ترجمة وتحرير نون بوست
بينما تكافح وسائل الإعلام الغربية بنشاط ضد العنصرية واضطهاد الأقليات، أصبحت وسائل الإعلام المصرية من أدوات قمع النوبيين الذي يعتبرون من الأقلية المضطهدة بالفعل في مصر.
قال المحامي الموالي للسيسي مرتضى منصور خلال مقابلة تلفزيونية سنة 2016: “أنت خادم وبواب” متحدثا حينها عن أحمد المرغني، لاعب كرة قدم من بلاد النوبة، ونعته بشكل أكثر تحديدا بـ “البواب“ – وهو مصطلح عنصري يُستخدم غالبا للإشارة إلى أصحاب البشرة السمراء في مصر. وأضاف منصور أن المرغني لم يكن سوى بواب، مما أشعل فتيل النزاع على الصورة النمطية التي تروّج لها وسائل الإعلام المصرية بأن النوبيين لا يتناسبون إلا مع “الوظائف المتدنية”. هذه هي محنة النوبيين في مصر. رمن جهته، انتقد محمد عزمي، المحامي النوبي ورئيس مركز الحدود للدعم والاستشارات، ممارسات وسائل الإعلام المصرية التمييزية تجاه النوبيين.
قال محمد عزمي لموقع “ميديا دايفيرسيتي”: “لماذا تقوم وسائل الإعلام المصرية بتصوير النوبيين بأنهم لا يستحقون سوى الوظائف المتدنية؟ هذه جريمة في الدول الغربية. تروج وسائل الإعلام في مصر للتمييز ضد النوبيين”.
كان النوبيون فيما مضى مجتمعا مزدهرا، وهم من السكان الأصليين الذين يعيشون في جنوب مصر. ويمكن مقارنة تاريخهم بتاريخ الأمريكيين الأصليين والسكان الأصليين لأستراليا. منذ بداية القرن العشرين، عانى النوبيون من الإهمال والاستغلال الشديد على مرأى ومسمع الحكومة المصرية، وانحدروا إلى عيش واقع مرير.
واجه النوبيون التشرد وفقدان المنازل عدة مرات بسبب بناء خزان أسوان والسد العالي على نهر النيل. أُجبر الكثير منهم على ترك منازلهم ونُقلوا إلى منطقة نصر النوبة حيث الظروف القاسية والأرض القاحلة والبنية التحتية غير المتطورة. ويشكل النوبيون اليوم ثلاثة بالمئة فقط من إجمالي سكان مصر.
حسب مسعد هركي، رئيس مجلس إدارة المؤسسة المصرية النوبية للتنمية، فإن “النوبيين ليس لديهم مطالب، لدينا حقوق. لقد عانى النوبيون كثيرا. غادرنا موطننا الأصلي من أجل مصر لبناء خزان أسوان والسد العالي سنة 1964”.
عانى المصريون من حكم استبدادي لسنوات. وقد ولّد هذا الأمر النزعة الفردية والتعصّب بين السكان. تسبب هذا التفكير المثير للانقسام في تزايد العداء والحقد تجاه “الآخرين”، أي تجاه أي شخص يختلف عما نعتبره “طبيعيا” أو “تقليديا”. وكانت إحدى نتائج ذلك زيادة العنصرية تجاه النوبيين بسبب مظهرهم أو ولغتهم التي يعتقد غالبية المصريين بأنها لا تمثّل”المصري العادي”.
أكّد عزمي “نحن فخورون بثقافتنا ولغتنا ولون بشرتنا. ولا يحتاج النوبيون إلى إثبات أنهم مصريون لأننا مصريون”.
تعرض النوبيون لعقود للعنصرية والتهميش الثقافي والتمييز الذي روج له الإعلام المصري وصناعة الترفيه. وأظهر بحث نُشر في سنة 2018 شمل 60 فيلما و30 حلقة حوارية و35 تغطية صحفية أجراه مركز “بوردرز” للدعم والاستشارات، أن وسائل الإعلام المصرية قدمت تقارير مضللة بشكل صارخ حول القضايا النوبية في سنة 2017، ناهيك عن أنه لم يقع الإبلاغ عن قضايا التمييز والعنصرية تجاه النوبيين بشكل كبير.
يرى عزمي أن “هذا النهج منظم من قبل كل من الدولة ووسائل الإعلام ضد النوبيين. لقد عملوا لعقود على إذلال النوبيين والتمييز ضدنا على أساس لون البشرة والثقافة”.
في الشهر الماضي فقط، وفي أعقاب خطاب السيسي حول الترويج لوسائل منع الحمل في مصر، اقترح تامر أمين، وهو مراسل تلفزيوني مؤيد للنظام، أن المصريين الشماليين (بما في ذلك النوبيين) “قاموا بتربية العديد من أطفالهم ليكونوا خدما”. على الرغم من أن هذه الحادثة قد أثارت غضبًا شعبيًا أدى إلى إجبار أمين على الاعتذار، إلا أن كلمات قاسية كهذه من قبل شخصيات بارزة في محط أنظار وسائل الإعلام أدت إلى تطبيع العنصرية ضد الأقليات وتهميشهم.
من الواضح أن طريقة تصوير النوبيين والشخصيات السوداء في الأفلام والمسلسلات المصرية تعكس عقلية عامة الشعب. لعقود من الزمان، تم تحويل النوبيين إلى شخصيات كاريكاتورية في عالم التلفزيون والأفلام. وأصبح من العرف إلقاء النكات على لغتهم ولهجاتهم ولون بشرتهم.
يعتقد عزمي أن القنوات التلفزيونية تمتنع عن توظيف المراسلين النوبيين بسبب بشرتهم الداكنة. كما ساهم الإعلام المصري في ترسيخ الصور النمطية الكاذبة لتصبح خصائص مميزة للنوبيين إلى حد كبير. وأضاف قائلا: “لا شك أنه يوجد تمييز إعلامي ضد النوبيين. تقوم وسائل الإعلام المصرية وصانعو الأفلام بتصوير النوبيين على أنهم خدم وبوابون وسود. وهذه عنصرية”.
في حديث له عن النظام، سلّط هركي الضوء على دعم النوبيين للرئيس السيسي: “لقد دعمنا الرئيس السيسي منذ يومه الأول في المنصب. نحن نتفهم الوضع الحرج الذي واجهته مصر في العقد الماضي، وندعم البلاد بالكامل ونقف متضامنين مع النظام المصري”.
مع ذلك، لم يتردد هركي في الإعراب عن خيبة أمله بشأن كيفية تجاوب النظام مع الدعم: “تعامل معنا النظام بشكل مختلف. في السنة الماضية، طلبت وزارة العدل من بعض النوبيين التوقيع على استمارة تعويض للحصول على أموال أو ممتلكات في محافظة أخرى ومغادرة أراضي النوبة. عندما تصبح الدولة قوية، لا يصح أن تتشدد مع شعبها أو تتجاهل حقوقه. وأعتقد أن وسائل الإعلام متخوفة من مناقشة حقوق النوبيين الآن”.
لكن لعزمي وجهة نظر مخالفة لما قاله هركي، إذ يرى أن “نظام السيسي يعد الأسوأ بالنسبة لنا. لقد اعتقلوا العديد من النشطاء النوبيين في سنتي 2016 و2017. وعلى الرغم من أن المادة 236 من الدستور المصري تفيد بحق النوبيين في العودة إلى وطنهم الأصلي، إلا أن النظام الحالي يواصل استهداف النشطاء النوبيين وتجاهل حقوقنا”.
لقد أدى التهجير المستمر للنوبيين والقمع المنهجي والاضطهاد الثقافي إلى انحسار ثقافة غنية أخرى. كما أن اللغة النوبية آخذة في التلاشي نتيجة لانحلال الهوية النوبية. وفي هذا الصدد، قال هركي: “لقد وجّهت عدة طلبات إلى الدولة وإلى بعض الجامعات المصرية لتدريس اللغة النوبية، لكنها – مع الأسف – رفضت ذلك”.
من المحزن أنه لا يمكن للشباب النوبيّ اليوم التحدث بلغته الأم. ويمكن تصنيف ذلك في سياق العنصرية الثقافية، حيث يتفوق شعب لغة واحدة (العربية في هذه الحالة) على لغة أخرى (النوبية). ويعد هذا تهديدا خطيرا لبقاء الثقافة والجماعة النوبية المتقلصة بالفعل.
في إشارة إلى أفكارهم حول ما يأملون أن تفعله الحكومة للنوبيين، اختلف هركي وعزمي مجددا. حيث قال هركي: “يجب أن تتحدث وسائل الإعلام عنا بشكل أكبر، وأن تمنحنا مساحة أكبر للتعبير عن أفكارنا. وأتمنى أن يدعم النظام حقوقنا ويتفهم مطالبنا”. من جهته، قدم عزمي نظرة أقل تفاؤلا: “لا أستطيع أن أصف ما تفعله وسائل الإعلام بأنه جهل بحقوق النوبيين بل هي عنصرية وتمييز. يقوم الإعلام بإذلالنا، والحكومة تدعم هذه السياسات الإعلامية وتغض الطرف عن شكاوى النوبيين”.
في جميع أنحاء العالم، تتمتع وسائل الإعلام بالقدرة على توجيه الرأي العام. لكنها تتحمل أيضا مسؤولية نقل الحقائق دون انحياز للسياسة اليمينية، بالأخص إذا كان ذلك على حساب مجموعة أو فئة مجتمعية معينة. وبينما تكافح وسائل الإعلام الغربية بنشاط ضد العنصرية وقمع الأقليات من خلال إطلاق حركات على غرار “حياة السود مهمة”، أصبح لوسائل الإعلام المصرية دور أساسي في قمع السكان النوبيين المضطهدين بالفعل في مصر.
المصدر: ميديا دايفرسيتي