توفى رئيس وزراء مصر الأسبق، الدكتور كمال الجنزوري، ظهر اليوم 31 مارس/آذار 2021، عن عمر يناهز 88 عاما، بمستشفى القوات الجوية، بالتجمع الخامس بالقاهرة، بعد صراع طويل مع المرض، وهو أحد أبرز الرموز السياسة المصرية المعاصرة التي شكلت تاريخ الدولة خلال العقود الماضية.
عاصر الجنزوري 8 أنظمة حكم متتالية ( محمد نجيب – جمال عبد الناصر – أنور السادات، حسني مبارك، المجلس العسكري – محمد مرسي – عدلي منصور- عبدالفتاح السيسي) تقلد خلالها العديد من المناصب، حيث تولى رئاسة الوزراء لأول مرة في الفترة من 4 يناير/كانون الثاني 1996 إلى 5 أكتوبر/تشرين الأول 1999، كما كُلف بتشكيل الحكومة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد ثورة يناير المجيدة.
امتد عمل رئيس الحكومة الراحل في خدمة البلاد عبر أدوار عدة على فترات متقاطعة تمتد لقرابة ربع قرن، كانت له مواقفه الخاصة في العديد من مجالات القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي كان بعضها مثار جدل وتباين لدى الشارع المصري والمقربين من دوائر صنع القرار.
ظل طوال الفترة التي قضاها على رأس مجلس الوزراء، سواء إبان حكم مبارك أو المجلس العسكري، محط سجال بين مختلف التيارات السياسية، فتارة يتصدر المشهد بوصفه “وزير الغلابة” الداعم لمحدودي الدخل، وأخرى يُخسف به الأرض كونه المشرف على مخطط خصخصة القطاع العام.
ورغم الجدل حول قدرته على إدارة المشهد في الأوقات العصيبة التي تقلد فيها الأمور، خاصة إبان ثورة يناير، إلا أنه – وبحسب الخبراء – رجل دولة من الطراز الأول، حتى وإن تأرجحت أراؤه السياسية بين عصر وآخر، فما هي أبرز محطات الوزير الراحل كمال الجنزوري؟
ربع قرن من العمل العام
عمل الجنزوري المولود في يناير/ كانون الثاني 1933، والحاصل على الدكتوراه من جامعة ميتشجان الأمريكية، مع 3 رؤساء للبلاد، البداية كانت مع أنور السادات الذي عينه محافظا لمدينتي الوادي الجديد وبني سويف عامي 1976 و1977 على التوالي، ليواصل مسيرته في العمل العام خلال عهد مبارك.
تقلد رئيس الحكومة الراحل العديد من المناصب خلال فترة مبارك، حيث شغل وزارة التخطيط عام 1982، ثم عيّن نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للتخطيط والتعاون الدولي عام 1986، قبل ان يصبح رئيسا للوزراء من 4 يناير/كانون الثاني 1996، وظل في العمل العام مع مبارك طيلة 17 عامًا.
غاب عن الأضواء لمدة 12 عامًا منذ 1999، قبل أن يعود للمشهد مرة اخرى في الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، بعدما رشحه المجلس العسكري الحاكم آنذاك برئاسة المشير طنطاوي لرئاسة الوزراء، مكلفًا إياه تشكيل حكومة إنقاذ وطني، بكافة الصلاحيات، بدلا من حكومة عصام شرف.
الجنزوري نفسه وفي لقاء تلفزيوني له في فبراير/شباط 2011 أكد أن نظام مبارك هو من اضطره للابتعاد عن الحياة السياسية طيلة هذه الفترة، حيث ضيّق عليه وحاصره إعلاميا بعد مغادرته الوزارة،
ومع تقلد الرئيس المنتخب محمد مرسي، مقاليد الحكم في 2012، كلفه وحكومته الاستمرار في مهامهما لتسيير الأعمال لحين الانتهاء من تشكيل الحكومة بالكامل (حكومة هشام قنديل) وحلفها لليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، دون أن يحدد المدة الباقية في عمل الحكومة.
وبعد خروجه من الوزارة بعد تشكيل حكومة قنديل، كرمه مرسي ومنحه قلادة النيل تقديرًا للدور الذي قام به في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، ليختتم حياته السياسية مستشارًا لرئيس الجمهورية المؤقت، عدلي منصور، والذي تم تعيينه في أعقاب أحداث 3 يوليو/ تمًوز 2013.
17 عامًا من الجدل
استهل الجنزوري ولايته الوزارية الأولى في عهد مبارك بحزمة من المشروعات التي كانت تستهدف توسعة رقعة مصر الزراعية، ودعم البنية التحتية، على رأسها مشروع توشكى المثير للجدل، ومشروعات شرق العوينات وغرب خليج السويس، بجانب توصيل المياه إلى منطقة سيناء عبر ترعة السلام.
وفي عهده امتد تدشين الخط الثاني لمترو الأنفاق بين شبرا الخيمة (بالقليوبية) والمنيب (بالجيزة) مرورا بمحافظة القاهرة للحد من الازدحام المروري بمحافظات القاهرة الكبرى، والذي كان له صدى كبير على شعبيته لدى الشارع المصري في ذلك الوقت، حتى أنه لقب بـ “وزير الغلابة”.
يعود الفضل له في تنفيذ “الخطة العشرينية” وهي الخطة التي بدأت عام 1983 واستمرت حتى أوائل 2003 وكانت تستهدف خروج مصر من مأزقها الاقتصادي من خلال حزم من المشروعات على 3 خطط متصلة، كل خطة منهم 5 سنوات.
اتهم الجنزوري بأنه أحد الداعمين لمخطط “خصخصة القطاع العام” وذلك لما لعبه من دور كبير في تحسين علاقة مصر بصندوق النقد الدولي وكذلك بالبنك الدولي، إيذانا بعرض بعض المؤسسات العامة للبيع، وهو الدور الذي أستدعى بسببه عقب الثورة مباشرة، تحديدًا في أكتوبر/تشرين الأول 2011 للإداء بشهادته في قضية الخصخصة التي كان يشرف عليها في ذلك الوقت.
12 عامًا بعيدًا عن الأضواء
غاب السياسي المصري الراحل عن الأضواء عقب خروجه من رئاسة الوزراء 1999 ولمدة تجاوزت 12 عامًا، دون إبداء أسباب مقنعة وكافية لهذا الغياب المفاجئ، لكن البعض فسر حينها ما حدث بأنه نتيجة خلاف مع نظام مبارك، دفع الأخير لتضييق الخناق عليه.
وفي شهادة له كشف عضو سابق بالحزب “الوطني” المنحل أن الجنزوري كان تحت الإقامة الجبرية منذ مغادرته للوزارة، وأن السلطات وقتها كانت تخصص حراسة مشددة تتألف من 12 فردا يرتدون ملابس مدنية، حول منزله بمصر الجديدة، طوال الـ 24 ساعة.
الجنزوري نفسه وفي لقاء تلفزيوني له في فبراير/شباط 2011 أكد أن نظام مبارك هو من اضطره للابتعاد عن الحياة السياسية طيلة هذه الفترة، حيث ضيّق عليه وحاصره إعلاميا بعد مغادرته الوزارة، فما كان يجرؤ إعلامي أو صحفي إجراء حديث معه طيلة سنوات العزلة.
كانت فترة حكم الجنزوري شديدة الخطورة والحساسية، فبعد يوم واحد فقط من تقلده منصبه، وقعت حادثة دهس المواطن أحمد سرور، 19 عاما، بإحدى سيارات الشرطة الثقيلة
رئيس حكومة الثورة
رأس عصام شرف (وزير النقل إبان مبارك والذي شارك في اعتصامات التحرير)، الحكومة المصرية، في أعقاب ثورة يناير، وبعد إسقاط مبارك وحكومته برئاسة أحمد شفيق، لكن استمرار الاحتجاجات والتظاهرات أضعفت من هيبة الحكومة وجعلتها في مرمى الانتقادات، وعلى رأسها مليونية “جمعة الفرصة الأخيرة” التي أجبرت الحكومة على تقديم استقالتها في 22نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.
وفي الخامس والعشرين من الشهر ذاته رشح المجلس العسكري الحاكم آنذاك برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، الجنزوري، لرئاسة الوزراء، وكلّفه تشكيل حكومة إنقاذ وطني، بكافة الصلاحيات، إلا أن هذا الاختيار أثار موجة رفض عاصفة من قبل نشطاء الثورة.
انقسم الشارع المصري حيال هذا الاختيار ما بين مؤيد ومعارض، فقد رأى فريق أن الجنزوري من أبناء عهد مبارك، وأحد المشاركين في فساده على مدار سنوات طويلة، كما أنه العقل المدبر لمخطط الخصخصة، فيما ذهب أخرون إلى أنه رجل دولة من الطراز الأول، وكان دائم الصدام مع نظام مبارك، ما دفع الأخير لوضعه تحت الإقامة الجبرية وتضييق الخناق عليه.
كانت فترة حكم الجنزوري شديدة الخطورة والحساسية، فبعد يوم واحد فقط من تقلده منصبه، وقعت حادثة دهس المواطن أحمد سرور، 19 عاما، بإحدى سيارات الشرطة الثقيلة، وبعد ذلك بـ 21 يومًا وقعت أحداث مجلس الوزراء التي راح ضحيتها 16 شخصا، ثم مذبحة بورسعيد الشهيرة في الأول من فبراير/شباط 2012، والتي راح ضحيتها ما يزيد عن 74 شخصا وعشرات المصابين، ما دفع رئيس الحكومة للإطاحة بالمحافظ ومدير الأمن جرًاء تلك الواقعة.
يعتبره أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، جهاد عودة أنه أفضل من رأس الحكومة المصرية منذ ثورة يناير، موضحا في تصريحات لموقع “مصراوي” أن ”قدرته على إدارة الأزمة باقتدار في التوقيت الصعب الذي تولى فيه منصبه تؤكد على أنه الأفضل”.
وأضاف بأنه رجل دولة من الطراز الأول، ولديه القدرة على معالجة الأمور بهدوء واتزان، لافتًا إلى أن أداءه المنظم كان السبب الرئيسي وراء الاستعانة به وقت الأزمات، فرغم أنه أحد أبناء فترة مبارك إلا أنه كان رئيس حكومة الثورة، فيما أبقى عليه الرئيس الراحل محمد مرسي في الوزارة حتى تشكيل الحكومة الجديدة، مانحًا له كافة الصلاحيات، كما كرمه بعد ذلك تقديرًا لدوره.
وبعد ربع قرن من العمل العام، عاصر خلالها كمال الجنزوري ثمان أنظمة، منذ العصر الملكي إلى عصر الجمهورية الأولى ثم الثانية، غادر الرجل الحياة في هدوء، تاركًا خلفه إرثا كبيرًا لا يختلف عليه أحد، وبصرف النظر عن المؤيدين أو المعارضين لدوره في العديد من الملفات إلا أن هناك إجماع أنه كان رجل دولة من الطراز الأول وأحد أعمدة الدولة على مدار سنوات طويلة.