زار قيس سعيّد اليوم بمصر ضريح كلّ من الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.. وكذلك أنور السادات..
وكان متوقّعا أن يزور قيس سعيّد قبر عبد الناصر.. لأنّه من الواضح من خلال سيرته وما يُعرف عنه ومن خطاباته وطريقة تصرّفه وأفكاره وجموده السياسي أنّه متأثّر بشخصيّة الديكتاتور العربي الأشهر جمال عبد الناصر.. رائد الاستبداد في الدول العربية في التاريخ الحديث.. وجمال عبد الناصر الذي أخذ شعبيّة كبرى في وقت ما.. وفي فترة حساسة في فترة ما بعد استقلال أغلب الدول العربية.. سنّ سنّة سيّئة إذ نسج على منواله قادة أغلب الدول العربية.. فأسّسوا مثله أنظمة استبدادية تقوم على الحاكم الواحد والزعيم الأوحد.. بتبرير تحرير فلسطين.. وخدمة الوطن والشعب..!!
وفي النهاية لا هو حرّر فلسطين.. ولا هو حقّق التقدّم والرخاء لشعبه.. فقد ألقى عبد الناصر ببلاده في حرب اليمن ليستنزف جيشه طوال سنوات ثمّ يخرج مهزوما بآلاف القتلى والجرحى وخسائر بالمليارات..
وانهزم في حرب 1967بعد أن أعلى الولاء في الجيش المصري على الكفاءة والأهليّة.. فدمّرت إسرائيل الجيش المصري وكلّ المطارات والطائرات العسكرية ومئات الدبابات وقتلت وأسرت آلاف الجنود خلال 6 أيام فقط من هجومها صبيحة يوم 5 جوان 1967.. واحتلت إسرائيل كافة شبه جزيرة سيناء المصرية.. وقطاع غزة الفلسطيني الذي كان واقعا تحت النفوذ المصري.. وتوفي عبد الناصر سنة 1970.. بعد 18 سنة من الحكم الفردي والعسكري.. وقد أغرق بلاده وشعبه في الفقر والجهل والتخلّف والمهانة والتردّي الاقتصادي والاجتماعي وفساد السلطة وديون خياليّة.. دون الحديث عن سجلّه الاجرامي في حقوق الانسان والقتل والتعذيب والمعتقلات الستالينيّة.. وكذلك قمع الحريات والاعلام.. حتّى أنّ الرقيب العسكري على الصحف كان له مكتب داخل مقرّات الجرائد رغم أنّ أغلبها صادرتها الدولة أصلا وتعتبر حكوميّة.. وكان المواطن المصري في عهد عبد الناصر يحتاج للحصول على رخصة من البوليس السياسي قبل مجرّد السفر لخارج مصر تماما مثل كوريا الشمالية اليوم..!!!
ولأنّه ظاهرة كلاميّة وخطابيّة مثله.. (مع الاقرار بتفوّق هائل لعبد الناصر) ولأنّ لديه نزعات فرديّة واستبداديّة في الحكم مثله.. فكان من الطبيعي والمنتظر أن يزور قيس سعيّد قبر جمال عبد الناصر.. لكنّ المفاجأة أنّ قيس سعيّد صاحب مقولة “التطبيع خيانة عظمى”.. زار أيضا قبر الرئيس المصري أنور السادات.. أي نعم السادات بذات نفسه.. الذي كان أوّل رئيس عربي طبّع مع إسرائيل وأبرم معها اتفاقية سلام وعقد معها علاقات ديبلوماسيّة..!!! وكان ذلك اثر اتفافية “كامب دافيد” سنة 1979..
أراد أن يوجّه رسالة لمن يهمّه الأمر بأنّ مقولته التطبيع خيانة عظمى لا تعكس فكرا حقيقيّا متأصّلا لديه
وقاطعته بسبب التطبيع مع اسرائيل جميع الدول العربية لما اعتبروه خيانة للقضية الفلسطينية.. وقطعوا العلاقات مع مصر..
وقاموا بنقل مقرّ جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.. واستمرّ ذلك إلى ما بعد حرب العراق سنة 1991.. وبعد اتفاق السلام الفلسطيني الاسرائيلي سنة 1992..
يعني قيس سعيّد في حركة رمزيّة ذهب اليوم إلى قبر الأب الروحي للتطبيع مع إسرائيل وهو أنور السادات.. وهو ما يعكس بأنّه أراد أن يوجّه رسالة لمن يهمّه الأمر (…) بأنّ مقولته “التطبيع خيانة عظمى”.. لا تعكس فكرا حقيقيّا متأصّلا لديه.. وأنّها ذهبت مع الريح.. وإلى أنّه اليوم لا يعادي التطبيع مع إسرائيل في المطلق كما كان يزعم قبل انتخابه..!!
وهكذا.. وبعد أن فاجأنا قيس سعيّد بمواقفه غير الوطنية عند زيارته لفرنسا يوم 22 جوان 2020.. عندما انحنى ليقبّل كتفي الرئيس الفرنسي ماكرون.. وقال في تزلّف رخيص أنّه يقرأ كل كتبه ويتعلّم منها.. وأنّ الاحتلال الفرنسي هو حماية وليس استعمارا.. وانّه ليس مطلوبا من فرنسا حتّى الاعتذار.. فإنّ قيس سعيّد بزيارته لمصر يوم 9 أفريل 2021 يكمل إسقاط الاقنعة الزائفة عن وجهه أكثر فأكثر.. ويجعلنا متأكّدين أنّه لم يكن إلاّ “خديعة عظمى”.. تماما مثل كذبة شعاره الزائف “التطبيع خيانة عظمى”..!!
المصدر: عربي 21