ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبح الإجهاد من أهم المشاكل التي يعاني منها الموظفون في مكان العمل خلال العقود الأخيرة، خاصة في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي أثرت على الدول المتقدمة بشكل كبير.
كما أدى التقليل من عدد الموظفين وتوقعات التنمية المنخفضة داخل الشركات، والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وما تبع ذلك من صعوبات في التوفيق بين الحياة الشخصية والعمل، إلى التأثير سلبًا على رفاهية الموظفين بشكل ملحوظ. يعني هذا الأمر أن العديد من الأبحاث في مجال علم النفس التنظيمي قد ركزت على ظاهرة الإجهاد في العمل؛ وبفضل التقدم الكبير الذي تم إحرازه، تم فهم أسباب حدوث ذلك وما يمكن فعله لمنعها والحد منها.
عوامل الإجهاد في العمل
يعتبر الإجهاد ظاهرة متعددة العوامل وليس مرتبطا بظروف العمل في حد ذاتها مثل كثرة المهام والرتابة فحسب، بل هناك العديد من العوامل الأخرى التي يمكن أن تسببه. تلعب العوامل التنظيمية دورا في ظهور الإجهاد وتفاقمه، مثل سوء أنماط القيادة والتواصل التنظيمي وإمكانيات الترقية، فضلا عن سياسات الموارد البشرية أو العلاقة بين زملاء العمل.
تعتبر العلاقة بين الزملاء مهمة بشكل خاص لأن الدعم الاجتماعي يعتبر مسببًا للتوتر ومخففًا له في نفس الوقت. بعبارة أخرى، يمكن للعلاقات مع زملاء العمل أن تقلل من تأثير الضغط على الفرد حين يشعر بالإجهاد.
الإجهاد في العمل ظاهرة جماعية
قدمت الدراسات دليلًا على أن العوامل الاجتماعية (مثل الأزمة الاقتصادية والتوقعات الثقافية) والعناصر غير التنظيمية (مثل العلاقة السيئة مع الشريك أو المشاكل المالية) تعد أيضا من مسببات الإجهاد. ويمكن أن تتجلى تأثيرات هذه العوامل غير التنظيمية في مكان العمل.
أكد بعض الباحثين مثل خوسي بيرو أن الإجهاد يحدث على مستويات مختلفة وأن التحليل الجماعي لهذه الظاهرة ضروري للحد منها والسيطرة عليها. عند العمل ضمن فريق، يتبادل الأشخاص الخبرات العاطفية ويمكن أن تكون هذه التجارب العاطفية وتجارب الإجهاد معدية. يُطلق على هذا التعبير المشترك عن هذه المشاعر اسم “النغمة العاطفية” أو “المناخ العاطفي”.
دور الفرد في التعامل مع الإجهاد
إن دور الفرد مهم أيضا عند التعامل مع الإجهاد، دون إهمال نظرية عدوى التوتر والإجهاد بين الأشخاص، لأنه هو الذي يعاني من عواقبه السلبية ويختبر أعراضه ونتائجه. ويعد إيجاد التوازن بين ما يمكن القيام به من مهام وقدرته على الاستيعاب حاسمًا من أجل منع الشعور بالتوتر. في هذا الصدد، يمكن للفرد أن يتبنى سلسلة من العادات لمنع الإجهاد ومكافحة أعراضه.
أعراض الشعور بالإجهاد
إن الإجهاد المرتبط بالعمل يمكن أن يؤثر سلبًا على حياتنا وعلى تفكيرنا وسلوكنا، وتكون له ردود فعل فسيولوجية وجسدية ومعرفية وعاطفية وسلوكية. وهذه بعض العلامات الأكثر شيوعا للإجهاد:
– تسارع ضربات القلب أو عدم انتظامها
– الدوخة والغثيان والقيء
– الصداع
– تشنج العضلات
– التهيج
– الأرق
– مشاكل في التركيز
– القلق والاكتئاب
– مزاج سيئ
– صعوبة اتخاذ القرارات
– زيادة استهلاك المؤثرات العقلية مثل التبغ
نصائح لتقليل الإجهاد
في حال كنت تعتقد أنك تعاني من الإجهاد، من المهم أن تتخذ التدابير اللازمة لمنع تفاقمه والإصابة بمتلازمة الإرهاق. فيما يلي بعض النصائح التي ستساعدك على تقليل أعراض الإجهاد وتحسين صحتك العقلية.
اطلب الدعم من الأصدقاء أو العائلة
إذا كنت تمر بضغوط كبيرة في العمل، فإن أول شيء يجب عليك فعله هو البحث عن دعم وثيق حتى تتمكن من مشاركة تجربتك. سواء كان زميلًا في العمل أو صديقًا أو فردًا من العائلة، فإن التحدث إلى شخص آخر سيساعدك على تقليل الشعور بالوحدة. من المهم أن تفهم أن الإجهاد ناتج عن أسباب خارجة عن إرادتك. فإذا كان الإجهاد بسبب السياسة التنظيمية أو تقليص عدد الموظفين، لن تكون قادرا على فعل الكثير من أجل تجاوز هذا الظرف بمفردك. لذلك، من الأفضل التحدث إلى رئيسك في العمل حتى تتمكن الشركة من مساعدتك خاصة في حال كانت تربطك به علاقة جيّدة.
قيم اهتماماتك ومهاراتك وشغفك
من الممكن أحيانا أن يكون ملفك المهني سببًا في شعورك بالإجهاد، حيث لا تتناسب المهارات التي تمتلكها مع مكان العمل الذي تتواجد فيه. فعلى سبيل المثال، يشعر الكثير من الأشخاص بالحماس للعمل في التجارة لأنهم يحبون التفاوض والتحدث باستمرار مع الناس، بينما يجد آخرون أنفسهم مجبرين على العمل أمام الكمبيوتر لأنهم يحبون العمل الإداري ولديهم سلسلة من المهارات والتدريب التي تجعلهم يقدمون أداء جيدا في هذه الوظيفة. وعندما يفقد الشخص الاهتمام بعمله ويتوقف عن الاستمتاع به، فقد ينتهي به الأمر إلى الشعور بالتوتر.
لتجنب ذلك، من الضروري إجراء تقييم صادق لتحديد ما إذا كان يجب عليك البحث عن وظيفة بديلة أو وظيفة أقل تطلبا أو تناسب اهتماماتك وقدراتك بشكل أفضل. قد لا يكون هذا القرار سهلا، لذلك قد تحتاج إلى أخذ جلسة “لايف كوتشينغ” لمساعدتك في تحديد المسار الذي يناسبك.
الانفصال عن العمل لفترة
لا شك أن العمل ضروري في حياتنا، لكن يمكن أن يدفع العمل المتواصل الأشخاص إلى الإدمان ليصبحوا هم سبب ما يعانون منه من إجهاد. إذا كنت أحد هؤلاء الأفراد الذين لا يفارقون هواتفهم من أجل حل مشاكل العمل أو يأخذون العمل معهم إلى المنزل في نهاية اليوم، يجب أن تفكر بجدية في أخذ قسط من الراحة. تعتبر الراحة مرادفا للرفاهية، ويجب ألا يؤثر العمل على صحتك النفسية.
القيام بالتمارين البدنية
يُعد التمتّع بقسط من الراحة أمرًا هامًا وينطبق الأمر ذاته على اتباع العادات الصحية. هناك العديد من الأشخاص الذين يمارسون التمارين البدنية عند مغادرتهم العمل لأنها تساعدهم على التخلص من التوتر الناتج عن العمل. لا شيء أفضل من الذهاب إلى القاعة الرياضية أو ممارسة لعبة تنس للتخلص من التوتر وتصفية ذهنك بعد يوم عمل طويل.
كما أظهرت الدراسات العلمية أن التمارين البدنية تقلل من مستويات الكورتيزول، وهو الهرمون المرتبط بالتوتر، وتزيد من إنتاج النورإبينفرين، وهو ناقل عصبي يمكنه أن يخفف من استجابة الدماغ للتوتر ويحفز إنتاج الإندورفين أو السيروتونين، مما يساعد على تحسين المزاج.
تحسين إدارة الوقت
يعد سوء إدارة الوقت أحد أكثر أسباب الإجهاد شيوعًا. فمثلا قد يؤدي إمضاء الكثير من الوقت أمام جهاز الكمبيوتر أو عدم التخطيط لوقت المهمة التي يجب عليك القيام بها، إلى جعلك تتولى العديد من المهام في نفس الوقت دون أن تتمكن من إكمال أي منها. لذلك، يعتبر التنظيم الصحيح للوقت أحد أفضل الاستراتيجيات لمنع الإجهاد.
لسوء الحظ، لا يمكننا الاختيار بين توفير الوقت أو إضاعته، بل يجب أن نجد طريقة لاستخدامه بشكل أكثر فعالية. من المعروف أن اليوم به 24 ساعة، لكن الطريقة التي ندير بها الوقت هي التي تحدد كيف يستغل كل شخص هذه الساعات. إذا كنت تريد معرفة كيفية تنظيم وقتك لمنع الإجهاد في العمل، هناك العديد من الدورات التدريبية التي ستساعدك على إدارته بشكل أكثر فعالية.
نم جيّدا
يسبب الإجهاد عادة مشاكل في النوم، وقلة النوم يمكن أن تؤثر سلبا على الإنتاجية والإبداع ومهارات حل المشكلات والقدرة على التركيز. وكلما تمتع الشخص براحة أكثر، كان أكثر قدرة على التعامل مع مسؤوليات وظيفته، وأكثر استعدادًا للتعامل مع الإجهاد في مكان العمل.
تدرّب على اليقظة
إن اليقظة فلسفة حياة من شأنها أن تساعد على مواجهة التجارب بطريقة صحية أكثر وتجعلك أكثر تكيّفًا. بفضل التأمل، يستطيع الشخص الذي يمارس اليقظة تطوير القدرة على أن يكون مدركا وواعيا بما حوله ويتصرّف بعقلانية. توجد برامج مختلفة تساعد في تطوير اليقظة، مثل برنامج الحد من التوتر القائم على اليقظة الذي يستمر ثمانية أسابيع. ووفقا لأبحاث مختلفة، يحسن هذا البرنامج نوعية حياة الأشخاص.
العلاج النفسي
يمكن أن يمر أي شخص بمواقف عصيبة خلال حياته وأحدها مشاكل العمل. يكون العمل في الشركات في كثير من الأحيان خاضعا لشروط وأشكال تنظيمية ومطالب لا تحددها قدراتنا أو احتياجاتنا أو توقعاتنا. يتمتع الناس بقدرة كبيرة على التكيف ولكن في بعض الأحيان تجبرنا متطلبات العمل على بذل جهد يفوق قدرتنا على التحمل ما يسبب مشاكل نفسية.
أحيانا حتى لو كنا نعمل في نفس المكان وتحت نفس الظروف، لا يتفاعل الجميع مع الإجهاد بنفس الطريقة. قد يعاني البعض من الإجهاد أكثر من غيرهم ويعود ذلك لاختلاف قدرتنا على التكيف بناء على أسباب مختلفة، مثل المتغيرات الشخصية ومهارات العمل والتوقعات حول الوظيفة ومهارات حل المشكلات.
يصبح العلاج النفسي بديلًا جيدا للتخفيف من الإجهاد لأنه يساعد على تطوير سلسلة من الاستراتيجيات والمهارات حتى نتمكن من التأقلم مع مختلف التجارب ونواجه تداعيات إجهاد العمل. بهذه الطريقة، يصبح المرء أكثر استعدادا للتعامل مع متطلبات الوظيفة وتقليل الانزعاج بشكل أكبر.
المصدر: بسيكلوخيا إي منتي