ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل 18 سنة، تصارع محمود عباس، رئيس الوزراء الفلسطيني آنذاك، على السلطة مع الزعيم الفلسطيني الشهير ياسر عرفات. كانت السيطرة على قوات الأمن الفلسطينية الحيوية لخطة سلام إسرائيلية فلسطينية بوساطة أمريكية، التي تُعرف باسم خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط، على المحك. اختلف عرفات وعباس حول أي منهما سيسيطر على هذه القوات، وأصبح عباس محبطا بشكل متزايد بسبب عدم رغبة عرفات في التنازل له عن أي سلطة. وأثر التنافس سلبا على عملية السلام – الجامدة الآن – وأدى إلى انقسام داخل حركة فتح في الضفة الغربية.
في سنة 2021، يترأس عباس السلطة الفلسطينية – وهو المنصب الذي شغله لأكثر من 15 سنة بعد انتخابه لولاية مدتها أربع سنوات فقط في سنة 2005 – بينما ينتظر الفلسطينيون بفارغ الصبر انتخابات يمكن أن تختم أخيرا مصيره. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيقع السماح بإجراء الانتخابات في أيار/ مايو، تموز/ يوليو، وآب/ أغسطس. (القرار منوط بعهدة كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية). لكن في غضون ذلك، يواجه عباس تحديًا من ابن شقيقة الرجل نفسه الذي كان على خلاف معه قبل عقدين.
إن ناصر القدوة ليس اسمًا مألوفا في الأراضي الفلسطينية، لكن قراره الأخير بتأسيس حركة سياسية جديدة يلفت الأنظار. إن الملتقى الوطني الديمقراطي، الذي يعمل تحت شعار “بدنا نغيّر، بدنا نحرّر، بدنا نعمّر” ، قد اجتذب الفلسطينيين من جميع الفئات في الدعوة إلى وضع حد للفساد المستشري والمحسوبية التي ابتليت بها تاريخيا السلطة الفلسطينية. وتؤكد الجماعة أنها ليست فصيلا أو حزبا، بل هي حركة سياسية متميزة تدير قائمة انتخابية.
في 31 آذار/ مارس، انضم الملتقى الوطني الديمقراطي إلى المناضل المسجون مروان البرغوثي للترشح كقائمة مستقلة – تسمى “الحرية” – للانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع عقدها في 22 أيار/ مايو. البرغوثي هو مسؤول مخضرم في حركة فتح لعب دورا قياديا في الانتفاضة الثانية ويقضي حاليا خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة في إسرائيل بتهمة التخطيط لهجمات مميتة ضد إسرائيليين. في استطلاع تلو الآخر أُجري في الأراضي الفلسطينية، أظهر البرغوثي صاحب الشخصية الجذابة باستمرار أنه – إذا خاض الانتخابات الرئاسية للسلطة الفلسطينية – سيفوز.
أثار التحالف حفيظة عباس الذي يحكم بمرسوم ودون إشراف برلماني منذ سنة 2007 ويخشى أن تهيمن قائمة انتخابية معدلة على حركة فتح. على وجه الخصوص، يريد الرئيس البالغ من العمر 85 سنة تجنب تكرار خسارة الحزب المؤلمة في سنة 2006 أمام حركة حماس. وهو يعتقد أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كانت حركة فتح متحدة وقوية.
قائمة “الحرية” التي يرأسها القدوة وفدوى البرغوثي، المحامية وزوجة مروان البرغوثي، ليست القائمة المنفصلة الوحيدة عن حركة فتح التي تنافس قائمة عباس الانتخابية التقليدية. في الواقع، سيتعين عليه كذلك مواجهة قائمة “المستقبل” التي يرعاها محمد دحلان، المسؤول الأمني السابق لحركة فتح في غزة الذي يعيش حاليا في المنفى في الإمارات العربية المتحدة. ويلقي عباس باللوم على دحلان في فشله في وقف سيطرة حماس على قطاع غزة خلال سنة 2007، والذي طرد من حركة فتح في 2011 بعد اتهامات بالاختلاس. ومنذ ذلك الحين وهما يتراشقان الاتهامات بالفساد.
أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله أن قوائم القدوة ودحلان يمكن أن تشكل مشاكل كبيرة لحركة فتح، لا سيما في قطاع غزة. لكن النضال الناشئ ليس سوى أحدث دليل على اختلال وظيفي أوسع داخل الحزب، الذي تراكم لسنوات.
في هذا الصدد، قال خالد الجندي، وهو زميل أول في معهد الشرق الأوسط، إن “قرار القدوة بتشكيل قائمة مستقلة هو علامة على الاستياء الشديد داخل حركة فتح من اتجاه قيادة عباس ومن قبضته الاستبدادية وجنون العظمة”.
ولد القدوة سنة 1953 في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. درس طب الأسنان في القاهرة وأصبح ناشطا سياسيا كرئيس للاتحاد العام لطلبة فلسطين في مصر – والذي كان بمثابة منصة انطلاق للعديد من السياسيين الفلسطينيين الذين استمروا في شغل مناصب مهمة في منظمة التحرير الفلسطينية أو حركة فتح.
خلال فترة عمله في الاتحاد، أصبح القدوة عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم البرلمان الفلسطيني في المنفى. انضم لاحقًا إلى المجلس المركزي الفلسطيني – الهيئة الوسيطة بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
يرتبط القدوة بحركة فتح منذ أواخر الستينات وتدرج في المناصب في صفوفها بهدوء دون إثارة أي خلافات كبيرة مع قادة فتح الآخرين. ووقع انتخابه لعضوية المجلس الثوري لحركة فتح في سنة 1989 وأصبح عضوا في أعلى هيئة لصنع القرار في الفصيل – اللجنة المركزية – في سنة 2009، حتى طرده في آذار/ مارس 2021.
حافظ القدوة على علاقات شخصية وثيقة مع خاله ياسر عرفات حتى وفاته في سنة 2004، عندما أسس القدوة مؤسسة ياسر عرفات وتولى زمامها. لقد مهّد عرفات الطريق لعمل القدوة الدبلوماسي: ففي سنة 1986، عين القدوة مساعدا للمندوب الدائم لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة.
أصبح اسم القدوة مرادفا لوجود فلسطين في الأمم المتحدة من سنة 1991 حتى سنة 2005، عندما عمل كمبعوث دائم واكتسب سمعة كمؤمن قوي بقوة القانون الدولي لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. كمبعوث، ترأس القدوة وفد فلسطين إلى محكمة العدل الدولية، حيث رفع قضية ضد الجدار العازل الإسرائيلي. في سنة 2004، أصدرت المحكمة قرارا أعلنت فيها عدم شرعية الجدار.
شغل القدوة منصب وزير الخارجية الفلسطيني لبضعة أشهر بين سنتي 2005 و2006. وقد لاحظ أولئك الذين راقبوه وهو يعمل في الأوساط الدبلوماسية دوره الملحوظ في اللجان المكلفة بإيجاد حلول لمختلف الأزمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
منذ سنة 2007، شغل القدوة عدة مناصب دبلوماسية رفيعة المستوى، بما في ذلك منصب نائب المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن سوريا، حيث كان يساعد الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي عنان، في ممارسة مهامه. كما شغل منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في أفغانستان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان. الآن، ينصب تركيزه على الجبهة الداخلية.
منذ 2005 و2006، لم تجر السلطة الفلسطينية انتخابات رئاسية أو تشريعية. كما أن حوالي 40 بالمئة من الفلسطينيين يشكون في إمكانية تنظيم انتخابات جديدة في الربيع والصيف. لكن هذا لم يمنع البعض من دعم الحركة الجديدة التي أسسها القدوة، التي تعتمد بشكل كبير على دعم العاملين في المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والكتاب وأعضاء فتح الناقمين والحركات اليسارية الصغيرة الأخرى، فضلا عن المستقلين.
في الأسابيع الأخيرة، عقد الملتقى الوطني الديمقراطي منتديات سياسية افتراضية عبر تطبيق “زوم” لمناقشة برنامجه السياسي، بحضور ما يصل إلى 300 فلسطيني، بمن فيهم أنا. ويعتقد القدوة أن الحركة الجديدة هي نتيجة ثانوية لرؤيتهم الجماعية.
قال ناصر القدوة لمجلة فورين بوليسي: “هذه هي رؤية الملتقى الوطني الديمقراطي. لقد ساهمت فيها بشكل كبير، لكنها ليست رؤيتي الشخصية. كان يمكن لأي شخص أن يعترض على أي شيء، وقد أجرينا مناقشات مطولة داخل الجمعية واللجنة التي عُهد إليها باللغة ونصوص البيان”.
يعتبر برنامج المجموعة نقيض ما تبنته السلطة الفلسطينية. يطالب “الملتقى الوطني الديمقراطي” بإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وهو ما يأمله من خلال محاربة الفساد وإعادة بناء الجهاز الأمني والإداري للأراضي الفلسطينية والالتزام بسيادة القانون وتنظيم انتخابات دورية.
أما هدف الحركة بعيد المدى فهو تحقيق التحرير الوطني للفلسطينيين في ظل حل الدولتين على طول الخط الأخضر لسنة 1967. وهنا، يسعى الملتقى الوطني الديمقراطي – الذي يعارض المشروع الاستيطاني الإسرائيلي – إلى العودة إلى نفس خطة السلام التفاوضية القائمة على المعايير التي قبلها المجتمع الدولي خلال الثلاثين عامًا الماضية.
إلى جانب قضية الاحتلال، قال القدوة إن الملتقى الوطني الديمقراطي سيركز على تحسين جميع جوانب الحياة الفلسطينية، من الرعاية الصحية إلى التعليم والبيئة. كما ستدعم الحركة توسيع نطاق حرية التعبير للأفراد والمؤسسات الإعلامية. وتتمثل إحدى أولوياتها الرئيسية أيضًا في تعزيز المساواة بين الجنسين وضمان حصول المرأة على فرص عادلة في التعليم والعمل.
يعتقد ناصر القدوة أن هناك حاجة إلى إصلاح شامل للنظام السياسي الفلسطيني، خاصة أن الفلسطينيين سئموا من عقود من محادثات السلام العقيمة التي لم تؤد إلا إلى مزيد إحكام قبضة إسرائيل على أراضيهم. كما يرى أن الجهود الشعبية للدفاع عن القرى الفلسطينية التي تتعرض أراضيها لخطر المصادرة الإسرائيلية هي وسيلة للمضي قدمًا ويؤيّد حظر عمل الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية. وفي الوقت الراهن، لا توجد سياسة رسمية للسلطة الفلسطينية بشأن هذه القضية الأخيرة: فقد غضت السلطة الفلسطينية الطرف إلى حد كبير عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين العاملين في المستوطنات لأنها لا تستطيع توفير بديل لهم.
قال ناصر القدوة إن هذا النهج سيوائم السياسة الوطنية الفلسطينية بشكل وثيق مع اتفاقيات جنيف، مما يسهل متابعة القضايا المرفوعة ضد إسرائيل بموجب القانون الدولي وحشد الدعم من الدول الأخرى. وفي مؤتمر صحفي افتراضي عُقد يوم 22 آذار/ مارس، أفاد ناصر القدوة بأنه “دون تحدي الاستعمار الاستيطاني، لن يكون هناك استقلال وطني. وسيكون هناك فقط مفاوضات عقيمة”.
على أرض الواقع، من غير المؤكد ما إذا سيترجم هذا التحدي بالفعل إلى دعم في صناديق الاقتراع. ولكن حسب استطلاع أجري مؤخرًا تبين أنه إذا أجريت الانتخابات اليوم، فإن قائمة موحدة لحركة فتح سوف تفوز بنسبة 43 في المئة من الأصوات. وستفوز قائمة يرأسها دحلان بنسبة 10 في المئة، في حين سيصوت 7 في المئة من الفلسطينيين لصالح قائمة مستقلة يقودها ناصر القدوة. سيسحب الرجلان الأصوات من قائمة فتح الرسمية، مما يمنح الحزب 30 في المئة من الأصوات. والآن، بعد أن دعم البرغوثي قائمة القدوة، يتوقع الاستطلاع أن يرتفع التأييد لقائمة “الحرية” إلى 11 في المئة، مما يخفض حصة فتح في التصويت إلى 28 في المئة فقط.
تأتي محاولة القدوة للترشح ضمن قائمة مستقلة بثمن باهظ. ما بدأ كتهديد تضاعف بعد طرده من اللجنة المركزية لحركة فتح. كما تم تجريده من مهامه كرئيس لمؤسسة ياسر عرفات – في انتهاك واضح للقوانين الداخلية لكلا المؤسستين، كما يقول مراقبون.
حسب الجندي فإن “السرعة التي انتقم بها عباس ضد القدوة تُظهر عدم قدرته على قبول أي شكل من أشكال المعارضة أو الانشقاق أو التحدي من داخل فتح. إلى جانب ذلك، فإن الصدع داخل فتح وجمود عباس يمكن أن يعرقل بسهولة أو على الأقل يؤجل الانتخابات المخطط لها ويهدد بتشتت الحركة”.
في كانون الثاني/ يناير، مع ظهور شائعات بأن القدوة سيدير برنامجاً مستقلاً، هدد عباس “بإطلاق النار” على أي شخص من فتح يبتعد عن الخط الرسمي للحزب. وكرر تهديده لناصر القدوة مباشرة بعد استدعائه للمقر الرئاسي في شباط/ فبراير، لكن القدوة لم يتراجع. وأعقب ذلك سلسلة من الأعمال الانتقامية: طرد عباس القدوة من اللجنة المركزية لحركة فتح وأوقف كل التمويل من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لمؤسسة ياسر عرفات، بل وسحب عناصر الأمن المخصصين لحراسة القدوة والسيارة الحكومية التي يستخدمها في الأعمال الرسمية.
يعترض القدوة على قرار طرده، الذي يعتقد أنه غير قانوني ويتعارض مع اللوائح الداخلية للجنة المركزية لحركة فتح. وقال القدوة لمجلة فورين بوليسي: “لم تطردني فتح. نحن لم نر نهاية هذه القصة. أنا أنتمي إلى هذه الحركة وأنا فخور بذلك وسأستمر في التمسك بهويتي في فتح وعضويتي في فتح على الرغم مما حدث”.
كانت القشة التي قصمت ظهر البعير طرده من المؤسسة التي يرأسها تكريما لخاله ووالد الحركة الوطنية الفلسطينية مؤسسة ياسر عرفات، وهي خطوة وصفها البعض بأنها غير شرعية.
تعليقا على ذلك، قال هاني المصري، الخبير السياسي المعروف وعضو مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات: “للمؤسسة مجلس أمناء مسؤول عن اختيار مجلس الإدارة ورئيسه”. وندد المصري، وهو أيضا جزء من قائمة “الحرية” الانتخابية، بقرار استبعاد القدوة كإجراء انتقامي. وأضاف المصري: “ما يحدث هو جزء من سلسلة العقوبات التعسفية بسبب الخلافات السياسية والمنافسة في الفترة التي تسبق الانتخابات، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن مدى احترام حرية ونزاهة الانتخابات ونتائجها”.
مع عودة عباس من ألمانيا لإجراء ما وصفه مكتبه بالفحص الطبي “الروتيني”، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الصراع على السلطة داخل فتح سيدفعه إلى إلغاء الانتخابات المقبلة – كما فعل في الماضي. وهي خطوة سياسية مكلفة، قد يضطر عباس من أجل تنفيذها إلى الاعتماد على إسرائيل للتدخل. وحتى الآن، ألغت السلطات الإسرائيلية اجتماعا متعلقًا بالانتخابات في القدس الشرقية واعتقلت بعض أعضاء حماس في الضفة الغربية الذين فكروا في الترشح.
من جهته، يعتقد ناصر القدوة أن الانتخابات يجب أن تجري مهما حدث: “يمكن أن تكون الانتخابات أداة للتغيير. والتغيير يمكن أن يحدث إما من خلال نزول الناس إلى الشوارع أو بشكل ديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع”.
المصدر: فورين بوليسي