خلال الأيام القليلة الماضية انخرطت إيران في مباحثات موسعة مع الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي، دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة، ومن خلال تتبع السلوك التفاوضي الإيراني خلال المباحثات التي توقفت يوم الجمعة الماضي، على أمل مواصلتها يوم الأربعاء المقبل، فمن الواضح أن إيران حاولت التوصل لصورة واضحة عن الجديد الذي من الممكن أن تقدمه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، فيما لو قررت الانخراط بمفاوضات مباشرة معها، وما شكل وحجم العقوبات التي يمكن أن ترفعها الولايات المتحدة، خصوصًا تلك التي تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
ورغم تمخض جولات النقاش في فيينا، عن اتفاق الطرفين الإيراني والأمريكي عبر الوسيط الأوروبي والروسي والصيني، على تشكيل فرق عمل مهمتها إعداد جدول بالعقوبات التي من الممكن أن ترفعها الولايات المتحدة، مقابل جدول آخر بالالتزامات التي من الممكن أن تقدم عليها إيران، إلا أن أصل الخلاف هو، أن هناك إصرارًا إيرانيًا على رفع كامل للعقوبات، والتأكد من صدق النوايا الأمريكية، وبعدها تعود إيران للالتزام ببنود الاتفاق النووي، وتحديدًا تلك المتعلقة بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة، فقد أشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في الإحاطة الأسبوعية للخارجية الأمريكية، إلى أن حالة عدم الثقة ما زالت المتحكمة بالمواقف الأمريكية والإيرانية.
معضلات سياسية معقدة بين الطرفين
تتمثل المعضلة الإيرانية في طريقة العودة السريعة للاتفاق النووي، هل ستكون قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 من يونيو/حزيران 2021، أو أن تكون مهمة خالصة للرئيس الإيراني الجديد، وفي مقابل ذلك تتمثل المعضلة الأمريكية في كيفية العودة إلى الصفقة دون خسائر أو تنازلات تؤثر على الوضع العام في الشرق الأوسط.
ففي حين تؤكد إيران أن المطلوب من الولايات المتحدة هو العودة للاتفاق السابق فقط، تؤكد الولايات المتحدة من جهة أخرى، أن هناك أمورًا أخرى يجب بحثها إلى جانب الاتفاق السابق، وهو ما قد يجعل طريق المفاوضات شائكًا ومعقدًا للغاية في الجولات اللاحقة.
تعقيدات سياسية داخلية أمريكية تقف في طريق إدارة بايدن
وإلى جانب ما تقدم، تتمثل المعضلة الأخرى بين الطرفين، في نوعية العقوبات المراد رفعها عن إيران، فكما هو معلوم، منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/آيار 2018، فُرضت نحو 1500 عقوبة على إيران، ضد الأشخاص والمؤسسات والنظام المصرفي والحرس الثوري – بالإضافة إلى العقوبات التي كانت مفروضة قبل الاتفاق، في مسائل تتعلق بحقوق الإنسان ودعم الإرهاب، وليس كجزء من الجهود لوقف البرنامج النووي الإيراني، لم يتم تضمين العقوبات “غير النووية” في الاتفاق النووي، ومن أجل رفعها، سيتعين على إدارة بايدن التوصل إلى اتفاق منفصل، بما في ذلك القضايا المتعلقة بدعم إيران للإرهاب وبرنامجها للصواريخ الباليستية وتورطها في شؤون بلدان أخرى.
كما أن هناك تعقيدات سياسية داخلية أمريكية تقف في طريق إدارة بايدن، إذ أرسلت مجموعة من 43 عضوًا من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، رسالة تطلب من بايدن الاستفادة من العقوبات للضغط على إيران “للتوصل إلى اتفاق يمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، ويقيد نشاطها المزعزع للاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبرنامجها للصواريخ الباليستية”، بعبارة أخرى، يشمل ذلك دعم إيران للحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وتدخلها في السياسة العراقية.
أما المعضلة الثالثة، فتتمثل بردود الفعل الصادرة من قوى إقليمية بدأت متأثرة بشكل أو آخر من سياسات إيران الإقليمية، وتحديدًا “إسرائيل” والمملكة العربية السعودية، ففي الوقت الذي انعقدت فيه محادثات فيينا، كانت “إسرائيل” تخوض مواجهة بحرية في البحر الأحمر، عندما تم استهداف السفينة الإيرانية “سافيز” في سواحل جيبوتي قبالة اليمن، بعبوات لاصقة أحدثت فيها أضرارًا جسيمةً، واعتبرت إيران أن “إسرائيل” تقف خلف الحادث، أما المملكة العربية السعودية فتأمل في الحصول على ضمانات أمنية من شأنها ردع طهران ووكلائها عن مهاجمتها، وتحديدًا على الجبهة اليمنية.
نقاش داخلي معقد في إيران
يتوارد في الداخل الإيراني أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يفضل أي عودة للاتفاق النووي بالوقت الحاضر، حتى تتضح ملامح الرئيس المقبل، وذلك من أجل أن لا تخدم أي عودة التيار الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فتأجيل العودة للاتفاق، سيسمح لخامنئي بإلقاء اللوم في الأزمة الاقتصادية بالكامل على حكومة حسن روحاني المنتهية ولايتها.
الصراع السياسي سيكون أكثر من مجرد بين المحافظين والإصلاحيين، بل سيكون بين الحرس الثوري والجيش من جهة والقطاع المدني من جهة أخرى
ورغم ذلك هناك وجهة نظر أخرى ترى أن إيران بحاجة إلى عودة سريعة للاتفاق النووي، لتهدئة الرأي العام، وتقديم إطار عمل لحل الأزمة الاقتصادية، خصوصًا أن إيران تواجه اليوم الموجة الرابعة لفيروس كورونا، كما أن الخشية من إمكانية فوز التيار الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لم تعد واردة بعد الهزيمة الكبيرة في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، كما أنهم فشلوا حتى اللحظة في الاتفاق على مرشح واحد للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ونظرًا للتعقيد الحاليّ في الخريطة الانتخابية الإيرانية، يبدو أن الصراع السياسي سيكون أكثر من مجرد بين المحافظين والإصلاحيين، بل سيكون بين الحرس الثوري والجيش من جهة والقطاع المدني من جهة أخرى، بعد طرح العديد من الأسماء المرشحة من خارج المعسكر المحافظ والإصلاحي، فإذا أرجأ خامنئي قراره بشأن العودة للاتفاق النووي إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، فقد يجد نفسه في مواجهة رئيس يعارض الاتفاق، خاصة إذا كان الرئيس الجديد من الحرس الثوري، إذ يخشى الحرس الثوري، من أن ثمن العودة للاتفاق النووي، قد يكون إجراء إصلاحات اقتصادية عميقة، تؤدي إلى تقليص سيطرته على الاقتصاد ووضع ميزانياته تحت الإشراف الحكومي أو تهديدات حقيقية لنفوذه الإقليمي، عبر دعم وتمويل الحلفاء.