شهدت الآونة الأخيرة قبل الانتخابات انقسامات وتحالفات داخل حركة فتح، تبعها سخط من قيادات الحركة على القيادي مروان البرغوثي، وكذلك فصل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ناصر القدوة الذي شكل قائمة مع حليفه البرغوثي، إضافة إلى قائمة “المستقبل” التابعة للقيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان، ما ينذر بكارثة إقصاء أو صراع نفوذ على المناصب مستقبلًا أبعد ما تكون عن تحالف يستطيع توحيد الحركة تحت مظلة واحدة.
هذه الانقسامات ستحرف البوصلة عن الحالة الوطنية لصالح الحالة الإدارية غير مكتملة السيطرة -سلطة بلا دولة-، وحالة نزاع المصالح، وتعزز فرضية فشل الانتخابات والتنمية تحت الاحتلال، إذ إن الخلافات داخل صفوف حركة فتح ليست تكتيكًا لاستيعاب كل أنصار الحركة الساخطين من سياسة حركة فتح بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بقدر ما هي خلافات حقيقية تمثل صراع نفوذ ومصالح.
مسار خاطئ يتّبعه المنشقون عن فتح
يتعمق الانقسام أكثر في المشهد السياسي الفلسطيني داخل التيارات المنقسمة في حركة فتح حين يتم استدعاء “الأدلجة” من مربع الانقسام الأول، كمادة انتخابية لاستقطاب أنصار فتح الساخطين على أدائها، ليصوَّر الانقسام الداخلي على أنه صراع بين إسلام سياسي ومعارض له، أو صراع بين حماس وفتح، وهي الحالة التي أرهقت الشعب والقضية الوطنية، ويخالف ما اتفقت عليه الفصائل في كل لقاءاتها بأن الذهاب إلى الانتخابات كأداة تنافس سلمي، ليخرج الجميع من هذه اللعبة بمنطق الكل رابح، لتعزيز الشراكة الوطنية.
وقد ظهر ذلك جليًّا من خلال تصريح ناصر القدوة الذي قال فيه: “كلنا، كل الأطراف (الفتحاوية) الموجودة لديها مشاكل مع الإسلام السياسي بشكل عام أو الإسلامية السياسية”.
فكرة تشتيت النظام السياسي
وحين تترشح 36 قائمة لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني لتعداد سكاني قرابة 5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، تتضح مدى حالة الفراغ السياسي التي تعيشها الحالة الفلسطينية من ناحية، وحالة فوضى الإدارة السياسية القادمة، ويُطرح سؤال هام اليوم مفاده هل يحتمل النظام السياسي الفلسطيني المشتت والمقسّم مزيدًا من هذه الانقسامات؟
إن هذه الانقسامات الحاصلة في حركة فتح بداية، وكمّها الكبير مقارنة بالمساحة والديمغرافيا الفلسطينية في الداخل، تمثل حزامًا جديدًا من البؤس على الفلسطينيين.
تثبت حالة التنافس والصراع على السلطة في حركة فتح أن تشوهًا ملحوظًا في الهدف لصالح السلطة الفلسطينية على حساب منظمة التحرير الفلسطينية، وتوجهًا إلى سباق النفوذ والصراع على الإرادة والإدارة السياسية للنظام السياسي، وتكمن النقطة الأخطر في فكرة تشتيت النظام السياسي الفلسطيني في إعادة توليد النظام السياسي لحكم العائلات مجددًا، عبر انقسامات داخل حركة فتح، ثم قوائم كثيرة لا تحتملها الجغرافيا والديمغرافيا ولا عوامل الإنتاج في الاقتصاد الفلسطيني ولا حتى النظام السياسي، وتكشف أيضًا هذه الانقسامات عن عمق الفراغ في الحالة السياسية الفلسطينية.
وفي ظل ضعف السلطة الفلسطينية على التعامل مع ملفات مختلفة فلسطينيًّا في إدارة الشأن الداخلي، أهمها: ملف القضاء -تغول السلطة التنفيذية على القضاء- والملف الاقتصادي -الأزمة الاقتصادية الخانقة في الضفة الغربية-، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تقوية العائلات الفلسطينية لتحل تدريجيًّا مكان ضعف السلطة الفلسطينية، فهي أقرب إلى مصالحه من وحدة النظام الفلسطيني، سواء وحدة حركة فتح أو اندماج الفصائل في نظام سياسي موحد.
لذلك يلعب التشتت والانقسام الحاصل في حركة فتح دورًا في تقسيم النظام السياسي الفلسطيني وتقزيمه إلى أزمات أشد حدة، وأهداف ومصالح خارج المشروع الوطني الفلسطيني بشكله الجامع للكل الفلسطيني، ليتحول النظام في نهاية المطاف إلى مجموعة من الأحزاب والقوى المشتتة، التي تبحث عن مصالحها دون أن تتخذ شكل الدولة أو الوحدة الفلسطينية.
ختامًا؛ إن هذا الانقسام أنتج تباينًا متزايدًا في البرامج ما بين من يرى المقاومة المسلحة والشعبية طريقًا وحيدًا لتحرر الفلسطينيين، وبين من يرى المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي طريقًا وحيدًا لتحقيق دولة فلسطينية، وبين الكتل الجديدة التي تهتم بشكل أكبر بالمصالح الحياتية اليومية للناس على حساب البرنامجَين السابقَين. وفي نهاية المطاف، يندرج الجميع تحت إطار نظام سياسي غير قارد على توليد موقف موحد لمخاطبة المجتمع الدولي أو لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.