في حركة لم تكن منتظرة، أعلن الحزب الحاكم في فرنسا الذي يقوده إيمانويل ماكرون فتح مقر له في الصحراء الغربية، ما اعتبر تحولًا مهمًا في السياسة الخارجية لفرنسا وتقربًا من المغرب، فالحزب الحاكم يعبر حتمًا عن سياسة النظام، فيما رآه آخرون ورقة ضغط يمارسها ماكرون ضد الجزائر لكسب بعض النقاط.
فرع في الداخلة
فرع حزب الجمهورية إلى الأمام الجديد سيكون في مدينة الداخلة بالصحراء الغربية، كما سيتم فتح فرع آخر بالتوازي في مدينة أغادير جنوب غربي المملكة، ومن المنتظر أن يترأس لجنة الداخلة عضو الحزب كلود فرايسينت، فيما سيترأس زميله عضو الحزب جاي بيكار لجنة أغادير، وفقًا لتصريح النائبة البرلمانية عن الحزب ونائبة رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية ماري-كريستين فيردير-جوكلاس.
الهدف من افتتاح الفرعين وفق بيان صادر عن الحزب هو “تعزيز شبكة الحزب في الدائرة المغاربية وغرب إفريقيا”، معربًا عن أمله في أن يكون هذان الملحقتان ديناميين قدر الإمكان، من أجل تلبية توقعات الفرنسيين في هذه المنطقة على أفضل وجه”.
تعتبر فرنسا خطة الحكم الذاتي المغربية أساسًا لأي محادثات جادة وذات مصداقية بخصوص الصحراء الغربية
الداخلة عبارة عن شبه جزيرة بطبيعة صحراوية تقع في أقصى جنوب المغرب على الحدود مع موريتانيا، وتلقب بلؤلؤة الجنوب المغربي، حيث تعتبر بوابة المغرب إلى إفريقيا، فقد خول لها موقعها، الاضطلاع بدور القطب المفتوح بين إفريقيا وأوروبا، وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عزمها خلق مشاريع تنموية واستثمارات ضخمة في الداخلة بقيمة تفوق 2.5 مليار دولار، وذلك تزامنًا مع إعلانها قرار افتتاح قنصلية لها بالمدينة.
الاعتراف بمغربية الصحراء؟
هذا الأمر اعتبر تحولًا مهمًا في السياسة الخارجية لفرنسا وتقربًا من المغرب، ذلك أن الحزب الحاكم يعبر حتمًا عن سياسة الدولة الفرنسية، ما يعني أن فرنسا من الممكن أن تفتح قنصلية في أقاليم الصحراء وتعترف بذلك بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وتعتبر فرنسا خطة الحكم الذاتي المغربية أساسًا لأي محادثات جادة وذات مصداقية بخصوص الصحراء الغربية، لكنها لم تؤكد يومًا أن الصحراء تابعة للمغرب الذي يرى أن الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من ترابه الوطني.
ويرى الباحث المغربي عبد الوهاب الحسيمي أن دبلوماسية المغرب القوية على الأقل خلال الخمس سنوات الأخيرة وربطه لعلاقات اقتصادية مهمة مع دول إفريقية عديدة فرض على فرنسا أن تخطو خطوات جديدة في الملف، رغم مصالح باريس المتعددة في الجزائر التي تجعلها تحسب جيدًا كل خطواتها قبل الإقدام على أي تقدم في الملف.
أوضح الحسيمي في حديثه لنون بوست “أن موقف أمريكا الأخير والقاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء من دون قيود أو شروط، أحرج فرنسا، فهذه الأخيرة، تعرف جيدًا دور المغرب في المنطقة ودوره في محاربة الهجرة السرية والإرهاب”.
وأشار الباحث المغربي في معرض حديثه أن فرنسا كانت من السباقين لدعم مقترح المغرب المتعلق باعتماد الحكم الذاتي في الأقاليم المغربية الصحراوية، الذي يخول لساكني المنطقة تدبير شؤونهم المحلية تحت السيادة المغربية.
كل هذه الأسباب، وفق محدثنا، تجعل فرنسا حريصة على حليف مهم كالمغرب، وهي تعي أن عدم الإسراع في الاعتراف بمغربية الصحراء، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، يمكن أن يؤدي بالمغرب إلى التعويل في المحطات القادمة على واشنطن بدلًا من باريس، خاصة أن أمريكا هي من تصوغ التقرير السنوي بشأن النزاع في الصحراء قبل أن تعرضه على مجلس الأمن للمصادقة عليه.
منذ تنحي بوتفليقة سعت الجزائر لتعزيز شراكتها الإستراتيجية مع روسيا والصين ودول أخرى
يرى محدثنا أن فتح حزب ماكرون لفرع محلي له في مدينة الداخلة جنوب المغرب، يعتبر خطوة أولى في طريق تبني نفس الطرح الأمريكي، والقاضي بالاعتراف بمغربية الصحراء، لا سيما أن فرنسا تعتبر من الداعمين الكبار لمقترح المغرب المتعلق بالحكم الذاتي وللمواقف المغربية عمومًا في مختلف المحطات الدولية.
الضغط على الجزائر
إلى جانب ذلك، يُفهم من قرار فتح فرع للحزب الحاكم في مدينة الداخلة بالصحراء وجود توجه فرنسي للضغط على الجزائر وتسجيل نقاط ضدها، في ظل توتر العلاقات بين البلدين وتباين وجهات النظر بينهما في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقبل يومين تم تأجيل زيارة رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس إلى الجزائر، كانت مقررة غدًا الأحد إلى أجل غير مسمى، بناء على طلب جزائري فاجأ الجميع، بعد ساعات قليلة من إعلانها المتأخر، وبرر مكتب جان كاستكس التأجيل بـ”الوضع الصحي” المتعلق بوباء كورونا الذي لم يسمح بتنظيم الاجتماع المهم لللجنة الوزارية المشتركة بين الحكومتين بطريقة مرضية، فيما لم يصدر أي تعليق من الجزائر عن الموضوع.
وكان من المنتظر انعقاد اللجنة العليا المشتركة برئاسة كل من كاستكس وجراد، لتقييم العلاقات الثنائية بين البلدين خاصة منها الاقتصادية، وعقد آخر اجتماع للهيئة في نهاية 2017 نتيجة البرودة التي تتسم بها العلاقة بين البلدين.
يعود سبب تأجيل الزيارة، وفق تقارير عديدة، إلى انزعاج الجزائر من فرنسا بعد أن خفضت الأخيرة من عدد الوفد إلى أربعة وزراء ثم وزيرين، مقابل نحو عشرة في العادة لمثل هذا النوع من الزيارات، دون أن توضح باريس سبب ذلك.
يُفهم من ذلك وجود نية فرنسية للضغط على الجزائر بعد توجه هذا البلد العربي نحو الشرق تحديدًا نحو روسيا والصين، ذلك أن موسكو وبكين يتصدران قائمة الدول المسيطرة على واردات الجزائر متجاوزين فرنسا، وحتى على المستوى العسكري فإن علاقات الجزائر مع روسيا متقدمه كثيرًا مقارنة بعلاقاتها مع فرنسا، فأغلب الأسلحة الجزائرية قادمة من موسكو.
منذ تنحي بوتفليقة سعت الجزائر لتعزيز شراكتها الإستراتيجية مع روسيا والصين ودول أخرى في ظل رغبة النخب العسكرية والسياسية الصاعدة في إنهاء نفوذ فرنسا بالدولة، والخروج من دوائر التبعية للسياسة الفرنسية التي ارتبطت بإرث الاستعمار وتغلغل الثقافة الفرانكفونية.
نتيجة ذلك، تخشى فرنسا أن تفقد سيطرتها الكلية على الجزائر لفائدة الصين وروسيا، لذلك تتحرك وتسعى للضغط على الجزائر باستعمال ورقة الصحراء الغربية، ذلك أن النظام الجزائري يدعم جبهة البوليساريو التي تُنازع المغرب السيادة في الصحراء.
إلى جانب ذلك تسعى باريس للضغط على الجزائر حتى تغير رؤيتها من الوضع في ليبيا وتساعدها في فرض توجهها في هذا البلد العربي الغني بالنفط، فالجزائر ترفض الوجود الأجنبي في ليبيا وضد التدخلات العسكرية هناك.
ويرى العديد من الجزائريين أن فرنسا عدوتهم التاريخية، فحتى خطوات باريس المتخذة مؤخرًا بشأن ملف الذاكرة المتعلقة بالحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، يُنظر إليها بعين الريبة، حيث تطالب الجزائر منذ سنوات باريس بالاعتراف بجرائمها والاعتذار عما ارتكبته من انتهاكات خلال فترة احتلالها التي دامت 132 سنة، لكن ذلك لم يحصل بعد، وهو ما يُفسر البرودة من الجانب الجزائري.
تأمل باريس في التقرب للمغرب ومواصلة الاستئثار بخيرات الصحراء، فضلًا عن الضغط على الجزائر باستعمال ورقة الصحراء الغربية، ظنًا منها أنها تسيطر على مجريات الأمور في دول المغرب العربي وأنها تسير الأمور هناك وفق الرؤية التي تخدم مصالحها، فهل تنجح في ذلك؟