره الرقابي”.
ويتعرض هيكل الأشهر الأخيرة لانتقادات حادة، من كل الأذرع الإعلامية للدولة، بلغت حد بث تسجيلات صوتية له على التليفزيون الحكومي الرسمي، الذي من المفترض أن يرأسه الوزير، وهو ما يشير إلى خطة ممنهجة ونية مبيتة للإطاحة به التي باتت أقرب من أي وقت مضى.
انتقاد الإعلام الرسمي
بدأ الهجوم على الوزير عقب نشره تصريحات انتقد فيها المنظومة الإعلامية المصرية، وفقدان الشارع الثقة فيما تقدمه من مضامين، مستنكرًا حظر نشر بعض الموضوعات من الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة وهو ما وصفته الجماعة الصحفية والإعلامية بـ”المسيئة”.
هكيل وعلى الصفحة الرسمية لوزارة الإعلام على فيسبوك كتب يقول: “الأعمار أقل من 35 سنة، ويمثلون نحو 60 أو 65% من المجتمع، لا يقرأون الصحف ولا يشاهدون التليفزيون. وبالتالي من المهم التفكير في نمط حياة هذه الفئات”، لتنهال عليه الانتقادات من كل جانب.
التصريحات أثارت غضب وسخط الرموز الإعلامية الداعمة والمدعومة من النظام، فبعد ساعات قليلة كان هيكل هو محور برامج “التوك شو”، والحملات الصحفية الإلكترونية والورقية، وقاد الحملة على الوزير خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع، ومحمد الباز رئيس تحرير الدستور، ووائل الإبراشي مقدم برنامج التاسعة على التليفزيون المصري حملة الهجوم الحاد على الوزير.
استهداف هيكل وهو وزير الإعلام المصري وصل إلى حد إذاعة مكالمة هاتفية شخصية مسجلة، جمعته ورئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي، تناولت أمورًا تتعلق بتنسيق العمل مع جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية، ورغم أن المكالمة لم تدينه بشكل ما، وحينها لم يكن وزيرًا، إلا أنها كشفت أن الحملة التي تشن ضده بأوامر عليا ومتوافق عليها من الجهات السيادية، وإلا فحملة ضد وزير وعبر التليفزيون الرسمي للدولة لا يمكن لها أن تكون دون إذن من الجهات العليا.
تحرك برلماني
الاقتراب من منظومة الإعلام الرسمي بالتجريح أو التقليل تحول إلى جريمة يجب ألا تمر مرور الكرام، هكذا كان حال مجلس النواب الذي استجاب لحملات التشويه والانتقاد التي قادها رموز المهنة ضد وزير الدولة رغم أنه أحد أركان المنظومة والمخول له تطويرها.
الوزير في بيانه الخاص بحقيبته الوزارية في الأسابيع الأولى من عمر البرلمان، أشار إلى أن عمله منذ تكليفه برئاسة الإعلام انصب على محورين: الأول إنشاء كيان للوزارة وتحديد مقر للعمل وميزانية، الثاني متعلق برؤية الوزارة للعمل ودمجها في خطة عمل الحكومة، وكان ذلك بعد التطورات التي شهدتها الخريطة بتقسيم الهيئات الإعلامية إلى المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام.
ورغم مساعيه للتهدئة، فإن ذلته في نقد الإعلام ورموزه لن تغتفر، إذ اتهمه رئيس الهيئة البرلمانية لحزب “مستقبل وطن”، أشرف رشاد، أنه يجمع بين منصبي وزير الدولة للإعلام ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، وهو أمر مخالف للدستور ويتطلب المحاسبة.
لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان هي الأخرى كان لها نصيب كبير من حملة الهجوم، إذ قدمت تقريرًا لرئيس المجلس عرضت فيه 15 مخالفة ارتكبها الوزير، أبرزها جمعه بين منصبين، وتحميل ميزانية الدولة 12 مليون جنيه تقريبًا خلال ستة شهور، منها 8.5 مليون جنيه أصول، إضافة إلى اتهامه بالتقصير في دوره المأمول في تفعيل دور التليفزيون المصري والرقابة على المحتوى الإعلامي الذي يتم بثه من داخل مدينة الإنتاج الإعلامي.
#صوت_الأمة| أكد المستشار دكتور #حنفى_جبالى، رئيس #مجلس_النواب، أن #أسامة_هيكل، وزير الدولة للإعلام، يتحجج ويماطل ويضيع وقت المجلس دون احترام وتقدير منه لسلطات المجلسhttps://t.co/OCTiFd02W0 pic.twitter.com/qrAT9PtILl
— صوت الأمة (@soutalommaa) March 30, 2021
الكيل بميكالين
التصعيد مع هيكل تجدد مرة أخرى مع أزمة جنوح السفينة العملاقة “إيفر غيفن” في قناة السويس، فقد شن الإعلام الرسمي والخاص هجومًا على الوزير فيما دشنت الكتائب الإلكترونية التي يديرها مدير مكتب اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة، العقيد أحمد شعبان، وسم #الوزير_الجبان_أسامة_هيكل، الذي تصدّر قائمة الأكثر تداولًا المصرية لموقع تويتر.
الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية، أحمد موسى، هاجم وزير الإعلام في برنامجه “على مسؤوليتي” على فضائية “صدى البلد”، وقال: “إنت متخيل مجلس النواب يطلب استجواب وزير يقولهم عندي ارتباط سابق، اللي عمله أسامة هيكل ده إهانة لمجلس النواب”، متسائلًا بسخرية: “هل وزير الدولة للإعلام هو اللي نظم مؤتمر بتاع قناة السويس؟ لأ، هل هو اللي نظم المؤتمر بتاع القطر؟ لأ، المفروض أسامة هيكل اللي ينظم المؤتمرات اللي في الظروف دي، لكن اللي نظمها أستاذ كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو اللي بيتصدى للأزمات دي مش وزير الإعلام”.
اللافت للنظر أن الهجوم على وزير الإعلام تزامن مع كارثة قطاري الصعيد، التي راح ضحيتها 32 مصريًا وإصابة قرابة المئة، بينما لم يوجه أحد من رموز الإعلام الثائر ضد هيكل أي انتقادات لوزير النقل، كامل الوزير، فيما لم يتحرك أي برلماني باستجواب أو مساءلة للوزير المقرب من السيسي على خلفية الكارثة، وهو ما دفع المغردون لاعتبار أن ما يحدث “كيل بميكيالين”.
وفي الوقت ذاته لم يقترب أحد من رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، نقيب الصحفيين، وهو المخول له بحكم وظيفته كرئيس للهيئة بالتواصل مع الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية، وإصدار البيانات الخاصة بالدولة المصرية لهم، وتصحيح صورة البلاد لدى الإعلام الخارجي، وهو ما عزز حالة الاستنكار الشعبي.
الازدواجية في التعاطي مع الأزمات أثارت سخرية رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أشار إليه أحد المغردين حين قال: “استجواب أسامة هيكل أمام البرلمان بسبب تجاوزه في حق “رموز إعلامية لا مؤاخذة “، بينما لا يجرؤ البرلمان على استدعاء كامل الوزير، رغم تعدد حوادث القطارات وموت وإصابة المئات.. في بلد العسكر لا يجوز التحقيق مع عسكري من طرف مدني”.
غباشي النقراشي : نسعي لإقالة وزير الإعلام #اسامة_هيكل لأنه لا يريد التطبيل ل #السيسي 24 ساعة ويصر علي أخذ قسط من الراحة وهذا غير مقبول
— Magdy Kamel (@magdymohamed_) March 29, 2021
أزمة الإعلام المصري
هناك حالة من التطاوس تنتاب العاملين في الحقل الإعلامي الرسمي المصري، فالتشكيك فيما يقدمه أو انتقاد رموزه، جريمة لا تغتفر، يتساوى في ذلك إن كان الناقد من المؤيدين أو المعارضين، وهو ما حدث مؤخرًا – بجانب الوزير – مع أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أيمن منصور ندا.
يواجه الأكاديمي المصري حملة شعواء وصلت إلى استدعائه أمام النيابة العامة على خلفية سلسلة مقالات نشرها على صفحته على فيسبوك تناول فيها أزمة الإعلام المصري الذي يعاني من السطحية والتجهيل وهو ما تكشفه الأسماء التي تتصدر المشهد وعلى رأسهم موسى.
ندا لم يكن يومًا معارضًا، بل على العكس، فكثيرًا ما أعلن تأييده للسيسي والسلطة الحاليّة، وأنه أحد أبناء 30 يونيو، ومع ذلك لم يسلم من هجوم الإعلام المؤيد على طول الخط، حتى اتهم بأنه فاشل وشاذ ومتحرش وسارق، بل وصل الأمر إلى مطالبة البعض بتوقيع الكشف الطبي على قواه العقلية، كل هذا لأنه تجرأ وانتقد قامات المنظومة الإعلامية في البلاد.
اللافت للنظر أن هناك رغبةً حقيقيةً في السيطرة المطلقة على الخطاب الموجه للناس، سواء من خلال احتكار الخريطة الإعلامية، بشقيها العام والخاص، أو تجنيد الرموز الإعلامية ورضوخهم لما يأتمرون به، ما يعني التحكم في المشهد وعدم ترك أي احتمالات مستقبلية، لشذوذ البعض عن اللحن الموزع، تحت أي ظروف استثنائية.
ومن هنا فإن أي محاولة للتشكيك في قدرات الإعلام الرسمي أو الانتقاص من شأنه وهو الداعم الأبرز للسلطة الحاكمة، خطأ لا يمكن العفو عنه حتى إن كان صادرًا – بحسن نية – عن وزير حكومي معروف ولائه ودعمه، في ظل سيطرة الدولة على حرية الرأي والتعبير وإحكام القبضة على المنظومة بشكل كامل عبر أدوات التأميم المطلقة.