تتصاعد حدة التوترات الأمنية في العراق، إذ شهد أمس الأربعاء تصعيدًا أمنيًّا كبيرًا في مختلف المحافظات، وتمثل باستهداف خمسة أرتال تابعة لقوات التحالف الدولي في مناطق متفرقة من البلاد.
وقبل أن ينتهي اليوم بساعات، تعرضت محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق ليل الأربعاء 14 نيسان/ أبريل لثالث هجوم من نوعه خلال أشهر، إذ أعلنت وزارة الداخلية في الإقليم أن مطار أربيل الدولي تعرض لهجوم استهدف قاعدة للقوات الأميركية في المطار، وتزامنًا مع هذا الاستهداف تعرض معسكر القوات التركية، المعروف باسم معسكر “زيليكان” شمال محافظة نينوى، لهجوم صاروخي أدى بحسب الحكومة التركية إلى مقتل جندي وإصابة مدنيين من أهالي المنطقة.
التصعيد الأمني الكبير الذي شهده العراق يطرح العديد من التساؤلات عن أهدافه ومآلاته، خاصة أن استهداف مطار أربيل الدولي تم بطائرة مسيّرة (درون) في سيناريو يحاكي الملف اليمني.
نقلة نوعية بالهجمات
في سابقة تعد الأولى من نوعها في العراق على الإطلاق، كشفت وزارة داخلية إقليم كردستان أن الاستهداف الذي طال مطار أربيل الدولي والقاعدة الأميركية المتواجدة فيه تم من خلال طائرة مسيّرة انتحارية.
وأضاف بيان وزارة داخلية الإقليم أن التحقيقات الأولية كشفت عن أن الطائرة كانت محملة بمادة T.N.T شديدة الانفجار، وأن الوزارة لا تزال تعمل لتحديد مصدر إطلاق الطائرة المسيّرة.
وفي السياق، يقول المحلل السياسي الكردي محمد زنكنة إن استهداف أربيل هو الثالث من نوعه خلال أشهر، وإنه يأتي في ظل توتر إقليمي في غاية الخطورة، خاصة بعد استهداف منشأة نطنز النووية الإيرانية، مشيرًا إلى أن التحالف الدولي أكد أن الاستهداف كان بطائرة مسيّرة مفخخة.
وفيما إذا كان الاستهداف محاكاة للسيناريو اليمني باستخدام الطائرات المسيّرة الانتحارية، يتابع زنكنة حديثه لـ”نون بوست” مشيرًا إلى أنه بعد أن ثبت أن الاستهداف كان بطائرة مسيّرة، فإن ذلك يعني إمكانية تغيير الطرق المتبعة في استهداف القواعد الأميركية في العراق بصورة عامة، وفي إقليم كردستان على وجه الخصوص.
ويضيف زنكنة أن هذا الاستهداف وإن لم يتسبب بخسائر بشرية، إلا أنه ينذر بأن الفصائل الولائية التابعة لإيران ستفعل أي شي لاستهداف أمن الإقليم، مشيرًا إلى أن فصيل أولياء الدم الذي تبنى الهجوم يتبع الحرس الثوري وإن بشكل غير مباشر، على الرغم من أن إيران تنفي صلتها بمثل هذه الفصائل، بحسبه.
وعن رد الإقليم السياسي والأمني، يضيف زنكنة أن الرد العسكري يقع على عاتق الدولة العراقية وعلى القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، فيما أكد أن الرد السياسي الأولي تمثل في اتصالات حكومة إقليم كردستان بكل من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوس.
استهداف المصالح التركية
لم يقف التصعيد الأمني في العراق عند استهداف مطار أربيل الدولي، إذ كشفت وزارة الدفاع التركية في بيان مساء الأربعاء 14 نيسان/ أبريل عن مقتل جندي من قواتها في استهداف لقاعدة عسكرية للجيش التركي، في معسكر زيليكان في ناحية بعشيقة في محافظة نينوى شمال العراق.
وأضاف بيان الوزارة أن الهجوم تم بثلاث قذائف صاروخية، سقطت واحدة منها على القاعدة واثنتان على القرية المجاورة للقاعدة العسكرية، ما أدى إلى إصابة شابة بجروح متوسطة، مبينًا أن مصدر القصف لا يزال مجهولًا، بحسب نص البيان.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث الأمني العراقي رياض العلي في حديثه لـ”نون بوست”، إن الاستهداف لكل من أربيل ومعسكر القوات التركية فيه العديد من الرسائل ولأكثر من جهة، موضحًا أن استهداف أربيل لا يمكن أن يكون بعيدًا عن الفصائل الولائية المرتبطة بإيران، خاصة أن هناك تيارًا متشددًا داخل الحرس الثوري الإيراني لا يود أن يكون هناك اتفاق بين واشنطن وطهران.
وأضاف العلي أن استهداف معسكر القوات التركية يعد تطورًا غاية في الخطورة، خاصة أنه الأول من نوعه وأدى إلى مقتل جندي تركي، مشيرًا إلى أن هذا الاستهداف له أبعاد في محافظة نينوى وتحديدًا في قضاء سنجار، الذي ينتشر فيه مقاتلو حزب العمال الكردستاني المصنف في تركيا إرهابيًّا.
ويفصل العلي في الرسائل الموجهة لتركيا من خلال استهداف معسكر زيليكان بالقول: “الكل يعلم أن حزب العمال الكردستاني المنتشر في سنجار لديه علاقات واسعة ومتشابكة مع الحشد الشعبي، وأن الأخيرَين رفضا اتفاق تطبيع الأوضاع في سنجار القاضي بانسحاب مقاتلي العمال الكردستاني، وبالتالي بما أن الحكومة العراقية وتركيا مصرتان على انسحاب الحزب من سنجار، فإن هذا القصف للمعسكر التركي يأتي كرسالة لأنقرة على أن الفصائل الولائية المرتبطة بإيران لديها القدرة على استهداف المصالح التركية، لافتًا إلى أن الأنباء الأولية تشير إلى أن الهجوم على المعسكر التركي تم من مناطق نفوذ قوات الحشد الشعبي لواء 30 في منطقة الشلالات شمال مدينة الموصل”، بحسب قوله.
ورغم أن قيادة العمليات المشتركة العراقية -خلية الإعلام الأمني- لم تعلق على هجمات أربيل وبعشيقة، إلا أن الأيام القادمة قد تكون حبلى بالأحداث السياسية والأمنية في العراق، بحسب الباحث السياسي محمد عزيز الذي يرى أن الإدارة الأميركية ستضطر إلى الرد على هجمات أربيل، وأن الرد قد يكون قاسيًا هذه المرة، خاصة أن التحالف الدولي كان قد أبدى انزعاجًا شديدًا من استمرار استهداف أرتال الدعم اللوجستي في مختلف المحافظات العراقية، بحسبه.
ويرى عزيز أن العراق سيشهد مزيدًا من الاحتقان السياسي والأمني حتى موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، التي من المقرر عقدها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول القادم، وبالتالي فإن جميع احتمالات التصعيد واردة وبشدة، بحسب تعبيره.
يذكر أن معسكر القوات التركية في منطقة زيليكان التابعة لناحية بعشيقة في محافظة نينوى، كان قد استُحدث خلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحات شاسعة من العراق بين عامي 2014 و2017، وكان هدفه دعم القوات العراقية في استعادة محافظة نينوى.
لا تزال التحقيقات الأمنية بشأن استهداف مطار أربيل الدولي ومعسكر القوات التركية في بدايتها، وقد تسفر التحقيقات المعمقة في الأيام المقبلة عن مزيد من المعلومات حول حيثيات الهجوم وكيفية تنفيذه ومآلاته.