ترجمة وتحرير: نون بوست
في وقت سابق من هذه السنة، توغّلت سيارة غير مألوفة في قرية كناكر السورية – وهي معقل سابق للمعارضة في جنوب غربي دمشق وتعد بوابة إلى محافظة درعا. كانت هذه السيارة تبحث عن متمرّد سابق يُدعى عبده الحوري، المعروف باسم البري، والذي لم يكن يعرف لا السيارة ولا ركابها. ووفقا لمصادر “ميدل إيست آي، عُصِبت عينا البري وركب في السيارة من أجل الذهاب لمقابلة رجل يُدعى “المهندس”، وهو عميد في “فرع 215” من شعبة المخابرات العسكرية الذي يُعرف بأساليبه المخيفة في التعذيب.
قالت المصادر إن المهندس طلب من البري تجنيد فريق من 12 عميلا لاغتيال 22 فردا من قادة المجتمع المدني المؤثرين. وحسب ما أفاد به مصدر على اطلاع بالاجتماع لموقع ميدل إيست آي: “كان البري وشخص آخر معه معصوب العينين طوال الاجتماع الذي استمر لساعة”. تحدثت جميع المصادر حول تفاصيل الاجتماع ونتائجه شريطة عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية.
أنكر البري انعقاد هذا الاجتماع أساسا ونفى تورطه في أي من الاغتيالات. وتقول مصادر إن بعض ضحايا الاغتيال هم شيوخ مؤثرون قادوا مفاوضات بين المتمردين وقوات الحكومة السورية عندما سقطت كناكر في يد دمشق في أواخر سنة 2016 والتي لا تزال تسيطر على القرية منذ ذلك الحين. وكان آخرون من المتمردين السابقين الذين رفضوا الفرار إلى شمال سوريا، الذي تسيطر عليه المعارضة، عندما سقطت كناكر ولم يتمكّنوا من تسوية وضعيّتهم مع القوات الموالية للحكومة. لكن حملة الإغتيالات كانت قد بدأت بالفعل.
في ليلة مظلمة في السابع من شباط/ فبراير المظلمة، قُتل نعيم عبد الرحمن زامل، وسط قريته بعد أن أطلق عليه مهاجمون النار أربع مرات، كما أصيب شخص آخر كان برفقته. خلّفت عمليّة القتل صدمة في كناكر وشارك المئات في تشييع جنازة زامل، الذي كان قائدا في لواء الفرقان الذي سيطر على القرية حتى سنة 2016، للمطالبة بالثأر.
استجاب المتمردون السابقون لتلك الدعوة. وبعد فترة وجيزة، هدموا منازل ثلاثة رجال يُعتقد أنهم نفّذوا عملية القتل وفروا إلى قرية شبعا شرقي دمشق. في ذلك الوقت، غضت القوات الموالية للحكومة النظر عن الحادثة خوفًا من التصعيد، لكنها لم تمر مرور الكرام، حيث أصدرت المخابرات العسكرية مؤخرًا قائمة تضم 100 متمرد سابق للاعتقال بسبب الحادث، بمن فيهم أولئك الذين هدموا المنازل. تم القبض على ثلاثة منهم في 15 آذار/ مارس، من بينهم شقيق زامل، في أعقاب اشتباكات ادعت فيها السلطات أنها قتلت ثلاثة أفراد آخرين كانوا يخططون لشنّ هجمات في العاصمة. والآن، يطغى التوتر على القرية التي بات سكانها أكثر حذرا.
بوابة الجنوب
تعتبر كناكر قرية استراتيجية للغاية تبعد مسافة ساعة بالسيارة عن دمشق، وتقع على الطرق التي يمكن أن تتيح للعاصمة إمكانيّة الوصول إلى القنيطرة من الغرب ودرعا من الجنوب. منذ سنة 2016، كان تواجد الحكومة السورية في القرية محدودًا. يخضع جزء كبير من القرية إلى سيطرة المتمردين السابقين والشيوخ الذين صالحوهم مع حكومة بشار الأسد في ظلّ انهيار المعارضة في الجنوب.
تمكّنت الحكومة من تحقيق انتصارات في بعض معاقل المتمردين السابقة، بينما فقدت السيطرة في مناطق أخرى مثل المساحات الشاسعة من درعا، حيث تتواصل المواجهات بين المتمردين السابقين والقوات الموالية للأسد. ووفقا لمكتب توثيق الشهداء في درعا شهد جنوب سوريا السنة الماضية 105 محاولة اغتيال، استهدفت في الغالب متمردين سابقين، وقتلت 66 شخصًا.
أفاد عضو مكتب توثيق الشهداء في درعا، محمد الشرع: “هذه الأرقام تخصّ محاولات الاغتيال المتعمدة ولا تشمل الهجمات المباشرة، على غرار الهجمات التي أسفرت عن مقتل 21 مقاتلًا مواليًا للأسد في منتصف آذار/ مارس”.
كان “المهندس” يعتقد أن الوقت قد حان لتعزيز دور المخابرات العسكرية في كناكر. وقالت مصادر مطلعة إنه يعتقد أن حملة الاغتيالات والتفجيرات العشوائية ستنشر الفتنة والسخط والفوضى في القرية، وعندها يمكن أن تتدخل أجهزة الأمن التابعة للأسد.
احتدم التوتر في القرية في 21 أيلول/ سبتمبر عندما حاصرتها القوات الحكومية لمدة ثلاثة أسابيع في محاولة لطرد المتمردين السابقين الذين حاولوا اغتيال العميد علي صالح، رئيس فرع الأمن العسكري في محافظة القنيطرة.
كان العملاء الذين سعى المهندس إلى تجنيدهم في الغالب من المتمردين السابقين الذين كانوا على امتداد السنوات الثلاث الماضية جزءا من الفرقة الرابعة المدعومة من إيران، بقيادة ماهر الأسد، شقيق الرئيس.
وقالت المصادر إن هؤلاء المتمردين السابقين متمركزون عند نقطة تفتيش والمكتب الرئيسي للفرقة الرابعة. وقال مصدر ثان لموقع “ميدل إيست آي” إنهم “لفتوا الأنظار، الكثير من الأنظار. كانوا متمردين سابقين غير فعالين معروفين بالسرقات، ولا يقاتلون إلا عندما تكون الأموال متاحة مثل المرتزقة. وقد جعلت هذه السمعة السيئة العملاء في وضع ممتاز للقيام بأعمالهم القذرة”.
حسب مصادر “ميدل إيست آي”، أُبلغ البري في الاجتماع بأنه سيتلقى مواد متفجرة وأسلحة خفيفة ومسدسات كاتمة للصوت لتنفيذ العملية. وقيل له إنه سيتم إيداع مئات الآلاف من الدولارات في حسابه المصرفي عندما يكتمل عمله.
يقال إن حمودة عاشور كان من ضمن أبرز المستهدفين، وهو زعيم المتمردين البارز الذي اتهمته الحكومة بتنفيذ هجمات في دمشق وإدارة خلية من مقاتلي أنصار جماعة الفرقان السابقين.
أخبر المصدر الأول موقع “ميدل إيست آي” بأنه “تم إبلاغ العملاء بأنه سيتم استبدالهم في حال فشلوا، وهو تهديد ضمني بإمكانية قتلهم”، مضيفًا أنه “من خلال هذه العمليات، ستتخلص أجهزة المخابرات من المعارضين دون خسائر، ثم تتوسع في القرية بحجة الحفاظ على الأمن وحماية المدنيين. في نهاية المطاف، سيموت العملاء أو أولئك الأشخاص المدرجون في قائمة الاغتيالات، وفي كلتا الحالتين ستستفيد أجهزة المخابرات”.
إنكار
ينفي البري معرفته بالمهندس أو مشاركته في أي عملية اغتيال. وقد أخبر موقع “ميدل إيست آي” بأنه عاطل عن العمل، ولكنه أقر بأنه كان مرتبطا بالفرقة الرابعة على امتداد السنتين الماضيتين وبرجال نقاط التفتيش والمكاتب الأمنية. وأضاف قائلا “لكن لا علاقة لي بعملية الاغتيال”.
نفى البري تورطه في قتل الزامل، على الرغم من أنه ساعد في تهريب المتهمين بقتله من كناكر. وأوضح قائلا “كنت في أحد المكاتب عندما أخبرني الرجال أن الزامل قُتل وأن الناس غاضبون للغاية. لهذا أخذتهم في سيارة وطلبت منهم البقاء خارج القرية حتى تهدأ الأمور”.
الخلافات داخل جهاز المخابرات العسكرية بدأت تطفو على السطح
قال المتمرد السابق لموقع “ميدل إيست آي” إن الزامل حاول في السابق دفعه إلى مهاجمة الحكومة السورية. ثم أضاف البري مستدركا “أعطاني الزامل متفجرات لأزرعها في دمشق، لكنني سلمتها للدولة، لذلك أراد قتلي”. ويدعي البري أن المتمردين السابقين يتهمونه بجريمة القتل للتخلص منه، وذلك لأنهم غاضبون منه لأنه عصى أوامر الزامل، مؤكدا: “لا علاقة لي بالمخابرات العسكرية ولا أثق بهم أبدا. أنا أعمل هنا فقط في مكتب أمني”.
خلافات داخل أجهزة المخابرات العسكرية
لم تحظ خطة المهندس بتأييد جميع القوات الموالية للحكومة. ومن المفترض أن تكون شؤون كناكر حكرا على فرع سعسع 220 – التابع أيضًا لشعبة المخابرات العسكرية – الذي لم يتقبل تدخل الفرع 215.
من المحتمل أن الخلافات داخل جهاز المخابرات العسكرية بدأت تطفو على السطح. ففي السابع من شهر آذار/ مارس، نجا العميد طلال العلي، رئيس فرع سعسع، من محاولة اغتيال بعبوة ناسفة انفجرت بالقرب من سيارته بينما كان في طريقه إلى مكتبه.
قال المصدر الأول إن “علي متهم بالفشل في إدارة الملف الأمني في الوقت الذي تتبادل فيه القوات الحكومية والمتمردين السابقين الاغتيالات”. قال مصدر ثالث إنه يجري تعيين المزيد من العملاء لتوسيع الحملة ضد المتمردين السابقين. وحسب معلوماته: “تم تعيين عملاء آخرين من قبل وكالات استخبارات أخرى، مجموعات صغيرة لا تعرف بعضها البعض، لذلك من الصعب الكشف عنها”.
في الوقت نفسه، تعهّد بعض العملاء الذين عيّنهم البري بالتراجع عن حملة الاغتيالات. وقال المصدر الأول إن التهديدات بقتلهم في حال فشلوا في القيام بذلك والضغوط التي يمارسها شيوخ القرية قد شجعتهم على قطع الروابط مع القوات الحكومية.
المصدر: ميدل إيست آي