نكهة لذيذة لا يمكن إضافتها داخل صنف الطعام في أثناء طهيه، بل هي لمسة خاصة يتفرد بقرار إضافتها صاحب الوجبة لإكمال عناصر مذاقها المميز في وجود صلصات الكاتشب والمايونيز والخردل.
ندرك أن سيرة الصلصات الثلاثة ستدفعتك لتحضير طبق من البطاطا المقلية المقرمشة أو شطيرة “برغر” لإضافتها إلى مائدة الإفطار، لكن قبل ذلك دعنا نتعرف معًا على سر نشأة تلك المنكهات الأكثر شهرة عالميًا.
الكاتشب
الكاتشب (Ketchup) هو صلصة حلوة ولاذعة مصنوعة من الطماطم والسكر والخل مع التوابل والبهارات، تتنوع البهارات والنكهات المضافة.
وكثيرًا ما نرى ارتباط الكاتشب بالعلامة التجارية الأمريكية الشهيرة “هاينز”، ويعتقد الكثيرون أن أصلها أمريكي، لكن التاريخ أثبت غير ذلك.
ففي القرن السادس الميلادي ظهرت أول فكرة لصلصة الكاتشب في جنوب شرق آسيا وتحديدًا في الصين، والمفاجأة هنا أن تكوينه في ذلك الوقت لم يكن من الطماطم كما هو حاليًّا، بل من أمعاء السمك ومعدته ومثانته، حيث يُحفظ هذا الخليط في أوعية مغلقة بعد إضافة الملح، ثم تُعرض المكونات على أشعة الشمس لمدة 20 يومًا.
وكانت عملية التخمير سببًا في تسميته “كاتشب”، فالصينيون يطلقون “كي – تسياب ki-tsiap” على الصوص المستمد من الأسماك المخمرة والمملحة، وسنريحك عزيزي القارئ من أحرفها الصينية التي لا تقل تعقيدًا عن مكوناتها غير المتوقعة!
في القرن السابع عشر بدأت تغيرات جديدة تطرأ على مكونات الكاتشب منذ أن انتقل من الصين إلى أوروبا عبر المستعمرين البريطانيين والهولنديين، فهذه التعديلات تتوافق مع طبيعة الأغذية والمنتجات في ثقافة الطعام الأوروبي من بينها الفطر والجوز والمحار والفراولة والخوخ والكرفس والفطر.
أما في بريطانيا فقد أُجري على الكاتشب بعض التعديلات التي ميزته عن غيره، وذلك بإضافة التوابل التي كان يجلبها التجار الإنجليز مثل القرفة والفلفل والخردل وجوزة الطيب.
تبعها ظهور أنواع مختلفة من الكاتشب في أوروبا مثل كاتشب الأنشوجة وكاتشب الفطر وكاتشب المحار وكاتشب الجوز وكاتشب الليمون.
وإلى أمريكا، موطن العلامة التجارية لكاتشب “هاينز” الذي يحتوي على الطماطم وهو الشكل الذي استقر عليه مكونات الكاتشب في وقتنا الحاليّ.
قصة “هاينز” مليئة بمراحل النجاح والفشل، فقد بدأت بجهد الطفل هنري جون هاينز في التاسعة من عمره عندما كان يبيع الفجل المبشور المزروع بحديقة منزلهم في مدينة بيتسبيرغ.
وعندما أصبح شابًا فتيًا في الخامسة والعشرين من عمره، أسس عمله الخاص وأطلق العلامة التجارية “هاينز أند نوبل” للمنتجات المحفوظة، التي كانت في ذلك الوقت عبارة عن مخلل الملفوف والفجل المبشور والمخللات وغيرها من المنتجات.
وبعد اندلاع الأزمة المالية الأمريكية خسرت شركة “هاينز” رغم تطورها بشكل متسارع عام 1875، ثم استطاع النهوض من أزمته بعد مرور عام، فقد عمل هاينز على تحضير الصلصة من الطماطم المزورعة في حقول ولاية “بنسلفانيا” الأمريكية خصيصًا لإنتاج الشركة.
استمر انتشار كاتشب “هاينز” في المطاعم، ولاقى قبولًا في تناوله مع الوجبات في المطاعم التي تحسن طعم الأطعمة كالنقانق والمعكرونة.
ومع حلول عام 1880 بدأت شركة “هاينز” في تصميم زجاجة الكاتشب، ثم تطورت أشكال العبوات منذ ذلك الوقت إلى وقتنا الحاليّ بما يتناسب مع شكل عبواتها مع الوجبات السريعة.
بعد وفاة هنري جون هاينز أكمل ابنه مسيرة نجاح الشركة “Heinz Tomato Ketchup” ثم حفيده، إلى أن اشتراها شخص من خارج العائلة يُدعى بيركشاير هاثاواي عام 2013 مقابل 28 مليار دولار.
المايونيز
المايونيز الصديق الحميم لصلصة الكاتشب، وهي واحدة من أكثر الصلصات شعبية، وعنصر أساسي في النظام الغذائي لدى بعض الشعوب، وتتكون من الزيت النباتي والبيض والخل، بالإضافة إلى بعض التوابل والبهارات المتنوعة.
قصة اختراع هذه الصلصة ذات اللون الأبيض المائل للصُفْرة تعود إلى إسبانيا لكن بأيد فرنسية، فكيف ذلك؟
الرواية الأكثر انتشارًا حدثت عام 1756 وتُنسب إلى الطاهي الشخصي للدوق الفرنسي ريشيليو، عندما كان يُحضر حفل عشاء تكريمًا للفوز المتوقع على البريطانيين في بورت مايون، بجزيرة مينوركا الإسبانية.
لكن الطاهي تفاجأ بعدم توافر القشطة المستخدمة في تحضير صلصة سميكة مع البيض وهي صنف أساسي في العشاء، وبحكم خبرة الطاهي غامر باستخدام زيت الزيتون عوضًا عن القشطة وأنقذ الموقف!
وقد نالت الصلصة الجديدة “المايونيز” إعجاب الدوق ومدح الضيوف، وصنع هذا العشاء بداية صلصة طعام استمرت إلى وقتنا الحاليّ.
رواية أخرى تحدثت عن وصفة لصلصة مشابهة للمايونيز انتشرت في تاج أراغون الإسبانية، يطلق عليها (all-i-oli) وتعني باللغة الكتالونية “الثوم والزيت” ويعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر.
كما أن هناك روايةً ثالثةً، تربط اختراع المايونيز باسم شارل الأول دي لورين (Charles de Guise)، وهو دوق مدينة Mayenne الفرنسية التي استُمد منها كلمة “مايونيز”.
لم تبق صلصة المايونيز حبيسة مطابخ عُلية القوم، بل انتقلت إلى مرحلة التصنيع في مدينة نيويورك الأمريكية، فكانت أول علبة مايونيز مشروعًا لريتشارد هيلمان عندما باع المايونيز الذي تحضره زوجته منزليًا في شارع كولومبوس، ونال إعجاب الكثير، ما اضطره إلى بناء مصنع لإنتاج كميات أكبر عام 1912، وميز علبة المنتج بلون شريط أزرق.
وبالانتقال إلى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، بدأت بتصنيع المايونيز عام 1936، وارتبط بأعياد رأس السنة الجديدة، لدرجة جعلت الناس تقف طوابير للحصول عليه من المتاجر.
أما في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي، ندر توافر المايونيز في المتاجر، وبدأ عُشاقه بتحضيره منزليًا، لكن لم يكن بنفس جودة ومذاقه السابق لخلوه من المثبتات ومحسِنات النكهة والنشا.
الخردل
يختلف الخردل عن الثنائي الكاتشب والمايونيز، من حيث النكهة والانتشار، وهو نوع من المنكهات الذي له طعم لاذع يستهوي الأشخاص الذين يميلون لتذوق النكهات المختلفة والمميزة عند إضافته في اللحوم والبرغر والهوت دوغ، وكذلك في الصلصات والمخللات والشوربة.
ورغم ذلك يقال إنه أول صنف بهار وضعه البشر على طعامهم، بل رافقهم إلى حياة الآخرة! فالفراعنة المصريون خزنوا بذور الخردل في قبورهم، وكما وثقت الحفريات الأثرية زراعة الخردل في حضارة القارة الهندية في وادي السند قبل 1850 قبل الميلاد.
ثم جاء عهد الرومان وهم أول من طور بذور الخردل لتصبح عجينة وذلك بعد مزجها بعصير العنب غير المختمر الذي يسمى (must) مع بذور الخردل المطحون وسمي المنتج من ذلك بـ”mustum ardens” أو “burning must” أي العنب المحروق، واختصر الاسم ليصبح “mustard” أي “ماسترد” وهو الاسم المُتعارف عليه إلى الآن.
وعند غزو الرومان لدولة فرنسا، نقلوا معهم بذور الخردل، وزُرعت في مدينة ديجون Dijon التي غدت محور إنتاج الخردل في القرن الثالث عشر، ومن ثم بدأت مادة الخردل تغزو القارة الأوروبية، فهناك الخردل البافاري “ألمانيا” الحلو، والخردل الإيطالي بالفواكه، وغيرها من الأنواع بنكهات مختلفة مُضافة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد استخدم الخردل كتوابل في مطبخها عام 1904 بعد إضافته كتوابل في شطيرة “هوت دوغ”، وحقق المرتبة الثانية في استخدامه لدى الأمريكيين بعد الفلفل، ما جعل ولاية ويسكونسن الأمريكية تنشئ “متحف الخردل الوطني”، الذي يضم أكثر من 5566 صنفًا من جميع الولايات وأكثر من 70 دولة.
وربما حاز الخردل هذا الاهتمام والانتشار لأنه من النباتات الاقتصادية، إذ تُؤكل أوراق النبات والأزهار وكذلك الساق، لكن بذور الخردل هي الجزء التجاري المعروف بعد أن يُطحن كمسحوق، ثم يباع بما يسمى دقيق الخردل، ويستخدم كتوابل أو بعد إضافة سوائل مختلفة كالخل والماء وعصير الليمون وفي بعض الحضارات خُلط مع النبيذ.
كما أن أكثر أنواع الخردل المُتعارف عليه في وقتنا الحاليّ هو الأصفر بدرجاته، مع وجود ألوان أخرى له كالأبيض والبني والأسود.