ترجمة وتحرير: نون بوست
استحوذ حاكم دبي المثير للجدل على إمبراطورية من الأراضي والعقارات في بريطانيا، يبدو أن مساحتها تتجاوز الأربعين ألف هكتارا، وهو ما يؤهله ليكون واحدا من أكبر مالكي العقارات في البلاد، بحسب تحليل الغارديان.
هذه القائمة الضخمة من الممتلكات، التي يبدو أنها تعود للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وأفراد عائلته المقربين، تتراوح بين القصور الفخمة والإسطبلات، ومراكض تدريب الخيل في نيوماركت، ومنازل فاخرة في البعض من أفخم أحياء لندن، وأراضي شاسعة تتضمن إقامة فخمة تمتد على 25 ألف هكتار في بلدة إنفيرينيت في مرتفعات اسكتلندا.
وقد تمكنت الغارديان من تحديد مواقع هذه المقتنيات الخاصة والثمينة التي ترتبط بالشيخ محمد، الذي يشغل منصب نائب الرئيس ورئيس الوزراء في الإمارات العربية المتحدة، وذلك بالاعتماد على سجلات الأراضي والملفات الضريبية للشركات.
ولا يعرف الحجم الحقيقي للأراضي التي يمتلكها حاكم دبي في بريطانيا، باعتبار أن أغلب الممتلكات المرتبطة به قام بالاستحواذ عليها عن طريق شركات خارجية مسجلة في الملاذات الضريبية في جزيرتي غيرنسي و جيرسي. هذه المعلومات تطرح نفس الأسئلة المعهودة حول الطبيعة السرية للقائمات الضخمة من الممتلكات في بريطانيا، وما إذا كان يتم تنظيمها بطرق تمكن من تجنب دفع الضرائب للحكومة البريطانية عند بيعها.
القائمة تجعله من ضمن أكبر العائلات المالكة للأراضي في البلاد، متجاوزا حجم العقارات الشخصية للملكة إليزابيث
وقد رفض محامي الشيخ محمد بن راشد تأكيد أي من تفاصيل الممتلكات أو الشركات التي يمتلكها، معتبرا أن هذه المسائل المالية خاصة وسرية. إلا أن هذا المحامي نفى أن تكون العقارات المملوكة للشيخ محمد بن راشد قد تم شراؤها عبر شركات خارجية، أو أنها منظمة بشكل يمكن من التهرب من الضرائب.
أملاك ممتدة الأطراف
تظهر تفاصيل مقتنيات محمد بن راشد، التي نجحت الغارديان في تحديدها بالتعاون مع منظمة الشفافية الدولية، أن هذا الرجل يمتلك أكثر من 40 ألف هكتار، ما يشكل واحدا من مصادر قوته ونفوذه في بريطانيا. هذه القائمة تجعله من ضمن أكبر العائلات المالكة للأراضي في البلاد، متجاوزا حجم العقارات الشخصية للملكة إليزابيث، بحسب غي شريبسول، الخبير البارز في ملكية الأراضي.
إحدى هذه الملكيات التابعة لحاكم دبي هي إقامة لانغكروس في مقاطعة سري، قيمتها 75 مليون جنيه إسترليني وقد تم شراؤها في العام 1976، وقد باتت الآن معروفة بأنها الأقامة التي حاولت فيها ابنته الأميرة شمسة الهروب من سيطرته وهي في عمر الواحد وعشرين.
وخلال العام الماضي كانت المحكمة العليا في بريطانيا قد أصدرت في قرارا خطيرا، يرجح أن الشيخ محمد بن راشد قام باختطاف ابنته شمسة في كامبريدج، ثم نقلها إلى واحدة أخرى من ملكياته في نيوماركت (على الأرجح قصر دالهام هول) ثم نقلها بالطائرة إلى دبي، أين تقبع منذ ذلك الوقت في الأسر.
وخلال تلك الفترة ومنذ صدور الحكم، الذي نص أيضا على أن الشيخ محمد بن راشد اختطف الأخت الأصغر الأميرة لطيفة وسجنها في دبي في 2002 و2018، واصل هذا الحاكم توسيع نطاق أملاكه في بريطانيا.
وفي حزيران/ يونيو، أي بعد ثلاثة أشهر من نشر ذلك الحكم، قامت نفس الشركة الخارجية المسجلة في غيرنسي والتي تمتلك إقامة لونغكروس، واسمها سميك بروبرتيز، بشراء وود هاي، وهو قصر آخر ضخم في مقاطعة سري، مقابل 13 مليون جنيه إسترليني. هذا المبنى الفخم الذي يتميز بلونه الأبيض والأعمدة ذات الطابع المعماري النيوكلاسيكي في مدخله، يحتوي على 10 أجنحة غرف نوم والعديد من قاعات الجلوس وغرف الترفيه، إلى جانب سينما ومسبح وقاعة رقص.
هذه الملكية التي تمتد على 10 هكتارات من الحدائق، تبعد أربعة أميال فقط عن مضمار أسكوت، أين يشارك الشيخ محمد في السباقات بخيوله الأصيلة التي يتم تدريبها في إسطبلات عمليات جودلفين. وهو دائما ما يكون ضيفا في عربة الملكة عند التوجه نحو سباق الخيول الملكي رويال أسكوت، وقد تمكن من تعزيز علاقته بها من خلال سباقات الخيل.
ولطالما كانت أملاك محمد بن راشد الكثيرة والممتدة في نيوماركت، وهي البلدة المعروفة بكونها معقل سباق الخيول في بريطانيا، تعد ميزة من ميزات هذه البلدة، حيث تخرج خيول جودلفين ماشية من الإسطبلات التاريخية نحو المساحات المفتوحة في مراعي التدريب.
ولكن هنالك ملكيات أخرى أقل شهرة تعود لحاكم دبي، وهي عقارات خاصة في البعض من أكثر أحياء لندن فخامة: وهي نايتسبريدج وبلغرافيا وكينسينغتون.
وفي العام 2013 كانت إحدى الشركات المملوكة لعائلته قد استحوذت على ملكية في ساحة إيتون التاريخية في بلغرافيا بقيمة 17.3 مليون جنيه إسترليني، اشترتها من دوق وستمنستر، في صفقة تكشف كيف تقوم طبقة النبلاء البريطانيين ببيع ممتلكاتها للعائلات الخليجية الثرية.
وفي 2018 تصدرت الصحف أخبار شراء منزل روتلاند، وهو بناية من ستة طوابق في نايتسبريدج بقيمة باهظة وصلت إلى 61.5 مليون جنيه إسترليني، مكنت مطور العقارات الفخمة كريستيان كاندي من تحقيق أرباح خيالية بعد أن قام بتطوير هذا المكان عبر إضافة مسبح وحوض سمك وقاعة سينما.
في ذلك الوقت بقيت هوية المشتري مجهولة، لأن الشركة التي قامت بعملية الشراء، واسمها ليزيوم المحدودة، مسجلة في الملاذ الضريبي في جيرسي، حيث لا يتم الكشف عن هوية المالكين المستفيدين من الصفقات. وقد توصل تحقيق الغارديان إلى أن شركة ليزيوم المحدودة تمتلك أيضا أبراج وارن، المعروفة بأنها واحدة من أهم ممتلكات محمد بن راشد في نيوماركت، والمطلة على مراكض تدريب الخيل المملوكة له.
وبفضل هذا البروز المتزايد لمحمد بن راشد في بريطانيا، إلى جانب تكديس الثروات الإماراتية، تعاظم نفوذ هذا الرجل في علاقة مع دوائر الحكم البريطانية.
وخلال أطوار القضية التي نظرت فيها المحكمة العليا، كانت زوجته السادسة الأميرة هيا قد ادعت أن التحقيق الذي فتحته شرطة مقاطعة كامبريدجشاير حول اختطاف الأميرة شمسة قد تم إيقافه في 2001، بعد أن عبرت بعض الأطراف عن امتعاضها منه أمام الحكومة البريطانية نيابة عن الشيخ محمد بن راشد.
ويذكر أن وزارة الخارجية البريطانية التي تنفي أي تدخل لها في هذا الموضوع، رفضت الكشف عن المعلومات التي تمتلكها حول هذه القضية، مؤكدة أن الكشف عنها سوف يحد من قدرة الحكومة البريطانية على حماية وخدمة مصالح البلاد فيما يخص العلاقة مع الإمارات.
وقد قال القاضي، السير أندرو ماكفرلان، إنه لم يتوصل إلى أية معلومات حول تلقي الحكومة رسائل امتعاض حول هذا التحقيق، إلا أن الظروف المحيطة به خلقت انطباعا لدى داعمي الأميرات بأن الشيخ محمد بن راشد مسموح له بالتصرف دون حسيب أو رقيب في بريطانيا.
عنصر لا غنى عنه في عالم سباقات الخيول
هذه المسيرة التي خاضها محمد بن راشد في عالم العقارات والممتلكات النادرة والفخمة في المجتمع البريطاني، سهلتها الاستثمارات التي لا تضاهى والتي قام بها في مجال سباقات الخيول، حيث أنفق أكثر من 600 مليون جنيه إسترليني بين 2011 و2020، بحسب الأرقام المنشورة. وهو ما جعل هذه الرياضة، وجعل بلدة نيوماركت بشكل عام، في حالة تبعية مالية لحاكم دبي.
وعلى خريطة هذه البلدة، يبدو أن ممتلكات الشيخ محمد، التي استحوذ عليها بواسطة شركة أرات إنفستمنت المحدودة، وهي مسجلة في الملاذ الضريبي في غيرسني، باتت تحتل مساحة تعادل تقريبا نصف البلدة.
وفي 1981، كان محمد بن راشد قد اشترى مزرعة دلهام هول التي تمتد على 63 هكتار، وهي تستخدم الآن كمركز رئيسي لعمليات جودلفين. كما أضاف إلى قائمة ممتلكاته مراعي مولتون التاريخية في 1994، والتي تضم الآن مراكض للخيل وحمام سباحة ومنتجع صحي.
وقد أعلنت شرطة كامبريدجشاير أنها بصدد استئناف التحقيق في عملية اختطاف الأميرة شمسة، من خلال مراجعة بعض المعطيات من بينها رسالة من الأميرة لطيفة تعود للعام 2019 تحثهم على إعادة التحقيق في القضية.
أما فريق الدفاع عن الشيخ محمد بن راشد، فقد كان رده أمام المحكمة هو نفي اختطاف شمسة ولطيفة، أو سجنهما في دبي. وبعد نشر الحكم علق حاكم دبي بالقول “إن هذا الحكم يروي جانبا واحدا من القصة”، مشتكيا من أنه لم يتسن له المشاركة في أطوار المحاكمة، رغم أن القاضي أكد أن الشيخ محمد تسنى له ذلك.
وفي شباط فبراير الماضي أعلنت السفارة الإماراتية أن لطيفة تتلقى الرعاية في وطنها مدعومة من عائلتها والأخصائيين الطبيين، إلا أن الموقع الذي يدير حملة المطالبة بتحرير لطيفة نفى ذلك. وفي يوم الجمعة قالت منظمة الأمم المتحدة إن الإمارات فشلت في تقديم أدلة مقنعة، تثبت أن الأميرة لطيفة على قيد الحياة.
المصدر: الغارديان