أسدلت نقابة الصحفيين المصرية الستار على الانتخابات الماراثونية التي جرت مساء أمس 2 من أبريل/نيسان 2021، بعد تأجيلها لأكثر من مرة بعد سجال طويل بشأن إجرائها في ظل تفشي فيروس كورونا بين عدد كبير من الصحفيين، لتسفر عن نتائج صادمة للبعض فيما جاءت متوقعة لدى آخرين.
الانتخابات التي أجريت في أجواء من الشحن والشحن المضاد بين المؤيدين لإتمامها في هذا الوقت والمعارضين، كانت الخيط الفاصل بين مساعي انتشال هذا الكيان النقابي الكبير من كبوته التي يعيشها منذ أعوام واستعادة هيبة المهنة وكرامة الصحفي، واستمرار الوضع على ما هو عليه “نقابة السقالات” كما يصفها البعض، نسبة إلى كثرة وجود السقالات على واجهة المبنى لأكثر من عامين دون داع لذلك.
النتائج لم تخرج كثيرًا عن المتوقع في ظل التسرييات التي سبقت العملية الانتخابية، التي تشير إلى وجود رغبة فوقية للإبقاء على أشخاص بعينهم والإطاحة بآخرين واستقدام وجوه جديدة، في محاولة لتشكيل مجلس متوازن وفق رؤية موحدة تلافيًا لحالة التناطح التي كان عليها المجلس الأخير التي أثرت بشكل أو بآخر على أدائه ومستوى الخدمات المقدمة لأعضاء الجمعية العمومية.
ولأول مرة منذ نشأة النقابة، تجرى الانتخابات خارج أسوارها، حيث أقيمت في نادي المعلمين بالجزيرة، في خطوة لها رمزيتها وتحمل الكثير من الدلالات على ما آلت إليه نقابة الصحفيين العريقة التي كانت بالأمس قلعة الحريات وغوث مهضومي الحقوق، لتتحول إلى “كشك” خدمي لأبناء المهنة وفقط.
رشوان نقيبًا.. كالعادة
كشفت عمليات الفرز في الانتخابات فوز ضياء رشوان بمقعد نقيب الصحفيين، وذلك للمرة الثانية على التوالي والثالثة في تاريخه، بعدما حصل على 1965 صوتًا مقابل 1506 لأقرب منافسيه، رفعت رشاد عن مؤسسة دار “أخبار اليوم”.
أما المرشحون الخمس المتبقين، فكانوا خارج المنافسة بصورة شبه رسمية، فحصل كارم يحيى الذي حل في المركز الثالث على 288 صوتًا، يليه سيد الإسكندراني 78 ثم طلعت هاشم 5 أصوات، وجاء في المركز الأخير محمد مغربي بإجمالي صوتين فقط.
كانت المؤشرات في معظمها تذهب إلى فوز رشوان، بصفته مرشح الحكومة والمدعوم من الصحف القومية، خاصة بعد غياب الساحة من المرشحين الثقال على منصب النقيب، وهو ما كان إشارة لرغبة السلطات في استمراره في هذا المنصب، رغم ادعاءاته المتكررة بأنه ليس مرشح الدولة.
ورغم أن ضياء يجمع بين وظيفتين، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية) ونقيب الصحفيين، وهو ما يخالف لوائح وقوانين النقابة، فإن كل الطعون المقدمة ضده في هذا الشأن تم رفضها، في خطوة أثارت الكثير من الجدل حتى الساعات الأولى من الانتخابات.
بعض الصحفيين على منصات السوشيال ميديا ذهبوا إلى أن فوز الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية لم يكن مفاجأة على الإطلاق، فهو مكافأة منطقية لما بذله الرجل طيلة السنوات الأربعة الماضية، إذ أجهض دور النقابة الحقيقي، كمنارة للدفاع عن الحريات الصحفية، وقبلة لأصحاب الرأي، إلى مبنى مهجور لا روح فيه ولا حياة، بعدما فرغها تمامًا حتى من كراسيها، فيما باتت اليوم كأنها أحد مشروعات شركة المقاولون العرب، سقالات وأسلاك حديدية على واجهتها ومدخلها لأكثر من عامين دون معرفة الأسباب.
فوز القائمة الأمنية
الانتخابات التي استمرت حتى الساعات الأولى من فجر اليوم، أسفرت عن فوز كل من إبراهيم أبو كيلة، (قومي) بحصوله على 1277 صوتًا، ومحمد خراجة (قومي) وحصل على 1338 صوتًا، فيما حصل حسين الزناتي (قومي) على 1201 صوت، بالنسبة للمرشحين على المقاعد فوق السن.
فيما فاز أيمن عبد المجيد (قومي) بحصوله على 1864 صوتًا، ودعاء النجار (قومي) بـ1078 صوتًا، ومحمد سعد عبد الحفيظ (مستقل) 1045 صوتًا، على المقاعد المخصصة تحت السن، لتكتمل بذلك المقاعد الست التي أجريت الانتخابات عليها والمقرر لها كل عامين (50% من مقاعد المجلس).
“مبروك عليكم القائمة الأمنية.. قائمة السقالات”.. هكذا علق الصحفي حسام السويفي، أحد المرشحين في الانتخابات الأخيرة، على النتائج المعلنة، لافتًا إلى وجود تعليمات أمنية باختيار قائمة محددة، والتحذير من التصويت لشخوص معروف عنهم معارضتهم للتوجه الحكومي الساعي لفرض الهيمنة على النقابة.
الرأي ذاته أكده محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحفيين، حين أشار على صفحته على فيسبوك إلى وجود “أنباء عن قيام عدد من إدارات الصحف بالحشد لقائمة محددة للمرشحين لعضوية مجلس نقابة الصحفيين، وذلك بحجة بررتها هذه الإدارات للزملاء بأنها تعليمات صدرت عن “ضباط بجهاز الأمن الوطني””، لافتًا إلى أنه تلقى أكثر من شكوى شفاهية من زملاء أعلنوا تضررهم من هذه الضغوط التي تمارس عليهم.
أما النقيب الأسبق، يحيى قلاش، فكتب يقول “في انتخابات الجمعة جميعنا يحمل هذا التاريخ على ظهره، واختيارك نتائجه مسجلة عليك لأجيال بعدك.. فلا تلتفت لغير ضميرك، فهو الذي يحمي حقك، ويكشف لك زيف محاولات إملاء قوائم الظلام والعتمة، من الذين لو جئت بهم لن يمثلونك، لأن ولاءهم لغيرك، ولم يكن يومًا لك”.
الإطاحة بمثيري الشغب
من أبرز المفاجآت التي حملتها نتائج الانتخابات الإطاحة بجمال عبد الرحيم، وكيل أول النقابة، وأحد المخضرمين في العمل النقابي على مدار مجالس عدة، وعمرو بدر، رئيس لجنة الحريات الذي طالما حاول الدفع بالنقابة لأداء دورها نحو حماية الصحفيين من تعسف السلطة والدفاع عنهم وتوفير الحد الأدنى من الحريات اللازمة لأداء المهنة بشيئ من الاستقلالية.
ورغم ما يتمتعان به من شعبية كبيرة داخل الوسط الصحفي، فإنهما فشلا في الحصول على الأصوات اللازمة، وهو ما قد يتناغم بشكل أو بآخر مع ما أثير بشأن القائمة الأمنية الموجهة، التي حاولت التخلص من كل العناصر المثيرة للشغب خلال المجلس المنتهية ولايته التي كان على رأسها جمال وبدر.
ولم ينج من تلك المقصلة إلا محمد سعد عبدالحفيظ، الذي ربما يجد نفسه شاذًا وسط تركيبة المجلس الجديدة، ما قد يفقده تأثيره الذي كان يتمتع به بجانب زملائه الراحلين وما تبقى منهم (محمود كامل)، فيما عزا البعض الإبقاء عليه إلى إكمال الديكور الخاص بالمجلس حتى لا يُتهم بالإقصاء الكامل، على حد قول بعض أعضاء الجمعية العمومية.
وبالنتائج المعلنة تواصل نقابة الصحفيين المصرية مسيرتها نحو المزيد من التقزيم، فيما أثار البعض مخاوفه بشأن مستقبل المعتقلين ومنسوب الحريات وكرامة الصحفيين في ظل المجلس الجديد الذي يميل إلى إرضاء السلطات أكثر من دعم منتسبي المهنة، ليبقى الوضع على ما هو عليه لعامين قادمين على أقل تقدير وحتى إشعار آخر.