يحلم الإنسان منذ القرن الماضي باستكشاف الغامض والمجهول، بالذهاب بعيدًا إلى أرض لم تطأها قدم من قبل، وفي إطار أحلامه تلك، طمح الإنسان إلى غزو الفضاء، وتطلع العلماء إلى محاولة إيجاد مأوى للإنسان ليصبح بديلًا أو مكملًا لكوكب الأرض، وفي إطار تلك المحاولات، ازدهرت فكرة السكنى على أرض الكوكب الأحمر، المريخ.
وقد كان هذا عند نجاح أول هبوط على سطح المريخ عام 1971، ثم أطلقت أول مركبة روفر ناجحة في عام 1997، ويبدو أن سنتنا هذه 2021 سنة مميزة في ازدهار تلك المحاولات، حيث أطلقت الصين والولايات المتحدة بعثات مريخية متزامنة، من أهدافها تمهيد الطريق لمركبة فضائية مأهولة للهبوط على المريخ، وهي خطة يتوقع إيلون ماسك أن تتحقق بحلول عام 2022.
في مقالته “العيش في الفضاء هو الحل، لكن ما هو السؤال؟”، نظر المصمم فريد سكارمن إلى كيف يمكن للمهندسين المعماريين والمصممين أن يصمموا أفضل حلّ لمعالجة أسئلة العيش في الفضاء.
ووفقًا له، هناك ثلاثة عناصر ترتكز عليها مقترحات الهندسة المعمارية في الفضاء: انخفاض تكاليف الإطلاق، تسلسلية توريد المادة والطاقة، وإطار قانوني للموارد. “كل ما نحتاجه الآن هو جيل جديد من المهندسين المعماريين في المريخ لتصميم مبانٍ مناسبة للبشر للعيش والعمل فيها”.
ومع تقدم التطور التكنولوجي للعمارة، وظهور إمكانات جديدة كاستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد والأنظمة الآلية وتكنولوجيا البناء المتطورة، بدأت أحلام المعماريين تنضج هي الأخرى في محاولة لاستكشاف طرق مبدعة، يمكن من خلالها تسهيل عملية الاستعمار البشري على كوكب المريخ.
وقد أطلقت وكالة ناسا مسابقات مثل مسابقة المسكن الثلاثي الأبعاد، حيث تم طلب تصميم قاعدة لأربعة رواد فضاء، وذلك باستخدام تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد والمواد المحلية على سطح المريخ، وسرّ تشجعيهم على استخدام المواد المحلية وتكنولوجيا الطباعة هو أن الرحلة الى المريخ بعيدة للغاية، وكمية الوقود اللازمة للوصول إليه كبيرة جدًا، وهذا يعني أنه على المركبة المتجهة إلى المريخ أن تحمل أقل وزن ممكن. ولذلك من أجل تقليل تكاليف الرحلة، شجعت ناسا على استخدام هذين المعيارين. وتلك المسابقة لعبت دورًا هامًّا في استكشاف تقنيات وأساليب البناء في الفضاء.
في هذا المقال سوف نستكشف بعض المشاريع من المسابقة وغيرها، التي تحلم بغزو الفضاء وتوضح الإمكانية المتزايدة للحياة البشرية على المريخ.
المركز الأول بمسابقة ناسا “منزل الجليد”
حصل فريق هندسة استكشاف الفضاء ومجموعة كلاود إيه أو -وهما مجموعتان معماريتان بحثيتان- على المركز الأول بتصميمهما لمنزل الجليد، وتعتمد فكرته على اتّباع مبدأ “الماء أساس الحياة”، حيث استخدم الفريق نهج “اتّباع المياه” لوضع تصور لتصميمهم وتحديد موقعه وبنائه.
نشأ منزل المريخ الجليدي من ضرورة جلب الضوء والاتصال بالخارج إلى مفردات العمارة المريخية. وقد برز الاقتراح الفائز كواحد من المشاريع القليلة التي لم تهدف إلى دفن المنزل المريخي تحت الأرض، وبدلًا من ذلك تمثل المقترح بالتنقيب عن الوفرة المتوقعة من الجليد تحت السطح في المناطق الشمالية لإنشاء قشرة جليدية عمودية رقيقة قادرة على حماية الأسطح الداخلية من الإشعاع، مع إمكانية المعيشة والاستمتاع بالحياة فوق الأرض.
ويمكن للغلاف الجليدي للمبنى أن يشتت الإشعاع فوق البنفسجي وإشعاعات الغاما، بينما يسمح للنور بالدخول إلى الداخل بحسب المعماريين.
مشروع مارشا
حصل مشروع مارشا على المركز الثاني بمسابقة ناسا، وتم تصميم المشروع باستخدام طريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى تقنية الروبوتات، حيث يمزج المشروع البازلت من سطح المريخ مع البلاستيك الحيوي النباتي لإنشاء مادة بناء متينة. تتحدى مارشا صورة العمارة في عصر الفضاء، مع التركيز على الهياكل القابلة للسكن للغاية، والتي تركز على احتياجات الإنسان.
مشروع زوفيروس
مشروع زوفيروس الذي صممه فريق من 5 معماريين، كان الفائز الثالث بمسابقة ناسا، ويتضمن الاقتراح روبوتًا مستقلًا مع غرفة طباعة داخلية تخلق هياكل سداسية ثلاثية الأبعاد، داخل مقصورة مضغوطة باستخدام مواد مستخرجة من سطح المريخ. لا تتطلب العملية أي تدخل بشري.
موطن المريخ
بعد تقديم مشروعه للعيش على القمر، استمر المعماري الشهير نورمان فوستر بتصميم منزل معياري تم بناؤه للحياة على المريخ، ضمن مستوطنة مريخية يتم بناؤها عن طريق الروبوتات المبرجمة مسبقًا، والتي تعمل بشكل شبه مستقل، وستجعل الطباعة الثلاثية الأبعاد تلك البيوت أماكن معيشية متينة، لتكونها من صخور المريخ الأصلية.
مدينة المريخ للعلوم
تم إنشاء هذا المشروع من قبل فريق من المهندسين والعلماء والمصممين من مركز محمد بن راشد للفضاء، بالتعاون مع مكتب بيغ (بيارك إنجلز) للهندسة المعمارية، وهو من أشهر المكاتب المعمارية في العالم. يحاكي هذا المشروع ظروف كوكب المريخ هنا على الأرض، ما يسهّل البحث والاختبار لاستراتيجيات البناء المختلفة لتحمّل حرارة وإشعاع المريخ بشكل أفضل. تم بناء المشروع، المسمى باسم مدينة المريخ للعلوم، باستخدام تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد والرمل من الصحراء الإماراتية.
بذور الحياة المريخية
بحثًا عن مواد بديلة لبناء المستوطنات المريخية الأولى، اقترح المهندسان المعماريان الماليزيان واريث زكي وأمير أمزار بناء مستوطنة من الخيزران، وذلك أساسًا لقدرته على تحمّل الظروف القاسية على الكوكب والقدرة على التكاثر دون مساعدة الملقحات. ليس هذا فقط، حيث يمكن أن ينمو الخيزران بسهولة على الكوكب بفضل وفرة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يجعله مصدرًا محتملًا للغذاء للمستوطنين البشريين أيضًا!
وإجمالًا لمقالنا، يمكننا أن نجيب عن تساؤل “هل يمكن للبشر العيش على المريخ في المستقبل؟”، بأنه على الرغم من أن ذلك يبدو مستحيلًا في الوقت الحالي، إلا أنه ربما يكون ممكنًا في المستقبل البعيد جدًّا.
ومع ذلك، لا يمكننا العيش على كوكب المريخ كما نفعل على الأرض في زمن قريب، لذلك يتعين علينا البقاء في بيئات يتم التحكم فيها بعناية فائقة، مع أنظمة دعم الحياة لإبقائنا على قيد الحياة. ولهذا السبب إن للمعماريين والعلماء دور مهم جدًّا في تصميم وتجربة تلك الأنظمة والهياكل المعمارية وتطويرها، لتصبح خطوة نحو تحقيق حلم استعمار الكوكب الأحمر.