ترجمة: حفصة جودة
يبدو أن الحكومة الفرنسية لم تعد مهتمة بأي شيء بعد الآن، لم تعد مهتمة بحقوق الإنسان أو الحريات الأساسية، أو حتى الحفاظ على مظهر الديمقراطية الفاعلة التي تحترم سلطة القانون.
في حملة غير مسبوقة ضد المجتمعات المسلمة والمدافعين عن حقوق الإنسان والجماعات التقدمية، تجاوزت السلطات الفرنسية كل خط أحمر يمكنك أن تفكر به استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة مثلما كان بيروس (ملك مقدونيا القديمة) يستعد للحرب.
مرة تلو الأخرى، يدمر فريق الرئيس إيمانويل ماكرون ويبعد أي جماعة أو منظمة تهتم عن بعد بالحريات الأساسية والمجتمعات والتنوع والتقدم.
عندما تبدي جماعات حقوق الإنسان مثل جماعة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا “Collective Against Islamophobia” قلقها بشأن العنصرية والتمييز، فإنهم يتعرضون للحل دون أي دافع قانوني شرعي، وعندما يعرب الخبراء الدوليون عن قلقهم بشأن الموقف في فرنسا فإن تعليقاتهم يتم تجاهلها ويتعرضون للنقد من الجمهوريين الجدد.
عندما يغطي المراسلون الأجانب والصحفيون الدوليون ما يحدث بالفعل في البلاد وكيف تُعامل الأقليات مثل المهاجرين واللاجئين والرّوما (الغجر) والمسلمين، يدعوهم ماكرون بنفسه ليشرح لهم خطأهم، وفي حالات أخرى تُحذف المقالات ببساطة وسط حملات الضغط.
هذا الفشل المؤسسي ليس الأول للأسف ولن يكون الأخير، فبدلًا من معالجة التهديدات الحقيقية للعنصرية والتمييز الهيكلي وصعود اليمين المتطرف، تفضل السلطات الفرنسية أن تكرس جهودها لوصم المسلمين وتجريم المعارضة
وعندما يدرس الأكاديميون الفرنسيون العنصرية والتمييز أو يكرسون جهدهم البحثي للدراسات الاستعمارية والتداخلات الاجتماعية فإنهم يصنفون بـ”اليساريين الإسلاميين”، وعندما تجرؤ جمعية طلابية على تنظيم حدث نقاشي للأشخاص الذين تعرضوا للتمييز فإنهم يُتهمون بالعنصرية ضد البيض ويوصمون في وسائل الإعلام الرئيسية لعدة أسابيع قبل أن يصوت مجلس الشيوخ الفرنسي على تعديل قانون لحلّهم.
وهكذا – قبل عدة أسابيع – عندما أعربت عن قلقي بشأن غض الحكومة طرفها عن تصاعد اليمينيين المتطرفين بما في ذلك حياكة هجمات إرهابية، وكيف يتسلل النازيون الجدد إلى الجيش، لم يمض وقت طويل قبل أن يهاجمني حساب الحكومة الرسمي على تويتر، ما تسبب في مئات الإهانات والتهديدات ضدي.
إزعاج دعاة حقوق الإنسان
في سلسلة من التغريدات التافهة التي تشبه الروبوتات من نظام استبدادي، يقول المكتب المفترض أنه مسؤول عن معالجة الحركات المتطرفة، إنه لا توجد إسلاموفوبيا في فرنسا مطلقًا، “فرنسا ضد العنصرية” ومن يقول غير ذلك فهو يروج لأخبار كاذبة.
استمر الحساب في التصيد لي لعدة أيام بما في ذلك إهانات وهجوم ضدي، ما أثار موجة ضخمة من البلاغات لتويتر بشأن المضايقات التي تستهدف أحد دعاة حقوق الإنسان.
خلف هذا الحساب يعمل فريق مسؤول عن الدعايا الحكومية عندما يتعلق الأمر بوصم المسلمين يقوده كريستيان جرافل المشهور بمقطع الفيديو سيئ السمعة الذي يظهر فيه رئيس الوزراء السابق مانويل فالس وهو ممتعض من الأشخاص الذين التقاهم في ضواحي باريس المتنوعة سائلًا عن جلب المزيد من البيض.
يجب أن تكون معتقدات جرافل الجديدة المناهضة للعنصرية متجذرة في تجربته الشخصية – كرجل أبيض من المؤسسة – دون أي خلفية في حقوق الإنسان، فيبدو أداء معلمه الانتخابي الضعيف جعله يشعر بأنه جزء من الأقلية، ومنذ ذلك الحين فإن فالس يغازل اليمين المتطرف الكتالوني ويحلم بأن يلعب دورًا في الحملة الرئاسية القادمة.
استمرار أعمال البناء في مسجد السلطان أيوب بستراسبورج
هذا الفشل المؤسسي ليس الأول للأسف ولن يكون الأخير، فبدلًا من معالجة التهديدات الحقيقية للعنصرية والتمييز الهيكلي وصعود اليمين المتطرف، تفضل السلطات الفرنسية أن تكرس جهودها لوصم المسلمين وتجريم المعارضة ومطاردة أي شخص يجرؤ على قول الحقيقة للسلطة.
ميثاق العار
من ناحية، تقدم الحكومة دعوةً حيةً من أجل عالمية فرنسية مستنيرة لا تأبه باختلاف الألوان، ومن ناحية أخرى تصمم وتفرض سياسات تستهدف المواطنين المسلمين بشكل خاص، والآن عليهم أن يُظهروا ولاءهم للجمهورية إذا كانوا لا يرغبون في تجريمهم.
أقرب مثال على ذلك مسجد السلطان أيوب في ستراسبورج، وهو مشروع بقيادة منظمة “مللي جوروش” قيمته 38 مليون دولار، في محاولة للحصول على أصوات اليمين المتطرف حاولت الحكومة عرقلة دعم البلدية للمشروع بدعوى أن المنظمة تدعم الإسلام السياسي، لماذا؟ لأن المنظمة – مثل معظم المساجد والجماعات الإسلامية – رفضت ميثاق القيم الجمهورية الذي خصصته الحكومة للمسلمين وينكر وجود الإسلاموفوبيا الممنهجة في فرنسا ويؤكد أن جرائم الكراهية مجرد حوادث منفردة.
بينما اعتقد المراقبون أولًا أن ماكرون يضع نفسه بديلًا لليمين المتطرف، فإنه أصبح الآن بطلهم الأكثر شهرة
هذا الميثاق المشين غير المسبوق ليس له أي سند قانوني، فمن الناحية النظرية لا يمكن للسلطات الفرنسية الانخراط في الدين لأنه انتهاك لمبادئ العلمانية، لكن السياسيين مصرّون رغم ذلك.
تم تحديد هذه الانتهاكات لحرية الاعتقاد الأساسية وحرية التجمع بشكل صحيح بواسطة جماعات حقوق الإنسان وهيئات المساواة والمؤسسات الأوروبية، لكن الحكومة لم تهتم كثيرًا بذلك، إنهم جزء من مخطط ماكرون الضخم للسيطرة على المسلمين على جميع المستويات، وبذلك يأمنون أصوات اليمين المتطرف والجمهوريين الجدد.
تحول تكتيكي
مع ذلك أصبح هناك تحول في التكتيكات، فبينما اعتقد المراقبون أولًا أن ماكرون يضع نفسه بديلًا لليمين المتطرف، فإنه أصبح الآن بطلهم الأكثر شهرة.
فاقتراحاته السياسية فيما يتعلق بمجتمعات الأقليات تقدم عنصريةً ممنهجةً دون أي إحساس بالذنب، فبدلًا من معالجة العنصرية، دعونا نحلّ المنظمات المناهضة للعنصرية، وبدلًا من توثيق العنصرية وانعدام المساواة العرقية، لنقطع التمويل عن تلك الأبحاث.
بدلًا من معالجة التمييز الهيكلي، لنؤسس له ونغطي أنفسنا بإجراءات رمزية رخيصة وتافهة مثل كشف أسماء شوارع متنوعة أو التقاط صور مع مشاهير اليوتيوب لنبدو قريبين من شباب البلاد، ثم نأمل أن تكون ذاكرة الناخبين قصيرة بما فيه الكفاية لطي صفحة 5 سنوات من الرجعية بحملة رئاسية سطحية.
لنأمل ألا يحدث ذلك.
المصدر: ميدل إيست آي