يقود رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وفدًا رفيع المستوى إلى تركيا، في زيارة هي الأولى له منذ تسلمه مهامه في 16 من مارس/آذار الماضي، ما يعني وفق العديد من المتابعين حرص طرابلس على تطوير علاقاتها مع أنقرة في الوقت الذي تبحث فيه الأخيرة عن تدعيم مكانتها في إفريقيا، فهل تكون ليبيا بوابة تركيا نحو إفريقيا؟
وفد رفيع المستوى
يضم الوفد الحكومي الليبي الذي يصل تركيا اليوم 14 وزيرًا وعددًا آخر من المسؤولين في الحكومة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وفق الناطق باسم مجلس الوزراء الليبي محمد حمودة، في تصريح لوكالة الأناضول التركية.
ويضم الوفد، إضافة إلى رئيس الحكومة، وزراء: الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش والداخلية خالد مازن والصحة علي الزناتي والحكم المحلي بدر الدين التومي والمالية خالد عبد الله والمواصلات محمد الشهوبي والاقتصاد والتجارة محمد الحويج والنفط والغاز محمد عون والتخطيط فاخر أبو فرنة والصناعة والمعادن أحمد أبو هيسة والإسكان والتعمير أبو بكر الغاوي والتعليم العالي والبحث العلمي عمران عبد النبي.
سبق أن أعلنت تركيا أن شركاتها ستضطلع بدور نشط في إعادة بناء ليبيا التي مزقتها الحرب
كما يضم أيضًا وزيري الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي، وشؤون الحكومة ومجلس الوزراء عادل جمعة، إضافة إلى رئيس الأركان العامة الفريق أول ركن محمد الحداد، ورئيس مجلس إدارة الشركة العامة للكهرباء وئام العبدلي، ومسؤولين آخرين.
وسبق أن زار رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي تركيا أيامًا قليلة بعد نيله ثقة البرلمان على رأس المجلس الرئاسي، حيث التقى حينها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قصر وحيد الدين بإسطنبول.
وفق بيان لرئيس المجلس الرئاسي سيتم خلال زيارة الدبيبة مناقشة “ما تم الاتفاق عليه ودراسته”، وأضاف المنفي، في بيان “سيتم المحافظة على المصالح المشتركة التي تجمع البلدين (تركيا وليبيا) خلال فترة عمل المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية”.
تطور العلاقات بين البلدين
هذه الزيارات تؤكد أهمية تركيا بالنسبة لليبيا، وتطور العلاقات بين الطرفين في الفترة الأخيرة، فضلًا عن سعي حكام ليبيا الجدد للحفاظ على هذه العلاقات وتطويرها، وكانت حكومة الوحدة الجديدة في ليبيا قد أدت اليمين الدستورية يوم 15 من مارس/آذار الماضي، متمة بذلك انتقالًا سلسًا للسلطة بعد فوضى عنيفة على مدى عشر سنوات.
وعرفت العلاقات بين البلدين تطورًا كبير سنة 2019، بعد أن مدت تركيا يدها ودخلت بقوتها إلى جانب الحكومة الشرعية في البلاد حتى تحافظ على ليبيا بعد طلب حكومة الوفاق ذلك، في الوقت الذي دعمت فيه بعض القوى العربية والغربية، ميليشيات الانقلابي خليفة حفتر للسيطرة على ليبيا وفرض نظام عسكري هناك.
هذا التدخل التركي كان سببًا مباشرًا في هزيمة حفتر بحرب طرابلس وحسم المعركة لصالح القوى التي تؤمن بمدنية الدولة وتعادي القوى الانقلابية، ووقعت أنقرة عام 2019 اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط مع حكومة الوفاق الوطني، إضافة إلى اتفاق تعاون عسكري أرسلت تركيا بموجبه مستشارين ومدربين عسكريين إلى طرابلس.
أما اقتصاديًا فسبق أن أعلنت تركيا أن شركاتها ستضطلع بدور نشط في إعادة بناء ليبيا التي مزقتها الحرب، فيما قال رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد دبيبة إن الاتفاقات الاقتصادية التي أبرمتها حكومة الوفاق الوطني مع تركيا يجب أن تظل قائمة.
وتعمل شركات تركية في ليبيا في مشاريع لتطوير بعض المحطات الكهربائية وإنشاء محطات كهرباء جديدة، كما نفذت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا”، مشاريع عديدة في ليبيا، خاصة في مجالات التكنولوجيا والتعليم والصحة، وتحظى الشركات التركية بتقدير كبير في ليبيا كونها لاعبًا رئيسيًا في البلاد الغنية بالنفط قبل نشوب الحرب، لذلك فالجميع يسعى للعمل معها والاستفادة من خبراتها، ويفوق عدد الشركات التركية العاملة حاليًّا في ليبيا 48 شركة.
ومن المنتظر أن يبحث الوفد الليبي الذي يزور تركيا اليوم “مجموعة من الملفات المشتركة في قطاع الخدمات (الطاقة والصحة) وعودة الشركات التركية إلى ليبيا لاستكمال أعمالها المتوقفة في ليبيا والمساهمة في مشاريع إعادة الأعمار”.
يذكر أن المقاولين الأتراك بدأوا العمل لأول مرة في ليبيا عام 1972، ومنذ ذلك الوقت وقعت الشركات التركية عقودًا بقيمة 40 مليار دولار في قطاع البناء بليبيا، ومن المرجح أن يرتفع الرقم في المستقبل، خاصة أن هناك حالة خراب في ليبيا، ما يجعل فرص الاستثمار كبيرةً في مجالات عدة.
تعرف العلاقات التركية الإفريقية نموًا في عدة مجالات مثل الاقتصاد والاستثمار والتعاون الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية
وعن القطاعات التي يمكن أن تشارك الشركات التركية في إعمارها، يمكنها المشاركة في إعادة إعمار المؤسسات العامة والمطارات، وكذلك الموانئ وشبكات المياه والطرق والبلديات، إلى جانب تنظيف المدن من مخلفات الحرب وبناء المستشفيات والفنادق والمنشآت السياحية.
هذه المشاريع التركية في ليبيا سيكون وقعها جيدًا على البلدين، فهي ستساعد الاقتصاد التركي، كما ستساعد ليبيا في الاستفادة من خبرات الشركات التركية العالمية وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات الليبيين من حيث السرعة وجودة العمل.
ما يزيد هذه الاحتمالية أن رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد دبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي يعُدّان من المقربين لتركيا، ومن المنتظر أن يقود الاثنان ليبيا حتى تنظيم انتخابات عامة مقررة في ديسمبر/كانون الأول القادم.
مركز لوجستي
إلى جانب ذلك، تسعى أنقرة لتسخير علاقاتها القوية مع طرابلس لدعم مكانتها في إفريقيا، من أجل ذلك بدأت في إنشاء مركز لوجستي في ليبيا، من المرتقب أن يشكل معبرًا لصادرات البلاد إلى إفريقيا، وفق مرتضى قرنفيل، رئيس مجلس الأعمال التركي ـ الليبي، التابع للجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية (حكومية).
يتوقع مرتضى قرنفيل أن تساهم القاعدة اللوجستية وصالة العرض الإلكترونية في ليبيا، برفع قيمة الصادرات التركية إلى إفريقيا بمقدار 10 مليارات دولار، مشيرًا في حديث إعلامي إلى سهولة النقل للقارة الإفريقية من ليبيا برًا وجوًا، وإمكانية نقل المنتجات بسهولة من المركز اللوجستي إلى 53 دولة إفريقية يبلغ مجموع عدد سكانها نحو مليار نسمة.
ومؤخرًا، كلّف الرئيس أردوغان لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية واتحاد الغرف التجارية والصناعية ومجلس مصدري تركيا، بإقامة مراكز لوجستية لدعم صادرات البلاد حول العالم، والمركز في ليبيا هو الأول ضمن هذه السلسلة.
بوابة تركيا نحو إفريقيا
تأمل السلطات التركية أن تكون ليبيا بوابتها نحو إفريقيا، نظرًا لبقعتها الإستراتيجية وتوافر الإمكانات لذلك، وتسعى تركيا منذ سنة 2005 لمنافسة باقي القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في دول القارة الإفريقية حتى تضمن دورًا لها هناك.
وعرف سجل التبادل التجاري بين تركيا وبلدان القارة الإفريقية، نموًا ملحوظًا خلال الفترة بين عامي 2010-2019، ليصل بحلول نهاية 2019، 186 مليار دولار، 65% من إجمالي التبادل التجاري، أي ما يعادل 122 مليار دولار، كان من نصيب بلدان شمالي القارة الإفريقية، وفق هيئة الإحصاء التركية.
خلال الفترة نفسها (2010-2019)، بلغت صادرات تركيا إلى بلدان القارة 126.7 مليار دولار، مقابل استيراد ما قيمته 59.8 مليار دولار، وتصدرت مصر قائمة الدول الإفريقية التي تمتلك الحصة الكبرى من التبادل التجاري خلال الأعوام الـ9 الماضية.
وتعد تركيا واحدة من الدول الأربعة الأكثر حضورًا في القارة الإفريقية خلال السنوات العشرة الأخيرة إلى جانب كل من الصين والبرازيل والهند، وطبقًا لمعلومات رسمية لعام 2019، فإن استثمارات البلاد في إفريقيا ارتفعت بنسبة 11% مسجلة 46 مليار دولار، على الرغم من التراجع الذي حدث العام الماضي في تدفقات الاستثمار الأجنبي العالمي.
تعرف العلاقات التركية الإفريقية نموًا في عدة مجالات، مثل الاقتصاد والاستثمار والتعاون الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية، وتمارس شركات الإنشاءات التركية أنشطتها بدول إفريقيا في الكثير من المجالات مثل البنى التحتية وإنشاء الموانئ والطرق والسدود والملاعب والمستشفيات.
من شأن انتعاش العلاقات التركية الإفريقية أن تنعش الاقتصاد التركي، ووفق سلطات أنقرة، فإن القطاعات التي تحقق بها أعلى قيمة صادرات إلى إفريقيا هي الصلب والمواد الكيميائية وصناعة السيارات والغلال والبقوليات والحبوب الزيتية وقطع غيار الماكينات.
تنوي تركيا تعزيز عمل شركاتها في إفريقيا قصد السيطرة على السوق الإفريقية في العديد من المجالات، والاستفادة قدر الإمكان من إمكانات القارة الإفريقية التي تتشكل من 54 دولة، وتعتبر أكبر سوق واعدة في العالم، إذ يزيد عدد سكانها على مليار ومئة مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 30 مليون كيلومتر مربع، وتشكل 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية.
تسعى تركيا إلى استغلال الثقة الكبيرة التي تحظى بها في إفريقيا، في جهودها نحو دعم مكانتها في هذه القارة، وتعمل على تقديم بديل يضمن للأفارقة تنمية مستدامة دون أن يتم استغلال ثرواتهم والتحكم في قرارهم السيادي وإثقالهم بالديون، ولعل ليبيا تكون البوابة نحو هذا المسعى.