واجه السوريون صعوبات مختلفة على مدى سنوات الثورة العشر، جعلت حياتهم مع مقاومة الأسد أكثر تعقيدًا، بما في ذلك نزوح الآلاف للعيش في مخيمات عشوائية. تشير إحصاءات مجموعة تنسيق الاستجابة السورية إلى أن أكثر من 185557 شخصًا يقيمون في مخيمات عشوائية شمال غرب سوريا، إلا أن الفيروس الجديد لم يكن متوقعًا في هذه المرحلة من الحرب، ويمكن وصفه بأنه الأصعب لأن مكافحته تتطلب الكثير من الدواعم المفقودة في مخيمات النازحين.
وهناك ثلاثة أنواع من المخيمات سواء في المناطق الحدودية مع تركيا أو في المناطق المحررة عمومًا: المخيمات النظامية وهي التي تكون منظمة ومجهزة بالخدمات الأساسية ويحيط بها سور، وتشرف عليها منظمة إغاثية أو أكثر، والمخيمات المسبقة الصنع (كرفانات) والتي عادة تكون أفضل أنواع المخيمات كونها تكون مبنية من إسمنت ومجهزة بالخدمات ويحظى سكانها بخصوصية أفضل ولا يتعرضون للعوامل المناخية السيئة بصورة كبيرة، أما المخيمات العشوائية، فهي التي تبنى بصورة عاجلة كيفما اتفق على أطراف المخيمات النظامية، ولا تتوفر لديها أية خدمات ولا يكون مسورة ولا مجهزة.
ومثل أي مكان آخر من العالم اليوم، يتعامل النازحون في مخيمات حلب العشوائية مع هذه المعضلة الجديدة التي ليس من السهل التغلب عليها، حيث أشارت منظمة مرام الإغاثية إلى أن النازحين يعملون على التأقلم مع الحياة بوجود الجائحة وهم يعيشون وسط اكتظاظ. ويزداد هذا الاكتظاظ سوءًا كل يوم خلال الجائحة مع موجات النزوح التي لا تتوقف.
ومن بين المخيمات العشوائية ذات الظروف المعيشية الأكثر حساسية، يمكن رؤية مخيمَي معرين ويازي باغ العشوائيَّين. سجّل هذان المخيمان أولى حالات الإصابة بالفيروس في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفقًا لتقارير وحدة تنسيق المساعدة (ACU). وتحدث النازحون في المخيمَين عن تجربتهم مع الفيروس وكيف استجابوا له منذ انتشاره، حيث كانت هناك طرق مختلفة للغاية للاستجابة بين النازحين، وأبدى البعض ارتباكًا فيما يتعلق بالفيروس وصحة خطورته.
السببان الرئيسيان لهذا الارتباك واختلاف طرق الوقاية بين النازحين، هو أن المصدر الأكبر والوحيد لمعلوماتهم حول الوباء والفيروس الجديد يأتي مما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب عدم وجود إشراف حكومي.
أخبرنا بشار، شاب مقيم في مخيم معرين، عن المرة الأولى التي سمع فيها عن الفيروس، حيث قال: “سمعنا من الهاتف عن انتشار فيروس في دول أخرى يطلقون عليه “فيروس كورونا” ولا نعرف عنه الكثير”.
يغزو الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يوميًّا أرقام من الأخبار والمعلومات غير الموثوقة، في حين أن عددًا كبيرًا من الأشخاص، من ضمنهم النازحين في المخيمات، يعتمد على الإنترنت كمصدر وحيد للمعلومات. إلا أنه من الصعب منع انتشار المعلومات المضللة بين النازحين، حيث يعود الأمر الى عدم وجود سلطات مخولة لتوجيه النازحين في المخيمات العشوائية، ما أفضى بالنازحين إلى تحدٍّ لاستنتاج ما هو بالفعل صحيح وموثوق للتعويل عليه في مرحلة الوقاية لوحدهم.
تتطلب جهود التوعية والترصد للوباء والإشراف على السكان وجود الحكومة المفقودة في هذين المخيمَين
أفصح عبدو عن بعض الطرق التي يتبعها للوقاية، قائلًا إنه يتبع ما يسمع به على مواقع التواصل الاجتماعي من دول أخرى، مثل أن شرب الكثير من السوائل والمشروبات الساخنة مثل شاي الأعشاب، يمكن أن يوفر مناعة جيدة ضد المرض لمقاومته. كما أضاف: “عندما نجتمع ونحتاج إلى استخدام الأقنعة، نلف أوجهنا بالشماغ ونتلثم”.
تم إبراز الشماغ الذي يُعرف بأنه غطاء الرأس التقليدي في العديد من الدول العربية للرجال، كبديل للقناع الطبي منذ بداية الوباء، لكن منظمة الصحة العالمية أشارت إلى أن الشماغ يمكن أن يكون غير فعال لمنع العدوى، لأن الأقنعة الطبية والأقنعة القماشية لا تصنع من الأقمشة المعتادة التي يصنع منها الشماغ، ويجب استخدام الكمامات المخصصة لتغطية الوجه.
نجد أيضًا أن المعلومات الخاطئة قد تركت أفكارًا وقناعات غير واقعية لدى بعض النازحين، ما دفعهم إلى التعامل مع الفيروس على أنه مجرد نزلة برد، حيث وصف حسني ما وصله بشأن الفيروس من مواقع التواصل الاجتماعي: “ما فهمناه آخر شيء إنه برد وكل إنسان يصاب بالبرد”. وتابع واصفًا كل هذه المعلومات العديدة التي سمعها بالإشاعات، مؤكدًا أن هذه الإشاعات أوضحت له أن الفيروس الجديد مخيف، إلا أنه يفكر بشكل مختلف: “حسب الإشاعة، المرض مخيف، لكن الحقيقة التي أراها هي أنه مرض طبيعي جدًا، يعني أنه إنفلونزا ويمكن لأي شخص مقاومته”.
وعلى الرغم من تسجيل إصابات في المخيمَين، إلا أن غياب جهود التوعية والمعلومات الحقيقية نتج عنه حالة طمأنينة بين النازحين بأن الفيروس لم يصل إليهم بعد، كما ادّعى الكثير منهم. وابتعد بعض النازحين إلى الاعتقاد بأن الطقس الحار الذي يعيشون فيه ساهم أيضًا في منع انتقال الفيروس إليهم، وتصدرت روايات عن الفيروس تقول إنه ينتشر في بلدان أخرى فقط. بناءً على هذا الوضع، قد يتم العثور على العديد من المصابين بين النازحين الذين لم يتم تشخيصهم، بسبب من يعتبر الفيروس إما مرضًا طبيعيًّا، وإما بعيدًا، وإما مشكلة ثانوية.
كما أشار عمال الدفاع المدني في أعزاز إلى هذه النقطة، مفسرين: “نعتقد أن بعض السكان قد حاولوا إخفاء إصابتهم خوفًا من الحجر الصحي أو تأخير عملهم أو الابتعاد عن حياتهم”. ورجحوا أيضًا أن هناك انعدامًا في الوقاية بين النازحين في المخيمَين بسبب عدم وجود أي إشراف أو مصادر وقائية كافية.
أظهرت مجموعة شابة في المخيمَين وعيًا دفعها إلى محاولة توفير الوقت لمساعدة السكان على مقاومة الفيروس
تتطلب جهود التوعية والترصد للوباء والإشراف على السكان وجود الحكومة المفقودة في هذين المخيمَين، حيث نجدهما غير مغطيَين بنقاط طبية للاستجابة السريعة أو قسم للحجر الصحي، مع غياب للمنظمات الطبية الإغاثية أيضًا.
وتبعد أقرب نقطة طبية عن المخيمَين حوالي 7 إلى 10 كيلومترات، وهذه المستشفيات غير قادرة على توفير العلاج من الفيروس. حيث أكد مسؤولون أنه حتى المستشفيات التي اعتبرها النازحون في المخيمَين الوجهة الأولى لتلقي العلاج، لا تملك الإمكانات لتقديمه، فهي فقط مسؤولة عن توفير الحجر الصحي فقط.
واجه المخيمان إهمالًا وعمليات توزيع ضعيفة ممن جاء لتقديم الأقنعة الطبية، حيث نجد مجموعات أعربت عن أنها لم تحصل على أي شيء على الإطلاق. وقال آخرون إنه إذا جاء أحدهم ووزع الأقنعة، فإنهم يكتفون بتوزيعها على الأطفال فقط، وإذ بهم بعد ساعات يجدون هذه الأقنعة على الأرض، ما دفع العديد من الأشخاص إلى جمع الأقنعة الطبية من الأرض. حيث قال مختصون في وحدة تنسيق الدعم، أثناء حديثهم عن أوضاع المخيمات العشوائية في شمال غرب سوريا خلال هذا الوباء: “علمنا أن بعضًا من سكان المخيمات كانوا يأخذون أقنعة من الأرض ويغسلونها لإعادة استخدامها مرة أخرى، في محاولة للوقاية من الفيروس”.
وبالتطرق الى النقاط التي أظهر فيها المواطنون اهتمامًا نحو الفيروس، كان الاعتقادُ بأن الوضع الحالي والمشاكل المحيطة بهم تعتبر أصعب وأهم من هذا الفيروس، ذا تأثير واضح؛ ما ترك الاستجابة لإجراءات الوقاية أمرًا ثانويًّا دائمًا. كما قالت زينب: “نتحدث باستمرار عن الفيروس، ونحاول الجلوس على الطعام بشكل منفصل لتجنب الازدحام، لكنني لن أفترض في كل مرة أصاب فيها بنزلة برد أني أصبت بالفيروس، إنها مجرد نزلة برد، انظروا إلى الحالة التي نعيش فيها، تحتنا ماء وفوقنا ماء أيضًا”.
ومن منظور احتواء شبابي لهذه العقبة الجديدة، ودون الوقوع في قوقعة المعلومات المضللة والموارد المفقودة، أظهرت مجموعة شابة في المخيمَين وعيًا دفعها إلى محاولة توفير الوقت لمساعدة السكان على مقاومة الفيروس. حيث قال مجد إنه يقضي وقته في مطاردة الأطفال وتحذيرهم من الازدحام وعدم ملامسة بعضهم أو أي شيء غير معروف المصدر أثناء اللعب، مؤكدًا أنه حريص على تزويد الجميع من السكان، جيرانه وأقاربه، بمعلومات عن كيفية حماية أنفسهم أثناء الخروج وضرورة ذلك.
وعلى الرغم من أن سكان المخيمَين يواجهون مشكلات في إمدادات المياه الكافية، لأنهم يعتمدون على مصدر مياه مشترك معبأ في خزانات متوسطة الحجم في بعض نقاط المخيمَين، بالإضافة الى أنها تقع في أماكن شديدة التعرض للتلوث، كما أنه لا توجد أدوات تعقيم أخرى لتعمل على تغطية نقص المياه؛ إلا أن مجد تابع أنه يولي اهتمامًا وثيقًا لمسألة النظافة ويتأكد من أن كل شيء من حوله نظيف وسليم للاستخدام. كما ذكر أنه شارك في توزيع الكمامات على السكان رغم أنها لم تكن كافية، ولم يدم استخدامها طويلًا.
أوضاع النازحين واللاجئين والمهاجرين في المخيمات بشكل عام سيئة، والآن مع الوباء أصبحت أسوأ بلا شك
أما خالد، فيعتبر أن الفيروس خطير جدًا. و قام بمشاركة تجربته مع أحد السكان الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس، قائلًا إنه حرص على إبلاغ الدفاع المدني للقدوم وعزله عن المخيم، وأوضح أنه في حالة إصابته لن يتردد عن عزل نفسه عن السكان، حتى يتمكن من التوجه إلى منطقة الحجر الصحي وسط حلب.
أوضاع النازحين واللاجئين والمهاجرين في المخيمات بشكل عام سيئة، والآن مع الوباء أصبحت أسوأ بلا شك، لكن الرقابة والمتابعة التي تفرضها الدول التي تستضيف مخيمات اللاجئين تساهم في منع انتشار الفيروس. وبالنظر إلى عدم وجود رقابة في المخيمات العشوائية غير المسجلة في سوريا، يمكننا القول إن الوضع أسوأ بكثير من المخيمات التي تراقبها الحكومة والمختصون في دول أخرى.
إن النظر إلى مخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة مثل تركيا يمكن أن يسلط الضوء على الاختلاف، حيث يوجد التزام ملحوظ بين اللاجئين باتّباع القوانين الحكومية التي تفرض تدابير وقائية صارمة، حيث إن ارتداء القناع الطبي أمر إلزامي.
قالت دلال، وهي من سكان مخيم البالي للاجئين في كيلس، إن المسؤولين في المخيم يراقبون التجمعات ويمنعونها بشدة أيضًا.
علاوة على ذلك، خلال محادثة مع عامل في مخيم البالي للاجئين في كيلس، أشار إلى أنه يوجد داخل المخيم نقاط طبية وقسم للحجر الصحي، على عكس المخيمات العشوائية في الشمال.
العديد من الدول قد بدأت التطعيم بالفعل، ولكن من المرجح أن يستمر الوباء حتى نهاية العام الحالي أيضًا، وفقًا لما جاء من منظمة الصحة العالمية، خصوصًا أن التطعيم قد يستغرق وقتًا طويلًا. نجد أن لدى وحدة تنسيق الدعم خططًا لبدء التطعيم في هذا العام للكوادر الطبية والمرضى المصابين بأمراض مزمنة في شمال غرب سوريا، لكن لم يتم وضع خطط قريبة لهذين المخيمَين أو المخيمات العشوائية الأخرى، وأضافت أنه ليس من الواضح ما إذا كان سيتم استهداف المخيمات في أي وقت قريب. لذلك من المتوقع أن هذه العقبة قد تأخذ مجرى أطول في المخيمات العشوائية، نتيجة الانعزال والإهمال اللذين تعيش وسطهما.