عام 2008 أبهرتنا الصين بحفل افتتاح عبقري لأولمبياد بكين، أبانت فيه عن ثقافتها التي امتدت لآلاف السنين، مستغلة تلك الثقافة لتمد جسورًا بينها وبين الحشود القادمة من شتات الأرض، بغبطةٍ استعراضية وطربٍ موسيقي ابتهج له العالم، بما يقدمه من سحر بصري متفرد في وقته، حتى حفلات الافتتاح اللاحقة في لندن والبرازيل، لم تستطع أن تصل لما أدركه المخرج تشانج يامو – مخرج الحفل – من رواية واحتفاء ثقافي شعبي عبر الصورة والحركة والصوت.
بيد أن الصورة اللافتة التي قدمها تشانج ليست غريبة أو مفاجئة، بل منتظرة منه، كفنان وضع الصين مرة أخرى على خريطة الفن العالمية، وتم الاحتفاء بقصصه بصورة مكثفة.
تاريخ الصين مثل أغلب البلاد، مزج بين حوادث عاصفة، أعاقت الطريق على الانفتاح الذي اختصت به بعض الدول بعد الحرب العالمية الثانية، وعقب انتهاء الحرب وتحديد القوى العظمى تحول الصراع المبني على حشد الجيوش إلى نزاع أهداف صغيرة مركزة أيقن العالم أن أهميتها تفوق صراعات البارود، بيد أن الصين بالذات، تختلف عن غيرها كثيرًا في ذلك الوقت، صحيح أنها تأثرت بنفس الوقائع والأمواج، ورضخت لأيديولوجيات فكرية عالمية تم تعميمها والتسليم بها كقوى معارضة أشعلت البارود مرة أخرى، لكن منطقة شرق آسيا – خصوصًا الصين – خضعت لانغلاق تام على نفسها، تم تسوير كل ما يمكن حبسه داخل حيز السلطة والتسلط، وباشرت الحكومة في تدشين بنية مركزية تتمحور حول أشخاص بعينهم، كحجر الرحى يدورون حوله مثل أصنام.
الانفصال الذي أحدثته سياسة الحرب الأهلية المعروفة بين حزبي الكومينتانغ والشيوعي الصيني، أفضى إلى عزلة مضاعفة، وكثافة الوقائع أوجدت الثورة الشيوعية الصينية أو ما يسمى حرب التحرير التي ضيقت الخناق على الخلق، ووجدت الصين نفسها وقد لفظها العالم أو هي من لفظته، وتنحى كل شيء أجنبي عن الظهور، وتولدت مشاعر الإقصاء في قلوب الصينيين مثل شيء عادي حاولوا التعايش معه كشعور فطري، لتنفرط العقدة بعد ذلك بحلول الثورة الثقافية التي مزقت الشعب الصيني وأشعرته بالانتفاء داخليًا وخارجيًا.
من هذه الوقائع، لم يتوقع العالم سينما صينية تنافس في أي من المحافل الكبرى، بل يمكن أن نقول إنه لم يكن للسينما الصينية أثر خارج حدود الصين، لأن الأفلام الصينية – رغم أهميتها على مستوى التأريخ لحقبة دامية – كانت لا تنج من مقص الرقيب أو تفلت من منصات البروباغندا، بالإضافة لحظر توزيعها خارج الصين، حتى خرج “الجيل الخامس” من المخرجين الصينين الذي تمخض عن ظروفٍ مضنية في ركنٍ ناءٍ، ونازع حتى صنع مجدًا للسينما الصينية وأحدث صدى هائلًا بمشاركاته في أعظم المسابقات العالمية، وحصد الجوائز، لتخلق ظروفًا قاسية نسيج يكتسب أهميته من ثراء التغيرات التاريخية، ويقتبس حكاياته من مجتمع اتسع بالحكايات، وأترف بالملاحم، وتغزى بالتاريخ.
تشانج يامو – طور التكوين
ولد تشانج يامو عام 1951 في مدينة شيان، وهي واحدة من العواصم السبعة القديمة في الصين، لأمٍ طبيبة جلدية، وأب يعمل في الجيش الوطني/الكومينتانغ الذي أثر انهزامه في الحرب على طفولة (تشانغ) أيما تأثير، لأنه أصبح ينتمي لما يسمى طبقة اجتماعية مشبوهة، وأضحى تشانج معزولًا على غير إرادته بسبب سياسة الحكم والتقييد التي تبنتها الحكومة الصينية آنذاك، بيد أنه ألتهى بالرسم – الذي كان يعشقه – عن ظروف الكبت التي تحيطه، حتى دخل المدرسة وانخرط في أنشطة دعائية في إطار مدرسي، بجانب محاولاته المستمرة في تطوير موهبته في الرسم، حتى ناطحته فيها فتاة قادمة من بكين، وتفوقت عليه لتصبح بعد سنوات زوجته “زياو هاو”.
دشن ماو تسي تونغ الثورة الثقافية الصينية عام 1966، جرت هذه الثورة بقايا الحرب الأهلية الماضية، وهاجت البلاد، وطال خفقان الثورة الثقافية كل مواطني الصين، في عام 1968 تم إرسال تشانج للريف كجزء من إعادة التأهيل التي تفرضه الحكومة بشكل قسري، لتطوير مؤهلات المواطن بما يناسب البيئة الصينية المولودة، انصرف تشانغ إلى إحدى القرى الريفية في بلدة شنشي هو وصديقته، وقضى فيها ثلاث سنوات من عمره، يكدح قوت يومه، مشتغلًا ببعض الأعمال اليدوية، حتى ساقهم القدر إلى فرصة عودة للمدينة مرة أخرى كعمال في مصنع، ثم يشتغل بعدها في معمل للقطن لأكثر من ست سنوات.
تنزجر الثورة الثقافية بموت الزعيم ماو تسي تونغ خلال تلك الفترة، ويطور تشانج اهتماماته الفنية بالرسم ليندفع نحو التصوير الفوتوغرافي – الجدير بالذكر أن تشانج باع دمه بشكل شرعي ليشتري كاميرا – مستهلًا حياته المهنية حينما اهتمت مجلة فنية تسمى Chinese Photography بتصويره، ناشرة صوره في إحدى صفحاتها، ليصنع بعدها سمعة لا بأس بها، تؤهله لدخول أكاديمية بكين للأفلام، قسم التصوير، رغم أن سنه – 27 عامًا – كان قد جاوز الحد المسموح به للدخول كطالب في تلك المؤسسة، بيد أن موهبته الاستثنائية صنعت له طريقًا يرقى فوق العقبات.
بعد أربع سنوات يتخرج في الأكاديمية عام 1982 مع دفعة من الأسماء التي ستحفر اسمها في تاريخ السينما العالمية مثل كايج تشن وتيان زهوانجزهوانج، وغيرهم من الأسماء مكونين موجة الجيل الخامس، لتتحول حياته بعد ذلك.
انخراط تشانغ بقسوة في بيئته، متذوقًا مرارة العقبات، مراقبته لانهيار المنظمات الأخلاقية ورصده التدمير الثقافي والبيئي الذي عاصره، بجانب تجشمه كل تلك الصعاب، خلق رؤية فنية ملهمة، أصبح تشانغ ابن بيئته، يشعر بالانتماء لتلك الثقافة وهؤلاء الناس بحلوهم ومرهم، مكونًا – كما الجيل الخامس كله – رؤية فنية ناقدة، ومطورًا لأسلوب سردي متفرد يستحضر التاريخ والقصص الهامشية الغابرة مؤسسًا لسينما شديدة الخصوصية، ستفتح عليه الكثير من الانتقادات بعد ذلك.
في البدايات وعقب تخرجه، اشتغل تشانج كمصور سينمائي في عدة أفلام، أولها مع صديقه كايج تشن في فيلمه الأول “الأرض الصفراء” الذي أحدث صدى هائلًا وتم تصنيفه بعد ذلك في المركز الرابع لأفضل مئة فيلم صيني، تميز الفيلم بتصوير سينمائي بديع، وكان نقطة التحول في مسيرة تشانج يامو بما تلقاه الفيلم من إشادة وجوائز على المستوى العالمي، لذا يعتبر الفيلم بمثابة بداية قوية، قدم فيها نفسه كفنان ذي موهبة.
بعدها بأربع أعوام نجح (يامو) في إخراج أول فيلم له Red Sorghum عام 1988، ليفوق كل التوقعات، ويفوز بالدب الذهبي في برلين. بعدها بدأت مسيرة (تشانج) تسطع في سماء الفن، وما أنفك يحصد الجوائز يمينًا ويسارًا، بجانب ترشحه للأوسكار عدة مرات.
هناك الكثير لاستكشافه في الداخل – البعد عن التغريب
يحظى المكان في أفلام تشانج بخصوصية شديدة، ويحمل في داخله طبقات من الثقافة الشعبية والتاريخ الدموي، أكاد أجزم أن حجرًا واحدًا في أفلامه لا يشبه حجرًا في السينما الغربية، هذا التفرد ناتج عن اختلاطه بالبيئة وانكفاء الصين على نفسها كبلد منغلق على ذاته، بجانب اعتزاز تشانج بهويته وخصوصية بلاده رغم كل الظروف.
ما يميز بدايات تشانج توحده مع ثقافته، أنه ابن بيئته، وعلى غير العادة تمرد مع أقرانه على النوع الفيلمي السائد آنذاك، نوع البروباغندا الشيوعية، وأفلام الدعاية الوطنية أحادية المنظور، وقرروا بداية من “الأرض الصفراء)” استغلال كل طاقاتهم لحكي قصص مستلهمة من الحقيقة توضح معاناة الشعب وفساد السلطة في إطار إنساني بحت، محاولين البعد عن السياسة قدر الإمكان، بغض النظر عن أن أفلامهم دائمًا مصابة بلوثة الإسقاطات السياسية، ووسواس نقد لاذع موجه لتيارات معينة، وهذا لأن أفلام تشانج مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الصيني، وهذا ما يجذب العنصر السياسي في أطراف الحكي، كجزء مهم من التاريخ لا يمكن التخلي عنه أو إهماله في عملية التأسيس لعالم الحكي.
تتحقق تلك النوايا بالاستغلال الأمثل للثقافة والتاريخ الشعبي، الذي يستدعيه المخرج في كل فيلم من خلال تطويعه المكان كأداة حاوية للزمان بتفاصيل مدهشة، وعليه يتم التعاطي مع المكان كمصدر معرفي يعمل كخلفية للقصة الأصلية، مكتظًا بحكايات بصرية مهمة، تلزم تلك القصص مكانها، كأقاصيص فرعية يمكن للمشاهد ممارستها بالنظر فقط، تثري النص الأصلي، وتحوي في داخلها الكثير من الأحداث التي تدور في الخلف دون أن يدري أحد.
الزمان المرتبط بتلك الأماكن لا ينقصف عند أقصوصة معينة، بل يواصل جريانه، لذلك فقصص تشانج الأولى متخمة بالأحداث الفرعية، التي تدور في خلفية المكان، والجدير بالذكر أن القصة الأساسية تكتسب نسقها وزخمها من الوقائع التي تدور على خلفية الأحداث التاريخية أو التقاليد الشعبية، وهو ما يعطيها الأصالة الكافية لترضي المخرج.
الكثير من أفلام تشانج تدور في الريف، قبل أن يتجه إلى أفلام الفنون القتالية – الووشيا، يرجع هذا للثورة الثقافية التي أجبرته على قضاء عدة سنوات في الريف واختلاطه بالفلاحين ومشاركتهم المعاناة نفسها، والجدير بالذكر أن أغلب أفلامه تدور في القرن العشرين قبل ولادته، وهذا يحيلنا لشيء آخر، هو الاستثمار في التاريخ وإحلال العنصر الأدبي في أفلامه، فأكثر أفلامه مقتبسة من روايات صينية معروفة.
عاش تشانج طفولة محاطة بذيول التاريخ، وكان جزءًا من مشروع تاريخي لا يزال أثره حاضرًا، وهذا ما جعله يتخلى عن كل ما هو غربي لأن هناك الكثير من القصص الأصلية ذات الطابع الشعبي يجب أن يعرفها العالم.
انتقد تشانج في أفلامه النظام الشيوعي بشكل واضح، وإثر ذلك تعرض لحملات إيقاف ومنعت أغلب أفلامه من العرض داخليًا، بيد أن هذا كان له رد فعل عكسي على المهرجانات العالمية التي كانت تتلقف هذا النوع من الأفلام لجودتها العالية بالتأكيد، ولغرضٍ ما في أنفسهم كمؤسسات مدعومة من أنظمة رأسمالية معارضة للشيوعية، تحاول الترويج لفكرها، وهذه الأفلام الناقدة للنظام الصيني الداخلي ترسخ لتيارات مضادة، فيقول الناقد سمير فريد في كتابه “مخرجون واتجاهات في سينما العالم”:
“عرض مهرجان كان “جودو” و”أن تحيا” و”ثلاثي شنغهاي” و”كن باردًا”، لكن مدير المهرجان جيل جاكوب رفض عرض فيلمي تشانج يامو اللذين أخرجهما على التوالي عام 1999 ـ يقصد فيلمي Not One Less وThe Road Home -“.
بعدها فاز فيلم Not One Less بأكبر جوائز مهرجان فينيسيا في نفس العام، وفاز The Road Home بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين في العام التالي، يقول فريد عن هذه النقطة إن الأفلام السابقة لهذين الفيلمين كانت أفلامًا ناقدةً للنظام أو كاشفةً على المستوى الإنساني أو مائلةً للثقافة الغربية بعض الشيء مثل فيلم “ثلاثي شنغهاي”، وهذا يشفع وجودها في المهرجانات، لكن الفيلمين الأخيرين – خاصة فيلم الطريق للوطن – يعرض وجهة نظر مختلفة، مستمسكًا بالثقافة الصينية، يرفض التغريب مقدسًا الريف والمجتمعات الجبلية البسيطة، محترمًا لأقاصيصهم الخرافية وتقاليدهم الشعبية المتوارثة، ناقدًا المدينة والمجتمعات الرأسمالية.
يقول فريد عن رفص الفيلمين: “لكنه في فيلمه عام 1999 يعبر عن مرحلة مختلفة في مسيرته الفنية يرفض فيها الاتجاه إلى تغريب الصين، ويؤكد أن اندماج الصين في النظام العالمي الجديد يجب أن يظل بشروطها الخاصة”.
التقنية السردية – الكاميرا كأداة
يعمد تشانج في أفلامه إبراز جغرافية المكان بأكبر قدر ممكن من اللقطات التي تعمل كلقطات تأسيسية تساعد المشاهد للدخول في أجواء الفيلم، يستخدم تشانج اللقطات الواسعة بشكل مدهش، وينتقل بين الـextreme wide shot وMedium Wide Shot ليقحم المشاهد في الحكاية، ويعطيه عين إضافية يرى بها ما يراه البطل.
في فيلم جودو مثلًا يعتمد تشانج إيقاعًا بطيئًا للكاميرا، مساهمًا في إحباط/إلغاء مشاعر المتلقي عند متابعة مأساة العائلة، مستخدمًا لقطات واسعة تمسك عين المشاهد وتدفعه لتأمل المكان الحاوي للمأساة، وبهذا يعول على لقطات وصفية أكثر منها تعبيرية، يخلق بها إيقاعًا يتناول القصة بشكل أكثر شمولًا، ويمهد للمتلقي الدخول في ثقافة شعبية قديمة جدًا ما زالت لها حضور، لذلك فالكثير من اللقطات تحمل معها القصة لبعد آخر، بعد جاذب لتفاصيل متنحية عن القصة الأصلية أو الخط السردي الأساسي، زاوية أخرى تعطي للمكان تفاصيل أخرى يستكشفها المشاهد، وتترك فيه أثرًا تعبيريًا.
تأثر تشانج بالواقعية الإيطالية، وهذا واضح جدًا في فيلميه The Story Of Qiu Ju وNot One Less الذي استعان فيهما بكثير من الممثلين غير المحترفين، ووظف تقنيات سردية بسيطة تناسب مواقع التصوير الهامشية والمنفتحة، بجانب تناوله لحكايات مهمشة.
في النصف الثاني من مسيرته، وبعد تحوله لأفلام الفنون القتالية، تطور كل شيء في سينما تشانج، تضخم الإنتاج وارتفع نسق الحركة، وأصبح الاهتمام بتصميم الإنتاج شيئًا على قدر كبير من العناية، لأن هذه الأفلام الملحمية تستدعي كمًا هائلًا من التفاصيل الذي يجب حضورها لجذب الأنظار، بيد أن أفلامه لم تخل من المعنى، ولم تقع في فخ التسطيح والسذاجة التجارية، خصوصًا بعد تطويع الألوان بشكل مدهش في حكي فيلم Hero عام 2002.
يفضل المخرج استخدام تأثير الذوبان/التلاشي/Dissolve أكثر من أي تأثير آخر في غرفة المونتاج، – هذا التأثير القديم لا يستخدم الآن إلا في عدد قليل من الأفلام، لتفضيل المخرجين المحدثين القطع الصارم/Hard Cut، وتأثير الـDissolve عبارة عن تلاشي الصورة بسرعة محددة لتحل مكانها صورة أخرى – ولهذا تأثير أكثر من معنى على حسب مكانه وزمنه في السياق.
فيمكن أن يستخدم ليكشف مرور فترة معينة من الزمن، ويمكن أن يستخدم لتوضيح كينونة الشخصية، وما يبطن عقلها من أفكار، وفي هذا فهو يوازي في القوة الحوار الداخلي/Inner dialogue، وهناك استخدام آخر يسمى الـMatch Dissolve، وهو أن يضع المخرج لقطتين يشبهان بعضهما في الشكل الخارجي لكن ليس في التكوين الداخلي، وهذا له تأثير مهم على الشخصيات بعد ذلك.
ويمكننا القول إن المخرج استخدم الثلاث استخدامات نظرًا لأن هذا تأثيره المفضل ويستعمله بكثرة، بجانب لقطات الـClose Up الموزعة بشكل مميز، التي تساهم في تفاقم الشعور ومشاركة الفكرة مع الجمهور، وهي أكثر اللقطات تأثيرًا في فيلم Hero بالأخص على وجه بطل الفيلم Jet Lee.
يحاول تشانج في أفلامه الموازنة بين الفن والقتال، بحيث يصنع من الفنون القتالية والحركات البهلوانية الطائرة فنًا، ويعطيها شرعية من خلال عالم شديد الخصوصية، مفصل للأبطال وحدهم، لكنه يشبه العالم الحقيقي في متن الصراع، في فيلمه Hero يتعرض تشانج لفكرة الحرب والسلام، ويستخدم في ذلك تقنية سردية استعملها المخرج الياباني العظيم أكيرا كوروساوا في فيلمه Rashomon قبلها بسنوات، وهي الحكي من عدة وجهات نظر.
بيد أن تشانج طور فيها بعض الشيء، ليعرض الحكايات من زاوية أكثر إنسانية، وأشد عمقًا، وقبل فيلم Hero فضل تشانج الحبكة الكلاسيكية المعهودة، بما لها اتصال بالتاريخ.
النساء في أفلام تشانج يامو
تمثل النساء سمةً رئيسيةً في سينما تشانج يامو، فأغلب الأفلام الذي قدمها من بطولات نسائية – أحيانًا بطولات مطلقة مثل فيلم The Road Home – لذا فالعنصر النسائي ضروري في الحكي، ربما يرجع هذا لتاريخ الصين المعزي في تعامله مع النساء كأدوات للشهوة والعمل، بيد أن من المفارقات أن تشانج يعطي النساء قوةً وحضورًا على الشاشة، لكن في إطار معين لا يخرج عنه بناء على الرواية التاريخية، حتى لو كانت تلك الأقاصيص تعلو فوق التاريخ نفسه.
في فيلم جودو، يعطي الأنثى بهاءً وطغيانًا يضع الرجال موضع التنظير، حتى مع حضور القوة الذكورية فالأنثى تملك الحب، وهذا يكفي لكي يغير وجهة نظر المرأة في نفسها، ويعطيها الحق أن تبغي شابًا من سنها، بيد أن في النهايات دائمًا تقع موقع المأساة، ولا تكتمل الحكايات إلا بالمكاشفة لطبيعة أنثوية يراها الشعب بعين التقاليد الغابرة، كخطيئة.
في فيلمه “المصباح الأحمر”، يجرد تشانج العالم من الذكور، ويوظفهم بشكل هامشي غير معلوم، ويعطي مساحة هائلة للشخصيات النسائية لكي تبدي وتكشف هويتها، ويصنع عقدة بين أربع زوجات، يتنافسن في الظل، ويتناوبن على السلطة والتملك فيما بينهن، بيد أنه في النهاية تسطو السلطة الذكورية على الهيجان الأنثوي، وهكذا تتغير الأزمنة، وتزداد النساء قوةً لكن في إطار ما هو مسموح في المجتمع الصيني.
لكن تغيرت هذه النظرة منذ فيلم Hero وما بعده، لتتحول النساء إلى مركز قوة وتتفوق على الرجال حتى في مهارات ذكورية بحتة مثل القتال، وتتطور هذه الرؤية في أفلام الووشيا، لتتفرد الأنثى بحضور طاغٍ – أحيانًا – على الرجال، ويصبح لها الحق أن تكون باغية وفي ذات الوقت لديها فخر وقوة مثل فيلم The Flowers Of War، وفي ذلك تتغير النظرة للأنثى مع تطور الحكي ومرور السنوات، لكن الشيء الحقيقي أن البطولات النسائية في أفلام تشانج هي بطولات مستحقة، وحكايات يجب أن تروى، ورغم بعض الانتقادات التي تتهمه باحتقار النساء، لكنه يترك سينماه ترد، حتى لو بقدر ضئيل.