ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت مونا ليزا مستلقية على سرير في مستشفى في ميكيلي، المدينة الرئيسية في شمال إثيوبيا التي مزقتها الحرب. كان الإنهاك واضحا على جسدها لكن إصرارها على المقاومة واضح. سُميت هذه الإثيوبية البالغة من العمر 18 سنة التي أنهت تعليمها الثانوي على اسم اللوحة الأيقونية، وهي ناجية من محاولة اغتصاب أدت إلى إصابتها بسبع طلقات نارية وبتر ذراعها. إنها تريد أن يعرف الجميع أنها قاومت: “هذا تطهير عرقي. الجنود يستهدفون نساء تيغراي لمنعهم من الإنجاب وقطع دابر شعب تيغراي”.
تنضاف روايتها إلى مئات الروايات الأخرى التي تسرد بالتفصيل الانتهاكات التي ترتكب في حق شعب تيغراي، المنطقة الجبلية الواقعة في شمال إثيوبيا، حيث تتزامن حرب أهلية مدمّرة مع موجة موازية من الفظائع تشمل الاعتداء الجنسي واسع النطاق على النساء. وحسب ما أبلغت به مسؤولة كبيرة في الأمم المتحدة مجلس الأمن الأسبوع الماضي، فإن أكثر من 500 امرأة إثيوبية أبلغن رسميا عن تعرضهن للعنف الجنسي في تيغراي، علما بأن العدد الفعلي للضحايا من المرجح أن يكون أعلى بكثير. في مدينة ميكيلي، يقول العاملون الصحيون إنهم يسجلون حالات جديدة كل يوم.
لقد أثارت هذه الاعتداءات الغضب الدولي المتزايد بشأن صراع معاركه بعيدة عن الأنظار إلى حد كبير، ومسرحها الجبال والأرياف. لكن الأدلة على الفظائع ضد المدنيين – مثل إطلاق النار الجماعي والنهب والاعتداء الجنسي – منتشرة في كل مكان.
ذكرت مونا إن جنديا إثيوبيًا اقتحم في أوائل كانون الأول/ ديسمبر المنزل الذي تعيش فيه مع جدها في أبي عدي، وهي بلدة في وسط إقليم تيغراي، وأمرهما بممارسة الجنس معه. تتذكر حينها ما قاله جدها، وهو مسيحي أرثوذكسي، للجندي: “أرجوك. هذا غير طبيعي ويتعارض مع معتقداتنا الدينية”. وعندما رفض جدها، أطلق الجندي النار عليه في ساقه وحبسه في المطبخ. ثم ثبّت مونا على أريكة وحاول اغتصابها. قالت إنها قاومته بكل ما أوتيت من قوة، وركلته وافتكت بندقيته لفترة وجيزة.
لكنه سرعان ما تغلب عليها، وبعد أن أطلق النار على يدها وأطلق طلقات تحذيرية على الأرض، أصدر إنذارا آخر: “قال إنه سيعد إلى ثلاثة وإذا لم أخلع ملابسي سوف يقتلني”. بعد ذلك، أطلق الجندي وابلا من الرصاص اخترق ذراع مونا اليمنى وساقها اليمنى. وبحلول الوقت الذي نُقلت فيه إلى مستشفى ميكيلي العام بعد يوم واحد، أكان الأطباء مجبرين على بتر ذراعها.
لا تزال مونا في المستشفى، وعظام إحدى ساقيها مهشمة. أكّد عمها الذي كان جالسا إلى جانب سريرها ما روته عن الاعتداء الذي تعرضت له في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر. ووصفت مونا، التي وافقت على الكشف عن هويتها، الحادثة بأنها عمل حرب محسوب. وأكدت مونا أن حالتها ليست فريدة، “لقد قاومت الجندي. لكن هناك الكثير من النساء في جميع أنحاء هذه المنطقة تعرضن للاغتصاب بالفعل”.
بعد أشهر من المناشدات اليائسة المتزايدة من أجل اتخاذ إجراءات دولية بشأن ما يحدث في إثيوبيا، بقيادة كبار المسؤولين في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، يبدو أن الضغط كان مجديًا. فقد أرسل الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا مبعوثا، وهو السناتور الديمقراطي كريس كونز، إلى إثيوبيا لإجراء محادثات مع رئيس وزرائها، آبي أحمد، استمرت خمس ساعات.
في خطاب ألقاه أمام البرلمان الإثيوبي يوم الثلاثاء، أقر آبي علنا بأن الاعتداء الجنسي أصبح جزءا لا يتجزأ من الحرب التي وعد ذات مرة بأنها ستكون سريعة وسلمية. وقال آبي للمشرعين في إشارة إلى تورط جنوده إن “أي شخص اغتصب أخواتنا من شعب تيغراي، وأي شخص متورط في عمليات النهب، سيُحاسب في محكمة قانونية. لقد أرسلناهم لتدمير المجلس العسكري، وليس شعبنا”.
“المجلس العسكري” هو إشارة إلى جبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت تسيطر على إقليم تيغراي وتقاتل الآن تحت راية مجموعة جديدة، تحمل اسم “قوات دفاع تيغراي”. إن غالبية اتهامات العنف الجنسي في إقليم تيغراي موجهة ضد الجنود الإثيوبيين والإريتريين المتحالفين معهم. وقد صرحت ميشيل باتشيليت، وهي من كبار مسؤولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هذا الشهر بأن “قوات تيغراي قد تكون متورطة أيضًا في ارتكاب جرائم حرب”.
بدأت الحرب في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بعد أن اتهم آبي جبهة تحرير شعب تيغراي بمهاجمة قاعدة عسكرية كبيرة في محاولة للإطاحة بحكومته. حكمت جبهة تحرير تيغراي إثيوبيا لما يقرب من ثلاثة عقود إلى أن وصل آبي إلى السلطة في سنة 2018، حيث تراجعت إلى معقلها في إقليم تيغراي وبدأت في تحدي سلطة رئيس الوزراء الجديد علانية.
من بعض النواحي، كان هذا الصراع المرير مدفوعا بعوامل متجذّرة – نزاعات طويلة الأمد على الأراضي، ورؤى متعارضة حول مستقبل إثيوبيا، والتنافس مع إريتريا منذ عقود. ولكن وحدهم المدنيين، ولا سيما النساء، يتحملون وطأة العنف الأكثر إثارة للقلق.
وفقا للعاملين في مجال الصحة، تم حشر الصخور والمسامير وغيرها من الأشياء داخل أجساد النساء – وبعض الرجال – أثناء الاعتداءات الجنسية. وقالت براميلا باتين، المسؤولة العليا في الأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في النزاعات المسلحة، في شهر كانون الثاني/ يناير، إن الرجال أُجبروا على اغتصاب أفراد أسرهم تحت تهديد السلاح. وأشارت ليتاي تسفاي، من جمعية نساء تيغراي التي تدير مأوى آمنا للنساء في مدينة ميكيلي، إلى أن “الاغتصاب أصبح يُستخدم كسلاح حرب. وما يحدث لا يمكن تصوره”.
تفاقمت آفة الاعتداء الجنسي بسبب انهيار النظام الصحي. ووفقا للأطباء، أُصيب العديد من الضحايا بالأمراض المنقولة جنسيا، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشري. كما ازداد الطلب على عمليات الإجهاض ووسائل منع الحمل الطارئة.
خارج المدن الرئيسية في إقليم تيغراي، أغلقت معظم العيادات الصحية أبوابها – بعضها دُمّر أثناء المعارك، والبعض الآخر نُهب على أيدي الجنود كجزء مما وصفته منظمة “أطباء بلا حدود” مؤخرًا بأنه جهود منسقة لتدمير نظام الرعاية الصحية في المنطقة.
وفي لقائه مع آبي في شهر آذار/ مارس، قال السناتور كونز إنهم ناقشوا “بشكل مباشر وحازم” التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع بما في ذلك جرائم الاغتصاب. علاوة على ذلك، أضاف كونز أن وفاء آبي بوعده بتقديم الجناة إلى العدالة، “سيكون أمرا حاسما من أجل أي حل ناجح لهذا الصراع”.
يتردد صدى معاناة الضحايا بهدوء في أجنحة مستشفى آيدر للإحالة في ميكيلي، وهو أكبر منشأة طبية في المنطقة. قال طبيب متخصص في حالات الاعتداء الجنسي إنه يستقبل ما لا يقل عن ثلاثة حالات جديدة يوميا منذ زحف القوات الإثيوبية إلى ميكيلي في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر. قالت بعض الضحايا إنهن تعرضن للاغتصاب من قبل الجنود في مخيمات النازحين على أطراف المدينة، كما اختُطفت أخريات من منازلهن في المناطق الريفية واحتُجزن لعدة أيام حيث اغتصبهن الجنود بشكل متكرر.
قدّم الطبيب، الذي تحدث مثل العديد من الأطباء الآخرين شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من انتقام السلطات منه، قائمة تضمّ 18 ضحية مسجلة في المستشفى كن من ضحايا العنف الجنسي. كانت أصغر ضحايا الاغتصاب تبلغ من العمر 14 عاما، وقالت معظمهن إن المهاجمين كانوا جنودا.
كانت امرأة تبلغ من العمر 29 عاما ترتجف في أحد أسرّة المستشفى، وطلبت عدم الكشف عن هويتها واشترطت استعمال اسمها الأول هيلين. روت هيلين كيف قام أعضاء القوات الإريترية والإثيوبية بربطها بشجرة بالقرب من منزلها في أغولا، على بعد 15 ميلا شمال ميكيلي، واعتدوا عليها بشكل متكرر على مدى 10 أيام في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر. وأضافت: “لقد توقّفت عن العد، لقد التقطوا صورا لي وسكبوا علي الكحول وضحكوا”، وأضافت أن بعض مهاجميها قتلوا أيضا ابنها البالغ من العمر 12 عاما رميا بالرصاص.
أكد سلام آصفى، محقق الشرطة الذي يعمل على قضايا الاغتصاب في مستشفى آيدر للإحالة، صحّة رواية هيلين. مع ذلك، من الممكن أن معظم حالات الاعتداء الجنسي في تيغراي لا يتم تسجيلها في أي مكان. وقال بعض العاملين في مجال الصحة إن المسؤولين يترددون في تسجيل هذا النوع من حالات العنف خشية أن يستهدفهم الجيش بسبب توثيقهم للجريمة، وغالبا ما يظل المرضى مجهولين لنفس السبب.
أكّدت وزيرة المرأة والطفل والشباب الإثيوبية، فلسان عبد الله أحمد، أن الحكومة الفيدرالية تأخذ على محمل الجد تقارير العنف الجنسي في تيغراي، كما أرسلت فرقة عمل تضم أخصائيين اجتماعيين وضباط شرطة ومدعين للتحقيق في الأمر. وفي حين اقتصرت فترة ولايتها على تقديم الدعم النفسي للضحايا، قالت فلسان إنها ضغطت على المدعي العام الإثيوبي لتحقيق العدالة، لكنها أصرّت على أن هذه المهمّة صعبة، مشيرة إلى أنها: “لا أستطيع أن أؤكد بنسبة 100 بالمئة هويّة مرتكبي هذه الجرائم”.
إن الاعتداءات الجنسية شائعة لدرجة أن بعض الجنود الإثيوبيين تحدثوا عنها علنًا. وخلال اجتماع عام عُقد في ميكيلي في كانون الثاني/ يناير، انفجر رجل يرتدي زيا عسكريا غضبا، وقد أذيعت هذه الحادثة على التلفزيون الحكومي. تساءل هذا الجندي، الذي لم يتم الكشف عن هويته، عن سبب عدم تدخّل الشرطة لإيقافهم قائلا: “لقد كنت غاضبا بالأمس. لماذا قد تتعرض امرأة للاغتصاب في مدينة ميكيلي؟ ما كان هذا الأمر ليكون صادما لو حدث أثناء عمليات القتال، لكن النساء تعرضن للاغتصاب يوم أمس واليوم بينما كانت الشرطة المحلية والشرطة الفيدرالية متواجدة في الجوار”.
قالت هابين، التي كانت تعمل نادلة في ميكيلي، إنها تعرضت للاغتصاب مع امرأتين أخرتين في المقهى حيث تعملان في كانون الأول/ ديسمبر، وما زال جسدها مغطى بالكدمات من جراء الاعتداء حتى اليوم. وأضافت هابن قائلة: “أمرونا ألا نقاوم وأن نستلقي وأن لا نصرخ” وحتى لو حاولنا الصراخ “لم يكن أحد ليسمعنا”.
المصدر: نيويورك تايمز