أفواج من المنشقين عن حزب العدالة والتنمية يلتحقون بالتجمع الوطني للأحرار، هذا الحزب الذي يرى نفسه أهلًا لأن يطيح بالإسلاميين عن صدارة الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي، بعدما فشل في المرة السابقة حزب الأصالة والمعاصرة، ليضيع هو الآخر في غياهب الحروب الداخلية.
احتفاء على شرفهم
المنشقون يستقبلهم رئيس الأحرار عزيز أخنوش محتفيًا بهم، ويحظون باستقبال خاص ينظم على شرفهم بالعاصمة الرباط، في المقر الجديد للحزب الذي يتخذ من أيقونة “الحمامة” شعارًا له منذ تأسيسه في أكتوبر/تشرين الأول 1978، من رجل تولى منصب رئاسة الوزراء لأطول مدة في التاريخ (2 من نوفمبر/تشرين الثاني 1972 – 22 من مارس/آذار 1979) اسمه أحمد عصمان، وهو أيضًا صهر الملك الراحل الحسن الثاني.
حزب “الأحرار” ذو التوجه الليبرالي شارك في حكومات مغربية متعددة منذ السبعينيات، فكانت المعارضة اليسارية تصفه بالحزب الإداري الموالي للقصر، الأمر الذي يرفضه قادته، ويقصد بأحزاب “الإدارة” أو “الموالاة” تلك التنظيمات السياسية التي صُنعت في مطبخ السلطة، إذ خلقتها الإدارة للدفاع عنها ومصالحها داخل القوانين والسياسات العامة وذلك في مواجهة أحزاب لها امتداد جماهيري.
تلحق هذه الصفة أيضًا بحزب “الأصالة والمعاصرة” الذي أسسه فؤاد عالي الهمة عام 2008، لكنه فيما بعد غادر الحزب، ليباشر مهامه كمستشار في الديوان الملكي.
“الجرار” لم يحرث
لقد أخذ الامتداد الجماهيري لحزب العدالة والتنمية يتسع شيئًا فشيئًا، إلى أن تبوأ المركز الأول في الانتخابات التشريعية لـ2011 و2016 على التوالي، ليكون ذلك إعلانًا بفشل الأصالة والمعاصرة (رمز الجرار) الذي أعلن بكل ثقة، وما زال، أنه كفيل بالإطاحة بالحزب الإسلامي.
بعد وقت وجيز على ظهور نتائج انتخابات 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2016، عاد رجل الأعمال الشهير ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، ليلتحق بحزب التجمع الوطني للأحرار، فعين زعيمًا له، وكله طموح باعتلاء منصب رئاسة الحكومة، ووثق في أن حزبه قادر على تصدر المشهد الانتخابي المقبل.
حل حزب التجمع الوطني للأحرار في المركز الرابع وفقًا لنتائج الانتخابات الأخيرة، ودخل البرلمان بـ37 مقعدًا من أصل 395، ما يعني أنه تراجع فاقدًا 15 مقعدًا مقارنة بالانتخابات التشريعية لـ2011.
رجل “البلوكاج”
يشار بالبنان إلى عزيز أخنوش بأنه الرجل الذي كان وراء عرقلة المشاورات الحكومية التي أدخلت البلد في شهور عجاف من البلوكاج السياسي، ما عجل بإعفاء عبد الإله بنكيران من مهام تشكيل الحكومة، وهي صلاحية يمارسها الملك بموجب الدستور.
منذ ذلك الوقت وحزب العدالة والتنمية منشق إلى تيارين: الأول يعرف بتيار “الاستوزار” الذي يضم وزراء الحزب الموالين لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وتيار آخر يوالي بنكيران ويضم عددًا من القياديين وشبيبة الحزب.
من حسن حظ الإسلاميين أنهم ليسوا وحدهم في هذا الوادي، بل حتى منافسهم الجديد دخل في أزمة وصلت ذروتها صيف عام 2020، عنوانها الصراع على الزعامة التي قادت إلى نزيف من الاستقالات، تحت مبرر عدم وجود إستراتيجية عمل على المدى المتوسط والبعيد تغطي بشكل محترف وعملي كل أنشطة الحزب وتبسيط رؤيته للمواطن.
رجح متابعون للشأن الحزبي أن ما يعيشه حزب التجمع الوطني للأحرار يُنذر بأزمة تنظيمية حادة، ستؤثر سلبًا على أداء الحزب الذي يراهن، باعتباره رابع قوة بالبرلمان المغربي، على قيادة الحكومة المقبلة، ورغم ذلك، يسعى أخنوش بكل ما أوتي من قوة من أجل تقوية الحزب وتجديد هياكله التنظيمية وتطعيمها بوجوه جديدة، يراهن عليها محليًا وجهويًا لبلوغ هدفه المنشود.
تسمين “الحمامة”
يواصل حزب التجمع الوطني للأحرار إغراء أعضاء الأحزاب المنافسة لاستقطابهم، ومن المرتقب أن يلتحق به قياديون من حزب العدالة والتنمية بعدما أعلنوا مغادرتهم هذا الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي، بسبب الشرخ الحاد الحاصل داخل بيته، الذي ليس إلا نتيجة من الأخطاء التنظيمية المتراكمة التي خلقت توترات، نتج عنها الإعلان في كل مرة عن استقالات جديدة من هياكل الحزب.
في الواقع لم يهتز بيت العدالة والتنمية وحده، بل جاء الدور على حزب الأصالة والمعاصرة (أكبر تنظيم معارض في البرلمان)، الذي أعلن عدد من أعضائه استقالتهم ليلتحقوا فيما بعد بحزب الأحرار، الذي نجح في استقطاب عدد من رجال الأعمال بعضهم من حزب الأصالة والمعاصرة.
ويسعى حزب التجمع الوطني للأحرار إلى تقوية وضعه التنظيمي باستمالة الأعيان تحضيرًا لانتخابات 2021، فهو يعمل بلا كلل على رص صفوفه، حتى يكون قادرًا على ملء الفراغ الذي سيتركه الأصالة والمعاصرة خصوصًا أن قيادات الأحرار مقتنعة بنجاحها في مواجهة العدالة والتنمية في الاقتراع القادم.
الإسلاميون منهكون
على طرف النقيض أضحى حزب العدالة والتنمية منهكًا بسبب هزاته الداخلية، فقد بات واضحًا أن هذا الحزب يعيش فترة حرجة، بسبب اتساع دعوات التغيير والتجديد التي ترفعها أصوات داخله، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة ورفض بعض المنتسبين والمتعاطفين بعض القرارات التي ورطت القيادة مع القواعد، لكن العدالة والتنمية فضل عدم مسايرة دعوات التغيير بإبقاء الأمور على حالها.
كما تسير جميع المؤشرات الحاليّة في اتجاه تقزيم حزب العدالة والتنمية والحيلولة دون تصدره الانتخابات التشريعية للمرة الثالثة على التوالي، خاصة بعد فشله في معركة القاسم الانتخابي، فقد جرى ضمن تعديل قوانين الاقتراع، اعتماد طريقة جديدة لحساب القاسم الانتخابي، وهي الطريقة التي من شأنها أن تقلب موازين القوى في المشهد السياسي، ليس لصالح العدالة والتنمية.
علاوة على ذلك، لا يزال نزيف الاستقالات متواصلًا داخل العدالة والتنمية، بعدما قرر أحد المقربين من الزعيم السابق عبد الإله بنكيران مغادرة صفوف الحزب، ويتعلق الأمر بأحمد الريمي، أحد مؤسسي العدالة والتنمية، الذي يشغل مهمة نائب رئيس اللجنة الثقافية والرياضية بمقاطعة حسان (العاصمة الرباط)، إلى جانب نادية الوالي، النائبة الخامسة لرئيسة المقاطعة نفسها، فيما يرى متتبعون أنه من المنتظر أن تمتد موجة الاستقالات إلى باقي المقاطعات، في ظل تنامي موجة السخط داخل الحزب على تدبير الشأن العام.
كما استقال 20 من الأعضاء الوازنين بالحزب في مدينة انزكان (وسط المغرب)، وبمدينة فاس قرر أعضاء من العدالة والتنمية الترحال جماعيًا نحو حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي بدوره يترقب أن يلتحق بصفوفه مزيد من المنشقين عن العدالة والتنمية.