في خطوة هي الأولى من نوعها، تأتي زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للسعودية الأربعاء 31 مارس/آذار لتتوج تحضيرات استمرت أشهر وتخللتها تأجيلات لهذه الزيارة التي انتظرها الجانبان مطولًا.
رافق الكاظمي وفد وزاري واستشاري رفيع المستوى، فضلًا عن أن الزيارة حظيت باهتمام سعودي كبير، فعلى غير العادة استقبلت طائرات حربية سعودية طائرة الكاظمي ورافقته حتى هبوطها في العاصمة الرياض.
أهداف الزيارة
لعل أهداف زيارة الكاظمي للسعودية كثيرة، غير أن ما أعلن في الساعات الأولى يشي بأن أهدافًا عدةً تحققت فعليًا، إذ أعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي توقيع العراق 5 اتفاقيات مع السعودية، موضحًا أن الاتفاقيات شملت منع الازدواج الضريبي وتمويل الصادرات السعودية واتفاقية تتعلق بالتنمية والقطاع الخاص، فضلًا عن اتفاقية ثقافية بين دار الكتب العراقية ونظيرتها السعودية وأخرى ثقافية بين شبكة الإعلام العراقي وهيئة الإذاعة والتليفزيون السعودية، بحسب نص البيان.
أما الجانب السعودي فقد أوضح في بيان منفصل أن زيارة الكاظمي للمملكة جاءت بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وأن العراق يعد من الدول ذات الأهمية البالغة للسعودية فضلًا عن كثير من المشتركات بين المملكة والعراق.
من جهته يقول الكاتب الصحفي علاء الخطيب إن زيارة الكاظمي للسعودية جاءت مدفوعة بعدة أسباب من ضمنها ملفات الكهرباء والقروض وبعض الملفات الإقليمية التي تخص البيت الخليجي، إضافة إلى حاجة العراق الملحة للدعم، لافتًا إلى أن التفاؤل بنجاح الزيارة يرجع للعلاقات القوية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والكاظمي.
ويتابع الخطيب أن الكاظمي يعد أول من نقل العلاقات السعودية العراقية من مرحلة البرود والانعزال إلى مرحلة لم تشهدها الدولتان منذ عقود، وأولى الخطوات في عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي كانت بمبادرة من الكاظمي ذاته الذي كان يرأس جهاز المخابرات العراقي.
أما الباحث السياسي رياض الزبيدي فيرى من جانبه أن زيارة الكاظمي للسعودية تأتي في خضم مرحلة يعيشها العراق تعد الأسوأ منذ تحرير أراضيه من سيطرة تنظيم الدولة “داعش”، مبينًا أن تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019 واستمرار الحراك الشعبي غيّر من مزاجية وتوجه الشارع العراقي إلى الضد من إيران، وبالتالي وجد الكاظمي الذي يعد أول رئيس وزراء من خارج الأحزاب الإسلامية الشيعية الفرصة مواتية لتعزيز علاقات العراق مع جيرانه العرب كالسعودية والكويت والأردن ومصر.
ويعتقد الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست” أن زيارة الكاظمي للسعودية تأجلت أكثر من مرة بضغط من إيران وأذرعها المسلحة بالعراق التي عملت على تعكير صفو الوضع الأمني في كل مرة، وبالتالي تأتي الزيارة الحاليّة لتؤكد أن النفس العراقي الحكومي الحاليّ يختلف عن سابقيه، وباتت هناك رغبة عراقية واضحة في العودة للحضن العربي.
العراق – بعودة الزيارات الرسمية العربية لعاصمته بغداد – يضع أولى الخطوات على طريق العودة للحضن العربي الذي انسلخ عنه بصورة شبه كلية منذ عام 2003
ويختتم الزبيدي حديثه قائلًا: “القمة الثلاثية العراقية المصرية الأردنية المرتقبة ستعيد العراق إلى الواجهة العربية مجددًا، بعد أن تسبب النفوذ الإيراني طيلة السنوات الـ18 الماضية في تراجع العلاقات العراقية العربية”.
العودة للحضن العربي
كثيرة هي الزيارات السياسية الرسمية التي يشهدها العراق، فقبل أيام زار وزير الخارجية القطري بغداد، وخلال أيام ستنعقد القمة العراقية المصرية الأردنية ببغداد في مشهد سياسي لم تشهده بغداد منذ سنوات طويلة.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث السياسي محمد عزيز إن العراق وبعودة الزيارات الرسمية العربية لعاصمته بغداد، يضع أولى الخطوات على طريق العودة للحضن العربي الذي انسلخ عنه بصورة شبه كلية منذ عام 2003.
ويتابع عزيز أن أهم الدول العربية بالنسبة للعراق بدأت خطوات حقيقة من أجل إعادة علاقاتها القوية مع بغداد، فالسعودية ومصر والأردن تعد دولًا ذات ثقل كبير بالنسبة للعراق، فالسعودية جارة للعراق ولديها ثقل سياسي كبير في المنظومة العربية، فضلًا عن إمكاناتها المادية الكبيرة، لافتًا إلى أن مصر لا تقل أهميةً باعتبارها أكبر الدول العربية وأكثرها تصنيعًا، مرورًا بالأردن الذي كان العراق يحظى بعلاقات قوية معه قبل عام 2003.
أما الخبير الأمني حسن العبيدي فيضيف أن التنسيق الأمني بين العراق ودول جواره العربي تكاد تكون معدومة بسبب التغلغل الإقليمي وميول بعض الكتل السياسية لعدم تحسين علاقات العراق العربية، وبالتالي أي تحسن في علاقات العراق العربية سينعكس إيجابًا على العلاقات الأمنية بين الأطراف العربية، خاصة أن العراق لديه تجربة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب.
أما عن الجانب الإيراني وما إذا كان سيرضى بتطوير العراق لعلاقاته العربية، يشير العبيدي إلى أن إيران في الفترة الحاليّة تمر بأسوأ مراحلها منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فالعقوبات الاقتصادية والخلافات بين الإصلاحيين والمتشددين على أشدها، فضلًا عن أن اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بداية عام 2020 أفقد إيران أحد أقوى أسلحتها الرادعة والمنظمة للعمل المسلح الموالي لها بالعراق.
العامل الاقتصادي
قد لا تكون السياسة والأمن العاملين الوحيدين اللذين يطمح الكاظمي من خلال زياراته العربية لتحقيقها، فالعامل الاقتصادي قد يكون لاعبًا مهمًا بالنسبة للعراق، وهو ما يشير إليه الخبير الاقتصادي محمد الحمداني في أن استيراد الكهرباء من دول الجوار العربي يعد عاملًا مشتركًا للعراق مع كل من السعودية ومصر والأردن.
التحديات الأمنية الداخلية في العراق والضغوطات الإيرانية لا تزال حاضرة في بغداد
ويتابع الحمداني أن العراق لا يزال مكبلًا باحتياجاته للغاز والكهرباء من إيران، وإن لم تكتمل شبكة الربط الكهربائي مع الخليج ومع كل من مصر والأردن، فإن العراق لن يشهد أي تحسن في معدلات تزويد مواطنيه بالكهرباء، مضيفًا “مصر لديها إمكانات كبيرة في مجال التدريب والاستثمار، وبالتالي يمكن نقل التجربة المصرية للعراق”.
ويشير الكثير من المراقبين أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بدأ أولى الخطوات التي لم يستطع أي رئيس وزراء عراقي قبله الإقدام عليها، فالتحديات الأمنية الداخلية في العراق والضغوطات الإيرانية لا تزال حاضرة في بغداد، في مشهد يبدو أنه صراع سياسات تجري فصوله داخل البلاد بين تيارين، يسعى فيهما الأول لإعادة البلاد للحضن العربي، وتيار آخر يرى أن أي تقارب عراقي عربي يعني تراجع نفوذه في البلاد.