أدى رئيس النيجر المنتخب، محمد بازوم (وزير الداخلية السابق) اليمين الدستورية، مساء أمس الجمعة 2 أبريل/نيسان 2021، بعد فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 21 من فبراير/شباط الماضي، في أول انتقال سلمي للسلطة بين رئيسين منتخبين في تاريخ البلاد من الاستقلال على فرنسا 1960.
وشارك في حفل التنصيب عدد من ممثلي الدول العربية والإسلامية، في مقدمتهم نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بجانب رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، والوزير الأول للجزائر عبد العزيز جراد، إضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، وعدد من سفراء الدول.
ويعد فوز بازوم، أول رئيس من الأقلية العربية، نقلة نوعية في تاريخ النيجر السياسي، البلد الذي شهد أربعة انقلابات عسكرية خلال العقود الست الماضية، فيما جاء التنصيب بعد يومين فقط من محاولة انقلاب فاشلة تعرضت لها البلاد رفضًا لنتائج الانتخابات التي تتهمها المعارضة بالتزوير.
الانتقال السلمي للسلطة في دولة تعاني من الاضطرابات السياسية والأمنية خطوة يعتبرها البعض تطورًا إيجابيًا في مسيرة الدولة السياسية، يحسب بشكل أو بأخر للرئيس المنتهية ولايته، محمدو يوسوف، الذي لم يعدّل الدستور للترشح لولاية رئاسية ثالثة، على غرار ما يفعله زعماء الدول المجاورة له.
وقد شهدت الانتخابات تنافسًا شرسًا بين بازوم الذي حصل على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون صوت لصالح خصمه، السياسي المخضرم ماهمان عثمان، أول رئيس منتخب في النيجر خلال الفترة من 1993 وحتى 1996، والذي يتمتع بشعبية جارفة لاسيما بين قبيلة الهوسا المنتمي إليها.
وتعد النيجر وهي الدولة الحبيسة، أكبر دول غرب إفريقيا من حيث المساحة، والتي تبلغ حوالي 1.27 مليون كيلومتر مربع، ويحدها من الجنوب نيجيريا وبنين، ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي، ومن الشمال كل من الجزائر وليبيا، بينما تحدها تشاد من جهة الشرق.
بازوم… أول رئيس عربي
ينحدر بازوم المولود في 1 يناير/كانون الثاني 1960 (وهو تاريخ استقلال النيجر) من قبيلة أولاد سليمان العربية التي تتمركز وسط وجنوب ليبيا، لكن يوجد فرع لها متأصل في النيجر، وحصل على شهادة الثانوية (البكالوريا) عام 1979، ليتوجه بعدها إلى جامعة دكار بالسنغال لدراسة الفلسفة الأخلاقية والسياسية، ليعرف منذ حينها بـ “الفيلسوف”.
أصوله العربية كانت محط انتقاد وعصبية من قبل منافسيه في الانتخابات، حيث اتهموه بتزوير جنسيته، وحولوا الأمر برمته إلى ساحات القضاء، رغم تأكيده أنه نيجري المولد والنشأة والهوية، ليطعنوا بعد ذلك على نتائج العملية الانتخابية، فيما تعاملت حملته مع تلك الاتهامات بشيئ من التجاهل باعتبارها لا تستحق عناء الرد، خاصة وأن منافسه الأساسي ابن لوالد أصوله تشادية.
يعتز الرئيس المنتخب بنشأته البدوية البسيطة وسط الجبال، ملمحًا إلى وضع سكان تلك المناطق تحت مجهر العناية والاهتمام، ففي مقطع مصور له بثه خلال حملته الانتخابية قال فيه “لقد ولدت في الأدغال، إذا جاز التعبير.. سنقول في الريف. وارتباطي بالريف هو ارتباط طبيعي، حيث إنني ولدت في خيمة، ولم أر قط بناءً حتى من أكواخ أو من القش، لأننا نستخدم الخيام فقط في بيئتي الأصلية. وكانت المرة الأولى التي رأيت فيها منزلا من الطين أو منزلا من الخرسانة، عندما ذهبت لأخذ شهادة التخرج من المدرسة الابتدائية في جوري”.
وأضاف : نشأت في بيئة رعوية، حيث يعيش الشخص في علاقة اندماج تام مع الحيوانات، وكان طعامنا الأساسي هو حليب الإبل الذي لم نكن نتناول غيره في الإفطار والعشاء أبدا، وكانت وجبة منتصف النهار فقط هي التي تعد من شيء آخر غير الحليب.
اقتحم بازوم عالم السياسة في سن مبكر، حيث شارك الرئيس المنتهية ولايته “يوسوف” تأسيس “الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي” عام 1990، كما تولى منصب وزير الدولة للتعاون في الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء أمادو شيفو في الفترة من 1991 إلى 1993 وعمره لم يتجاوز 31 عامًا.
وفي عام 2011 ترأس الحزب بعد فوز يوسوف في الانتخابات الرئاسية، حيث ماكان يمكن للرئيس أن يجمع بين رئاسته للحزب وللدولة في آن واحد، وفي العام ذاته عُين وزير دولة للشؤون الخارجية والتعاون والتكامل الأفريقي والنيجريين في الخارج.
له تاريخ برلماني كبير، يمتد لأربع دورات برلمانية (1993، و2004، و2011، و2016) كما انتخب نائبا لرئيس مجلس الأمة ورئيسا للكتلة النيابية لحزبه، ما أهله لمواصلة المناصب الرفيعة التي تقلدها، حيث عين بمنصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية في فبراير/شباط 2015 ثم وزيرًا للداخلية والأمن العام في إبريل/ نيسان 2016، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى استقالته صيف 2020 استعدادًا لخوض الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها.
السياسة تهزم القبلية
رمزية النتائج التي كشفت عنها الانتخابات الرئاسية تشير إلى طي صفحة القبلية التي كانت مسيطرة على الساحة طيلة العقود الماضية، فالسياسي المخضرم ماهمان عثمان الذي خسر أمام بازوم ينتمي إلى قبيلة الهوسا، وهي التي تشكل قرابة خمسين بالمائة من عدد السكان، ومع ذلك لم يحصل على كافة أصوات قبيلته.
وفي الناحية الأخرى فإن الرئيس المنتخب ينتمي إلى القبائل الرحالة، البدوية أو شبه البدوية، والتي لا ثقل سياسي أو شعبي لها مقارنة بالهوسا، مثل الفولاني والطوارق والكانوري والعرب والتوبو، ومع ذلك استطاع أن يتفوق على أقرب منافسيه بأكثر من 600 ألف صوت.
وعليه استطاعت التحالفات السياسية هزيمة العصبية القبلية رغم ما تتمتع به من شراسة وقوة وحضور شعبي ونفوذ اقتصادي، وهي الدلالة التي لاقت ترحيبًا كبيرًا من المقربين من دوائر صنع القرار في البلد الذي مزقته النزاعات الدامية بين الجماعات المسلحة والسلطات الحاكمة.
ووضع الرئيس المنتخب ملامح استراتيجيته الجديدة في إدارة شؤون الدولة خلال حفل تنصيبه، حيث أشار إلى أن ثالوث التعليم والصحة والأمن على رأس قائمة الأولويات خلال المرحلة القادمة، مؤكدًا أن “مشكلة النيجر الأساسية منذ استقلالها هي ضعف نظامها التعليمي” ومن ثم فإن إصلاح المنظومة برمتها سيكون في صدارة الملفات التي سيبدأ بها عقب توليه المسؤولية.
كما أشار إلى ضرورة استغلال ثروات بلاده المعدنية التي يمكنها حال استغلالها بالطريقة الأمثل تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة ثمانية بالمئة تقريبًا خلال السنوات الخمس المقبلة، رغم تحديات المناخ والأمن، التي تهدد أي خطوات تنموية، الأمر الذي يجعلهما محط اهتمام ودراسة.
أمال عدة يعقدها شعب النيجر على رئيسهم الجديد، القادم من ثنايا الرحالة والحياة الصعبة، للخروج من أزمتهم الاقتصادية المتصاعدة منذ سنوات، في ظل حزمة من الملفات المثقلة التي تمثل عقبة كبيرة أمام خطة الرجل الإنمائية، فهل ينجح بازوم في مهمته؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.