ترجمة حفصة جودة
في صباح يوم ربيعي مشمس بقرية خربة الرظيم بالضفة الغربية المحتلة، تمضي زينة أبو كباش يومها في رعاية المحاصيل وإطعام الأبقار في أرض عائلتها، كان من المفترض أن تحضر الفتاة ذات الـ15 عامًا دروسها عبر الإنترنت مثل زملائها في المدرسة، لكن لأن قريتها الواقعة جنوب محافظة الخليل لا كهرباء بها ولا إنترنت فإنها تتغيب عن دروسها منذ أن أصبح التعليم افتراضيًا بعد جائحة كورونا.
تلقت زينة تحذيرًا من معلمها بأن استمرار تغيبها عن الدروس الإلكترونية سيتسبب في إعادتها للصف العام المقبل، تقول زينة: “الحياة هنا صعبة للغاية، تختلف تمامًا عن الحياة التي يعيشها أصدقائي الذين يتمتعون بحياة مريحة ومترفة، إنني أفتقد المدرسة كثيرًا وأحتاج لها، لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟ لا أملك سوى هاتف متواضع ومكسور”.
تعد عائلة أبو كباش واحدة من 7 عائلات ما زالت تعيش في قرية خربة الرظيم، آخر قرية فلسطينية في أقصى جنوب الضفة الغربية المحتلة، هناك لا كهرباء أو مياه أو إنترنت، وخدمات الاتصال بالهاتف ضعيفة للغاية.
رغم افتقار القرية للضروريات الحديثة، فإن سكانها يرفضون مغادرة منازلهم وأرض أجدادهم المحاطة بالمستوطنات غير القانونية منذ الثمانينيات وتواجه تهديدًا مستمرًا بالهدم.
آخر قرية صامدة
تعيش عائلة أبو كباش في كهف به غرفة إضافية مبنية بألواح الزنك فوق قطعة الأرض البالغ مساحتها 150 دونمًا (15 هكتارًا)، وتعتمد العائلة المكونة من 11 فردًا على المحاصيل التي تزرعها وتربية النحل وإنتاج العسل في معيشتها.
يبلغ رب الأسرة عيسى صافي أبو كباش 74 عامًا، ويقول إنه رغم مساحة أرضه الكبيرة، يستطيع بالكاد تغطية نفقات زوجته وبناته الثمانية وابنه الوحيد، ويضيف “أرضنا ليست خصبة، إذا كانت الأرض خصبة في عام ما فإنها تصبح غير خصبة لمدة 5 أعوام تالية”، وقال إن ذلك سببه نقص المياه في المنطقة.
تفاقم نقص المياه لأن الإدارة المدنية الإسرائيلية – الهيئة العسكرية التي تحكم أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية المعروفة بالمنطقة ج – رفضت أن تمنحه تصريحًا لحفر بئر، ولم يكن هناك الكثير من المساعدة أو التعويض من الإدارة الفلسطينية كذلك.
ورث عيسي هذه الأرض عن والده وأجداده، ويمتلك وثيقة ملكية لها يعود تاريخها إلى العصر العثماني، لكن السلطات الإسرائيلية لا تعترف بأوراق الملكية وأصدرت أوامر هدم لمنزله، يقول عيسى: “بهذه القوة العسكرية التي تحاصرنا وتتردد علينا كل يوم، لا خيار أمامنا إلا التضحية براحتنا وأحلامنا من أجل البقاء هنا ومواصلة زراعة الأرض والعيش فيها”.
يضيف عيسي أن السلطات الإسرائيلية دمرت بالفعل 4 مبان معدنية اعتادت العائلة أن تستخدمها لرعاية الخراف لمدة 3 عقود، ومع ذلك فالتهديدات بالهدم لم تمنعه من مواصلة حرث الأرض كل صباح لإعدادها لزوجته وبناته الثمانية لغرس البذور.
يشير عيسى إلى قمة الجبل المجاور لحقله ويقول: “هذا المستوطن انتقل هنا قبل عامين، ومنذ ذلك الحين وهو يواصل إطلاق سراح حيواناته على أراضينا، هذه الحيوانات دمرت نحو 20 دونمًا من محاصيلنا”.
جيران خطيرون
منذ ثمانينيات العام الماضي توسعت المستوطنات الإسرائيلة – التي تنتهك القانون الدولي – عبر الضفة الغربية في جنوب محافظة الخليل بشكل ملحوظ، فقد نمت العشرات منها سريعًا على قمم الجبال والتلال وفي الأراضي التي صُودرت من الفلسطينيين الذين يعيشون هناك.
تحيط 3 مستوطنات – أساهيل وشما وعتنائيل – بخربة الرظيم بالإضافة إلى البؤرة الاستيطانية التي دمرت محاصيل أبو كباش، ورغم أن البؤر الاستيطانية ما زالت غير قانونية تحت حكم الاحتلال، فإن السلطات الإسرائيلية تتسامح معها في الواقع وتشرعنها بأثر رجعي.
يقول عيسي: “منذ 1984 استخدمت إسرائيل القوة العسكرية لفرض المستوطنات، لقد دمرتنا وصادرت أرضنا وحاصرت ما تبقى منها، هذه الأيام لا تستهدف إسرائيل منازلنا فقط، لكنها تستهدفنا نحن السكان، تعتبرنا عقبة في وجه التوسع الاستيطاني، إنها لا ترغب بوجودنا هنا”.
بحسب الأخوات أبو كباش، فالمستوطنون لا يعاملون سكان القرية بلطف، قبل الجائحة اعتادت زينة وشقيقتها مرام ذات الأعوام الثماني المشي لمسافة كيلومتر كل صباح للحاق بحافلة المدرسة في قريبة خربة الشويكة.
تقول زينة: “كانت الرحلة إلى المدرسة شاقة للغاية، كنا نقلق ونخاف دائمًا من رعاة المستوطنين، كان يقطعون الطريق علينا ويهددوننا ويخيفوننا ويطلقون كلابهم علينا”.
هاجمت كلاب المستوطنين مرام ذات مرة وما زالت تعاني من كوابيس بسبب تلك الحادثة، حيث تقول: “ما زلت أحلم أن الكلاب تطاردني وأستيقظ من النوم مذعورة”.
ترغب زينة في أن يخرج المستوطنون من المنطقة حتى يشعر السكان بالأمان ولا يخشون النزوح في أي لحظة، تتعهد المراهقة بعدم مغادرة قريتها أبدًا لحماية أرض عائلتها وتقول: “هذه أرضي التي يطمع فيها المستوطنون الإسرائيليون ويرغبون في الاستيلاء عليها”.
رسم مصيرنا
أما رانيا الشقيقة الكبرى – 20 عامًا – فتعد المسؤولة عن إعداد الطعام للعائلة بينما يعمل الآخرون في الحقل، تجلس الرسامة الطموح في المنزل بعد تخرجها من المدرسة الثانوية لأن التعليم الجامعي بعيد المنال.
تقول رانيا: “أرغب في مواصلة دراستي وتعلم المزيد عن الفن، لكن الجامعة بعيدة للغاية عن منزلنا، كما أن عائلتي لا يمكنها أن تتحمل نفقات الجامعة”، تستيقظ رانيا مبكرًا كل صباح لإطعام الأغنام وحرث الأرض، وكلما وجدت وقتًا فائضًا فإنها تستخدمه لتدريب نفسها على تقنيات رسم الرسوم المتحركة.
تضيف رانيا: “أحتاج إلى تحسين مهاراتي واكتساب مهارات جديدة، ورغم أنني أقضي الكثير من الوقت في رعاية المنزل ومساعدة عائلتي في الحقل، فإنني دائمًا ما أجد بعض الوقت لتدريب نفسي على الرسم”.
حولت رانيا جدران منزل عائلتها المتواضع إلى أعمال فنية وجداريات ملونة مستلهمة من أفكارها وعواطفها ومن بينها صورة لعصافير تطير خارج القفص، تقول رانيا: “أفكر في مصرينا طوال الوقت، ما الذي قد يحدث لنا إذا دمروا منزلنا أو طردونا من أرضنا؟ هذه المخاوف لا تغادر رأسي مطلقًا”.
ورغم أن شقيقات عائلة أبو كباش يواجهن عقبات خارج إرادتهن، فإنهن لم يتوقفن أبدًا عن التفكير بأحلامهن الخاصة، ترغب زينة في أن تصبح أول ممرضة في خربة الرظيم لتوفير رعاية صحية لسكان القرية البالغ عددهم 70 شخصًا.
في الوقت الحاليّ يحتاج أهل القرية للسفر لمدة 45 دقيقة بالسيارة للحصول على رعاية طبية في أقرب قرية لهم “السموع” أو السفر أكثر من ساعة لأقرب مستشفى، أما مرام التي تتحدث بخجل دائمًا وابتسامة بفم مغلق فإنها تحلم بأن تصبح طبيبة أسنان لتعالج أطفال القرية الذين يملكون أسنانًا ضعيفة مثل أسنانها تمامًا.
المصدر: ميدل إيست آي