أعلنت لجنة تحكيم جائزة بوكر الدولية في نهاية مارس/ آذار المنصرم عن القائمة الطويلة لدورة عام 2021. من أصل 125 كتابًا، ضمت القائمة النسخة الإنجليزية لرواية “تفصيل ثانوي” للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي إلى جانب اثني عشر كتابًا أدبيًّا تمّ ترجمتها من الصينية، الإسبانية، الفرنسية، السويدية، الروسية والعديد من اللغات الأخرى.
عن بوكر الدولية والاعتراف بدور المترجمين إلى جانب المؤلفين
بالتوازي مع جائزة بوكر للرواية، يتم منح جائزة بوكر الدولية للاحتفاء بأفضل الكتب الأدبية المترجمة من جميع الدول. تقبل الجائزة كلًا من الروايات والمجموعات القصصية و يتم منحها كل عام لكِتاب واحد مترجم إلى الإنجليزية في المملكة المتحدة أو في أيرلندا.
تهدف هذه الجائزة إلى تشجيع نشر وقراءة أعمال أدبية من جميع أنحاء العالم، وتعد من الجوائز القليلة التي تحتفي بدور المترجمين، حيث تحظى مشاركة كل من المؤلف والمترجم بالقدر ذاته من الاعتراف، فيتشاطران قيمة الجائزة بالتساوي ويحصل كل منهما على مبلغ قيمته 25 ألف جنيه إسترليني. كما يتم منح كل من المؤلفين والمترجمين المرشحين للقائمة القصيرة 1000 جنيه إسترليني، ليصل بذلك إجمالي قيمة الجائزة إلى 62 ألف جنيه إسترليني كل عام.
من المقرر إعلان لجنة التحكيم عن القائمة القصيرة للجائزة في 22 أبريل/ نيسان للعام الجاري، كما سيتم الإعلان عن الفائز في 2 يونيو/ حزيران في احتفال افتراضي من كوفنتري مدينة الثقافة في المملكة المتحدة لعام 2021.
عدنية شبلي: عودة أدبية قوية بعد انقطاع أعوام
بعد غيابها لأكثر من عقد عن الساحة الأدبية الفلسطينية، تعود الكاتبة عدنية شبلي بروايتها “تفصيل ثانوي” الصادرة بالعربية عن دار الآداب في بيروت عام 2017، لتعكس الحضور الفلسطيني والعربي بالتنافس على جائزة بوكر الدولية المرموقة. رغم صغر حجم الرواية (128 صفحة)، إلا أن الكاتبة استغرقت عقدًا كاملًا من البحث والكتابة قبل الخروج إلى النور بقالب أدبي دقيق وواقعي.
عدنية شبلي هي كاتبة وباحثة ولدت في فلسطين عام 1974، حاصلة على درجة الدكتوراه من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية من جامعة شرق لندن عام 2009. حازت شبلي مرتين على جائزة الكاتب الشاب (فئة الرواية) التي تنظمها مؤسسة عبد المحسن القطان منذ عام 2000، في عام 2001 عن رواية “مساس”، وفي عام 2003 عن رواية “كلنا بعيد بذات المقدار عن الحب”.
تفصيل ثانوي: محاولة استكشاف وقائع جريمة من الماضي
تدور أحداث رواية “تفصيل ثانوي” في جزئين: الجزء الأول يروي جريمة اغتصاب وقتل ودفن فتاة فلسطينية بدوية على أيدي كتيبة من جيش الاحتلال الإسرائيلي في صيف 1949، أي بعد عام واحد فقط من النكبة؛ والجزء الثاني يسرد حكاية موظفة فلسطينية تعيش في رام الله، تنطلق منها إلى النقب لجمع تفاصيل تساعدها على كشف ملابسات هذه الجريمة التي مرَّ عليها عقود من الزمن.
إلى جانب سرد الرواية لهذه الجريمة البشعة كنموذج متكرر لكثير من الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، تأخذ الرواية القارئ في جولة تصويرية في واقع جغرافية فلسطين الحالية، لتبين ما آلت إليه فلسطين في يومنا هذا من تقسيمات، مستوطنات، حواجز وجدار فصل عنصري.
تسلط الرواية الضوء على شخصيتين مركزيتين: الأولى لضابط إسرائيلي يخيّم مع كتيبته في النقب، والثانية للموظفة الفلسطينية التي يدفعها “تفصيل ثانوي” -وهو حقيقة أن هذه الحادثة المروعة حدثت في نفس تاريخ ميلادها ولكن قبل 25 عامًا من ولادتها- إلى البحث في وقائع هذه الجريمة من وجهة نظر الضحية بحسب قول الكاتبة.
تقول عدنية شبلي في تعليقها حول هاتين الشخصيتين في مقابلة لها مع مجلة رمان الثقافية: “هاتان الشخصيتان كما هو واضح، النقيض التام، أحدهما للآخر، لكن ما تحاول الرواية بوضعها الواحد بجانب الآخر، هو تأمل الحيز الواقع بين هذين النقيضين، وهو حيز نواجهه كأفراد يوميًّا، يتعلق بخيارات غير واعية أحيانًا، لكنها تقودنا إلى مواقع تفصح عن جوهرنا بشكل ما كنا لنتكهنه. هذا هو تساؤل الرواية عمليًّا، والدافع خلف كتابتها”.
من تفصيل ثانوي إلى وصول عالمي
رحّب العديد من دور النشر الأجنبية بهذه الرواية، فقد صدرت النسخة الإنجليزية للرواية Minor Detail التي ترجمتها إليزابيث جاكيت عن دار Fitzcarraldo Editions في لندن عام 2020، والتي ترشحت للقائمة الطويلة لبوكر الدولية. كما تم ترجمة الرواية إلى الفرنسية Un détail Mineur، وصدرت عن دار Sindbad Actes Sud الفرنسية عام 2020.
لاقت الرواية استحسان لجنة تحكيم جائزة بوكر الدولية، حيث قالت اللجنة عن الرواية: “يقدم الجزء الأول من هذا الكتاب القوي سردًا مقتضبًا لجريمة مروعة. وفي الجزء الثاني، بعد مرور عقود، تشرع امرأة في فهم تلك الجريمة. في أرض متنازع عليها، تركز هذه الرواية الجميلة على حادثة واحدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتسلط الضوء على الصراعات العرقية، والتطهير العرقي، في كل مكان”.
كما أشاد العديد من النقاد والصحافيين بأهمية هذه الرواية في العديد من الصحف والمواقع العالمية، فنجد موريل شتاينميتز في صحيفة L’Humanité الفرنسية يقول عنها: “رواية مختصرة وناضجة بشكل كبير، تدين الاغتصاب كسلاح حرب، وتقترح نسيان الرعب”. وتقول مجلة World Literature Today إن رواية شبلي الثالثة “تفصيل ثانوي” أكدت مكانتها بين أفضل وأهم الروائيين الفلسطينيين الذين يكتبون اليوم.
الساحة الأدبية العربية والدولية
لا تعبّر الكاتبات الفلسطينيات عن الهَم الفلسطيني والمعاناة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل نجدهن مشغولات بشكل وثيق بالهَم النسوي، فنلمس البعد النسوي في أعمالهن الأدبية، التي تشكل بدورها مرآة لما تتعرض له المرأة الفلسطينية والعربية من اضطهاد وقمع تحت هيمنة الرجل، في ظل مجتمع أبوي ذكوري.
رغم الظروف الاستثنائية التي تخضع لها الكاتبات الفلسطينيات، إلا أن الإنتاج الأدبي النسوي الفلسطيني أثبت جدارته، وأصبح محط اهتمام وإعجاب على المستوى العربي والعالمي. فإلى جانب عدنية شبلي، نجد العديد من الكاتبات اللاتي تم ترجمة أعمالهن الأدبية إلى عدة لغات، مثل فدوى طوقان، ليانة بدر، سحر خليفة، ابتسام بركات وغيرهن.
كما نجد حضورًا لافتًا للكاتبات الفلسطينيات في الجوائز العربية والعالمية، فقد حازت على سبيل المثال الكاتبة والشاعرة الفلسطينية ابتسام بركات في عام 2020 على جائزة الشيح زايد في فئة “أدب الطفل والناشئة”، عن قصتها “الفتاة الليلكية” الصادرة عن مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي عام 2019، وحصلت كذلك على جائزة مؤسسة القراءة الدولية لأفضل كتاب منذ بدء الجائزة، لتكن بذلك الكاتبة العربية الوحيدة الحائزة على هذه الجائزة.
وتلقت سحر خليفة -التي تُرجمت رواياتها لأكثر من خمس عشرة لغة عالمية- عدة جوائز عربية مثل جائزة نجيب محفوظ، وجوائز عالمية مثل جائزة ألبيرتو مورافيا للأدب المترجم إلى الايطالية. كما ترشحت خليفة ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة بـ”جائزة بوكر العربية” في عام 2010، عن رواية “أصل وفصل” (2009). وتم اختيارها لترأس لجنة تحكيم الجائزة نفسها في عام 2017.
كما تفوقت العديد من الكاتبات في الكتابة بلغة أجنبية مثل الكاتبة الفلسطينية الأميركية سوزان أبو الهوى، فنجدها حصلت على عدة جوائز مثل جائزة مؤسسة إدنا أندرادي للخيال والإبداع، جائزة أفضل كتب للرواية التاريخية، وجائزة الصندوق التذكاري باربرا دا مينغ.