ترجمة وتحرير حفصة جودة
في الأعوام الأخيرة، دعا الأشخاص الملونون العاملون في قطاع التنمية الدولية وحقوق الإنسان، المنظمات غير الحكومية والوكالات إلى فحص العنصرية المؤسسية والنظر إلى كيفية تعزيز كياناتهم وخطاباتهم وبرامجهم للاستعمار وسيادة البيض.
وفي العام الماضي دعا 1000 موظف سابق وحاليّ في منظمة أطباء بلا حدود إلى تحقيق مستقل لتفكيك عقود من السلطة والأبوية، قبل ذلك بعام حدد تقرير أجرته لجنة مستقلة أن منظمة أوكسفام الدولية تعاني من العنصرية والسلوك الاستعماري والسلوكيات المتنمرة.
لكن يبدو أن هذه المحادثات الدولية الناشئة تجاوزت منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، التي ما زالت تحظى بالثناء على شجاعتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ودفاعها عن الحقوق الفلسطينية، كان التقرير الأخير لمنظمة “بتسليم” – التي أعلنت “إسرائيل” دولة فصل عنصري – يعرض فرصةً للحديث عن السياسات العنصرية في مجال عمل حقوق الإنسان الإسرائيلي.
التسلسل العنصري
إن بعض المنظمات الحقوقية الإسرائلية ليست متشبعة فقط بالنظام الاستعماري الاستيطاني وتستفيد منه، لكنها تجسد وتستنسخ علاقات قوة استعمارية وعنصرية في هياكلها وإداراتها المؤسسية، وبصراحة أكبر، فقطاع حقوق الإنسان الإسرائيلي لديه مشكلة سيادة إسرائيلية يهودية أشكينازية.
يكشف النظر عن كثب للهياكل التوظيفية لتلك المؤسسات صورة لافتة للنظر للتسلسل الهرمي العنصري بين اليهود الإسرائيليين وفلسطينيي 48 (الذين يشار إليهم أيضًا بمواطني “إسرائيل” الفلسطينيين)، والفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وغزة (يشار إليهم بفلسطينيي 67)، وهو نفس التسلسل الذي يستند إليه المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلي.
يتقلد الفلسطينيون أدوارًا محددةً التي من دونها لا تستطيع جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية العمل، ومع ذلك ورغم أنهم العمود الفقري لتلك المنظمات، فإنهم ممنوعون من تقلد مناصب عليا
يلعب الفلسطينيون من غزة والضفة الغربية المحتلة دورين رئيسيين في منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، فهم باحثون ميدانيون موكلون بمهمة توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجمع البيانات وتلقي الشهادات، كما أنهم أيضًا العملاء والمستفيدون الذين يناشدون تلك المنظمات لمساعدتهم في تأمين حقوقهم الصحية والتعليمية وحقوق الإقامة والتنقل إزاء السلطات الإسرائيلية.
وهناك فلسطينيو 48 الذين يشغلون مناصب تتطلب إلمامًا جيدًا باللغتين العربية والعبرية، ويتمثل دورهم في التوسط بين فلسطينيي 67 والموظفين الإسرائيليين، إنهم منسقو البيانات والمدخلات الذين يديرون الموظفين الميدانيين ويعالجون المعلومات وينسقون أي برامج تتطلب اتصالًا مباشرًا مع فلسطينيي 67.
وأخيرًا فمناصب مثل الرؤساء التنفيذيين أو المتحدثين الرسميين أو منسقي الدفاع الدوليين وموظفي تنمية الموارد والباحثين الذين يكتبون تقارير السياسة العامة – الوجوه العامة للمنظمات – تذهب للإسرائيليين واليهود الأمريكيين من الأشكيناز بشكل حصري تقريبًا.
التفتت الاستعماري
بأي حال هذا لا يعني انتقاد الموظفين الفلسطينيين ووكالاتهم داخل منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، فالنشطاء الفلسطينيون فاوضوا طويلًا بشأن المعيشة والمقاومة بينما يعيشون في ظروف استعمارية.
ومثلما هو الأمر في سوق العمل العنصري بـ”إسرائيل”، فمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية لها حدودها وسقفها أيضًا، فالفلسطينيون يتقلدون أدوارًا محددة التي من دونها لا تستطيع جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية العمل، ومع ذلك ورغم أنهم العمود الفقري لتلك المنظمات، فإنهم ممنوعون من تقلد مناصب عليا، ومعظمها مقصور على اليهود الأشكيناز.
أقصى ما يستطيع السكان الأصليون فعله هو توثيق واقعهم، ويبدو أن قطاع حقوق الإنسان الإسرائيلي غير قادر على تصور الفلسطينيين كمنتجين للمعرفة أو صائغين لواقع معيشتهم
يلعب الانقسام بين عمل فلسطينيي 48 و67 دورًا في تعميق التفتت الاستعماري للفلسطينيين، فهو يخاطر بإثارة ديناميات القوة الداخلية والتسلسل الهرمي بين فلسطينيي 48 الذين يعملون كوسطاء، وفلسطينيي 67 الذين يسعون للمساعدة ومشاركة شهاداتهم.
إن العنصرية المتأصلة – والعنصرية ليست بحاجة إلى أن تكون واعية أو متعمدة – التي تدعم ثقافة التوظيف تلك تشدد أيضًا على تساؤلات الإنتاج المعرفي والتمثيل في تلك المنظمات، فالفلسطينيون وتجاربهم مع العنف الاستعماري الاستيطاني يشكلون وسيلة للإنتاج المعرفي الإسرائيلي، إنهم مصدر المعلومات وخبرتهم الحية هي مجموعة البيانات في صورتها الأولية.
إن الإسرائليين هم أصحاب القرار فيما يجب عمله بتلك المعلومات وكيفية تفسيرها وهيكلتها وكيفية توصيلها للعالم.
محكّمو الوكالة الفلسطينية
في مقابلة عام 2016 سُئل المدير التنفيذي لمنظمة “بتسليم” حجاي إلعاد: “كيف تمنح الفلسطينيين صوتًا ووكالة في عملك؟” فكان رده: “إنه سؤال مهم للغاية نفكر فيه طوال الوقت، أحد الطرق الرئيسية تتم من خلال مشروعات الفيديو الخاصة بنا التي تعد مثالًا عالميًا رائدًا في صحافة المواطنين المتمكنة ذاتيًا، يملك المتطوعون الفلسطينيون – أكثر من 200 منهم من كل أنحاء الضفة الغربية – كاميرات فيديو ولديهم القدرة على توثيق الحياة تحت الاحتلال، وبالطبع فاللقطات التي تُنشر لاحقًا هي اللقطات الأصلية التي التقطها الفلسطينيون”.
يكشف السؤال بعض الضرر الذي تسببه منظمات حقوق الإنسان تلك، بلعبها دور الوسطاء للتجربة الفلسطينية – مقدمو الوكالة والصوت، وبتوليهم سلطة تشكيل وجهة النظر العالمية تجاه الفلسطينيين، فإنهم يعملون كمحكّمين للوكالة الفلسطينية.
في الوقت نفسه تشير إجابة إلعاد إلى أن أقصى ما يستطيع السكان الأصليون فعله هو توثيق واقعهم، ويبدو أن قطاع حقوق الإنسان الإسرائيلي غير قادر على تصور الفلسطينيين كمنتجين للمعرفة أو صائغين لواقع معيشتهم، إن التمكين الذي يتحدث عنه إلعاد هو الحالة التقليدية للتمكين الليبرالي المجرد من القوة، الذي يتفق جيدًا مع عقلية المنقذ الأبيض.
أحد المظاهر المهمة لتلك العلاقة العنصرية الاستغلالية هو الجهد النفسي والعاطفي الذي يستهلكه الفلسطينيون في جمع المعلومات والشهادات الضرورية لبقاء تلك المنظمات.
وبينما يتولى الفلسطينيون مهمة توثيق ومعالجة العنف الاستعماري الاستيطاني المرعب الذي يتعرضون له، يتسلم الموظفون الإسرائيليون معلومات معالجة ومرتبة لاستخدامها في تقاريرهم وعملهم الدفاعي الدولي والحملات العامة.
دورة العنف
بينما تحصر هذه الدينامية الفلسطينيين في دورة من العنف وتتركهم مستنزفين سياسيًا وعاطفيًا وفي حالة إعادة الصدمة، فإنها تحمي المحتل من أي مشاركة مباشرة، كما أن استقبال الموظفين الإسرائيليين شهادات منقحة والتوسط فيها يضيف طبقة أخرى من انعدام الاتصال بين المحتل وعواقب الاحتلال والعنف الاستعماري.
إن الهيكل العنصري الذي يضع الفلسطينيين في المقاعد الخلفية لتلك المؤسسات ينبئنا بسياسات التمثيل التي تظهر الإسرائليين كممثليين طبيعيين للواقع الحي للفلسطينيين وصناعه، أضف إلى ذلك الشعور بالصلاح الذاتي.
في مقابلة مع مجلة “نيويوركر” أوضح إلعاد لماذا قررت “بتسليم” تسمية “إسرائيل” بدولة الفصل العنصري، حيث قال: “أردنا أن نغير الخطاب عما يحدث بين النهر والبحر، لقد كان الخطاب منفصلًا عن الواقع، ما يقوض إمكانية التغيير”.
ما يتجاهله إلعاد و”بتسليم” هو أن خطابهم كان منفصلًا عن الواقع أيضًا، لو أنهم استمعوا للفلسطينيين، ربما علموا أن الفلسطينيين يقولون منذ عقود أنهم يعيشون واقعًا من الفصل العنصري والهيمنة العرقية، هذا المحو نتيجة للمنهج المتعالي الذي يصرّ على أن المستوطنين يعلمون بشكل أفضل من المواطنين الأصليين.
تقدم “بتسليم” فهمًا للفصل العنصري الإسرائيلي يتجاهل الاستعمار الاستيطاني وينكر الأسس العنصرية للحركة الصهيونية
ومع ذلك فمن داخل المشهد الدولي العنصري لا يتلقى النشطاء الفلسطينيين ومحاميهم وجماعات حقوق الإنسان الخاصة بهم مثل “الحق” و”الميزان” والعدالة” أو “الضمير” نفس الاهتمام الدولي الذي تتلقاه “بتسليم” أو المحامي الإسرائيلي مايكل سفارد من منظمة “ييش دين” مع عشرات من المقابلات والتغطية في المنافذ الدولية الرائدة والوصول إلى صناع القرار.
تمركز الفلسطينيين
إن مؤسسات حقوق الإنسان الإسرائيلية ونشطائهم ومحامينهم لا يستخدمون امتيازاتهم فقط لمساعدة الفلسطينيين، وهو ادعاء يدعيه الأشخاص البيض عادة عندما يجعلون أنفسهم محورًا لذلك، إنهم يتحدثون عن التمييز العنصري لكنهم لا يعملون على تقويض السياسيات التي تميزهم، بدلًا من ذلك، فهم يستفيدون من السياسات التي تقدم الأصوات الإسرائيلية كأنها أكثر قيمة وشرعية، ويفعلون ذلك بينما يستغلون المعرفة والعمالة الفلسطينية.
هذه الدينامية العنصرية تؤثر أيضًا على أنواع المعرفة والخطاب الذي يتم إنتاجه، فمؤسسات حقوق الإنسان الإسرائيلية تتولى الصوت الرسمي للقضايا الفلسطينية دوليًا، أصبحت “بتسليم” الآن المنظمة الأفضل في مجال الفصل العنصر الإسرائيلي، ومنظمة “جيشا” في غزة، و”ييش دين” فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، و”أطباء من أجل حقوق الإنسان” في مجال الصحة، و”هموكد” فيما يتعلق بمسائلة الوضع القائم.
أصبحت النتيجة قراءة استيطانية للتجربة الفلسطينية، ومع إصرار الإسرائيليين على تعريف القضية الفلسطينية، فإن الإطار الذي يقدمونه والمعرفة التي ينتجونها تميل إلى إضعاف الفلسطينيين وتقويض الأجندة الراديكالية المناهضة للاستعمار التي تركز على التحرير.
فعلى سبيل المثال، بينما ترى السياسات الراديكالية الفلسطينية في “إسرائيل” دولة فصل عنصري استعمارية استيطانية، وأن الصهيونية عنصرية، تقدم “بتسليم” فهمًا للفصل العنصري الإسرائيلي يتجاهل الاستعمار الاستيطاني وينكر الأسس العنصرية للحركة الصهيونية.
يعلم الفلسطينيون كيف يؤطرون ويهيكلون واقعهم، وهم يفعلون ذلك منذ عقود، إن اهتمامنا أقل فيما يتعلق بكيفية أن نجعل المنظمات الإسرائيلية والنشطاء أقل عنصريةً وأكثر توافقًا مع الفلسطينيين، لكننا نهتم أكثر بكيفية استجابتنا كنشطاء فلسطينيين ومنظمات حقوق إنسان وجماعات تضامن، للدينامية العنصرية.
يجب أن لا يصبح واقعنا الحي حواشٍ في تقارير المنظمات الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية البيضاء، لكي نخطو إلى الأمام يجب أن تصبح المعرفة الفلسطينية والأجندة المتحررة المناهضة للاستعمار مركزًا.
المصدر: ميدل إيست آي