يتساهل الكثيرون في إطلاق أحكام ومسميات ومصطلحات على أشخاص آخرين دون الوعي بمعانيها والآثار التي تترتب على استخدامها، ومنها مسمى “سن اليأس” الذي يحاول كثيرون إلصاقه بالسيدات بعد منتصف سن الأربعين، ما يتسبب بآثار نفسية صعبة وهو ما دفع نشطاء لإطلاق حملات واسعة للمطالبة بعدم استخدام هذا المصطلح.
تمر معظم السيدات في النصف الثاني من سن الأربعينيات على الأغلب بمرحلة انتقالية في الحياة تتعلق بتراجع الخصوبة والقدرة الإنجابية وهو ما يخلف بعض الآثار النفسية النابعة عن الشعور ببعض الأعراض الصحية والتغيرات البيولوجية واليأس بوعي أو دون وعي وحالة من التخوفات المتعلقة بانقضاء عمر الشباب وهو ما يخلف في بعض الأحيان الاكتئاب والعزلة، وهي الحالة العامة التي اعتاد البعض أن يطلق عليها “سن اليأس”.
لكن هذا المصطلح لم يكن يومًا محل إجماع علمي أو اجتماعي، بل كان على الدوام محل خلاف ومعارضة شديدة من النشطاء والحقوقيين بالتوقف التام عن استخدامه لما يعتبرونه إساءة للمرأة، وفي المقابل يطرح كثيرون مصطلحات كثيرة بديلة أبرزها: سن العطاء وسن الجمال وسن النضج والسن الذهبي وسن التجدد، وغيرها من المسميات.
السعي لتغيير المصطلح
لتعزيز ثقة المرأة بنفسها أكثر، أطلقت شركة تينا للمنتجات الطبية النسائية في السعودية حملةً بمناسبة يوم المرأة العالمي بضرورة تغيير الصورة النمطية عن التقدم بالعمر واستبدال مصطلح سن اليأس بمصطلح آخر أكثر تعبيرًا عن الحالة الحقيقية للمرأة في تلك المرحلة ويراعي كرامتها ونفسيتها.
ولتحقيق هذا الهدف، أطلقت الشركة استبيانًا أظهرت نتائجه أن 82% من النساء يفضّلن اعتماد تعبير جديد أكثر إيجابية من “سن اليأس”، وأن واحدة من كل خمس نساء في مرحلة انقطاع الطمث من المشاركات في الاستبيان شعرن بالحرج وضرورة التكتم على الأمر.
وامتدادًا للحملة، أطلقت ناشطات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم #اختاري_التحدي ChooseToChallenge# وذلك لاقتراح أسماء جديدة لتلك المرحلة العمرية للمرأة والابتعاد عن استخدام مصطلح “سن اليأس” عبر اللجوء إلى مصطلحات أكثر إيجابية تبعث الأمل والتفاؤل في نفوس النساء.
سن التجدد
الإعلامية هتون القاضي كوميدية وناشطة سعودية مناصرة لحقوق المرأة، كتبت عبر صفحتها على إنستغرام: “للأسف مرحلة ما بعد الطمث عند السيدات التي تعد مرحلة طبيعية تمر بها أي امرأة تم وصمها بسن اليأس، ومن الضروري أن نغير هذه الوصمة لأن الوصول لهذا العمر بصحة وعافية نعمة إلهية تستحق الحمد، وأنا قررت أن أسميه سن التجدد”، مؤكدة أن عند وصولها لهذا العمر ستكون منفتحة على كل الخيارات ومجددة لتجاربها.
يطرح كثيرون مصطلحات كثيرة بديلة أبرزها سن العطاء وسن الجمال وسن النضج والسن الذهبي
في السياق ذاته وعبر الحملة ذاتها، اعتبرت الكاتبة اللبنانية غريس طويلة أن “الحياة ما بتوقف.. ضروري تحافظي على قوتك وحيويتك، بعمري بحسّ إني حققت أشياء كثيرة، وأنه بعد قدامي طموحات وأحلام كبيرة حققها، وكتاباتي يلي بتطرق لدعم وتشجيع المرأة على أنه تكون دايمًا مرتاحة مع ذاتها بكل عمر، وهيك دايمًا بقول لبنتي أنه ما في سن بقدر يحكم عليك باليأس، لازم تضل ثقتك بنفسك وحبك لذاتك هو نفسه بكل سن، الحياة أحلام وطموحات.. لآخر نفس”.
سن الحكمة أو سن النضج
دانية شافعي إعلامية سعودية وإحدى المشاركات بالحملة جددت معارضتها لاستخدام مصطلح “سن اليأس”، معتبرة أن “انقطاع الطمث لا يعني انقطاع حياة المرأة”، ونشرت صورتها وهي تحمل لافتة كتب عليها “سن اليأس خلص”، وحثت السيدات على اقتراح أسماء أخرى بديلة لمصطلح “سن اليأس”، وقدمت عدة مقترحات ومنها: سن الجمال وسن النضج وسن الحكمة.
وكتبت أخرى عبر الحملة تقول: “أنا في بداية الخمسين واعتمد مصطلح سن التجدد على مرحلة الانفتاح”، مضيفة: “لا يمكن لأي امرأة أن تعيش سن من اليأس، وهذه أسوأ تسمية ممكن نعطيها للمرأة وهي تمر بمرحلة انقطاع الطمث، لو بيدي بغير سن اليأس لسن التجدد”.
من جهتها، كتبت سوسن إسبيته عبر إنستغرام: “سؤال عن سن اليأس أنار بداخلي أمل جديد بأن لا أيأس من فكر مجتمعنا العربي وأن سن اليأس سيكون سن الوعي، البدايات الجديدة، المشوقة بلا قيود المعتقدات”، وأرفقت وسم “سن الحب”.
سن التجدد
مع تقدم النساء في العمر، تمر الغالبية بمجموعة من التغيرات البيولوجية والنفسية، وأبرزها انخفاض مستويات الأستروجين والشعور بالحرارة والتعرق الشديد وضمور الثدي وضمور المهبل وضمور عضلات الحوض وحدوث هشاشة العظام.
وهناك عدة نصائح يجب أخذها بعين الاعتبار لتجاوز هذه المرحلة بسلام:
النوم باكرًا: قد يتغير نمط النوم عند المرأة وقد تشعر بالإجهاد الشديد، لذلك ينصح الخبراء خلال هذه المرحلة بالاستعانة بمشروبات الأعشاب الطبيعية لتسهيل النوم مثل الينسون والشاي الأخضر والنعناع، وحتى تنام بشكل مريح عليها البعد عن الكافيين والتدخين اللذين يسببا الأرق ومشاكل النوم والتعرق.
الملابس المريحة: تمر المرأة بعدة تغييرات مثل ارتفاع درجة حرارة جسمها، لذلك ينبغي لها أن تختار الملابس القطنية والفضفاضة والابتعاد عن الملابس الضيقة والمصنعة من النايلون حتى تحافظ على درجة حراتها.
التخلص من ضغوط الحياة وتوترها: يجب على المرأة أن تبتعد عن كل ما يقلقها لتجنب أي حالة اكتئاب ويمكن أن تشغل نفسها بعدة أمور مثل: قراءة الكتب والتنزه والانضمام إلى الدورات التي تحبها.
التغذية السليمة: للحصول على الكالسيوم الكافي تجنبًا لهشاشة العظام يجب على المرأة أن تدخل منتجات الألبان والأطعمة الغنية بالكالسيوم في كل وجباتها بشكل يومي والإكثار من الفيتامينات الطازجة مثل الخضراوات والفواكه مع عدم الإفراط في تناول السكر والملح المرتبطين بارتفاع الكولسترول والدهون، ما يؤدي إلى ضغط الدم وبالتالي خطر مرض القلب.
الإكثار من الماء: تزداد أهمية شرب السوائل في كل مراحل الحياة وتزداد أهميته خلال هذه المرحلة تجنبًا لاحتباس السوائل والحفاظ على الجهاز الهضمي، لذلك ينصح الخبراء شرب مقدار وفير من الماء بمعدل ثمانية أكواب يوميًا.
ممارسة الرياضة: مع التقدم في العمر تزداد احتمالية زيادة الوزن لتباطؤ عملية الحرق وبالتالي تكتسب المرأة وزنًا إضافيًا، وللحافظ على صحة المرأة ووزنها يجب ممارسة الرياضة بشكل منتظم وللحفاظ على ضربات القلب والتقليل من الجلطات وخطر السكري.
العلاج الطبي من المتخصصين وذلك عن طريق الهرمونات البديلة، ويشير هذا العلاج إلى استخدام هرمونات حيوية تطابق الهرمونات التي ينتجها جسم المرأة كيميائيًا، وغالبًا يتم استبدال الأستروجين مع البروجيسترون، وكلاهما له نفس تأثير الهرمونات الطبيعية، وبالتالي لها نتائج فعالة وتقلل الإحباط والإجهاد وصعوبة النوم وتحسين التركيز والذاكرة وزيادة كتلة العظام.
ويؤكد الخبراء والأطباء النفسيين أن سن الأربعينيات عند المرأة هو بداية نضجها وأملها، فعند هذه السن تراكم المرأة الخبرات والتجارب وتكون قاعدة من الدروس والعبر وهو ما يؤهلها للعطاء والاستمرارية لأنها فرصة لنقطة تحول قوية في حياتها.
وفي حين يعتبر الأطباء أيضًا أن هناك مرحلة يمر بها الرجل مثل المرأة تمامًا وحالة بيولوجية عادية، لكن في ظل مجتمعاتنا الشرقية ما زال الحديث عنها قليلًا، ويقتصرون على ذكرها عند المرأة فقط، لذلك فإن معظم الرجال الذين يعانون من أعراض هذه السن يخفون الحقيقة ويتجاهلونها، ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم النفسية التي قد تتحوّل إلى زيادة الاكتئاب والتوتر دون اكتراث.