ترجمة وتحرير نون بوست
أصبحت محنة بلدة عين العرب (كوباني) محط أنظار العالم وسط الدمار والبؤس في سوريا، ومع كل يوم يزداد إرهاب الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) استقرارًا في البلاد.
حريّ بنا أن نتذكر أن كوباني لم تكن الهدف الأول لداعش، فقد اجتاح المتطرفون البلاد من أعزاز في سوريا إلى كركوك في العراق، وتمامًا كما طردوا الأكراد من كوباني، طردوا وقتلوا وأرهبوا التركمان من تشوبان باي على الحدود التركية، قصص الرعب لدى العرب في الرقة ودير الزور والموصل، ولدى اليزيديين في جبال سنجار، ولدى المسيحيين في حلب، كلها توازي ما يحدث في كوباني وحشية.
مع حدود طولها 1295 كم مع سوريا والعراق، هذا الخطر تشعر به تركيا بشكل أكثر حدة من أي بلد آخر، إنها مسألة أمن قومي عظمى أن نرى التطرف يختفي من الدول المحيطة بنا نحن مستعدون وقادرون على القيام بدورنا لتحقيق هذه الغاية، فنحن ندرك فاتورة الإرهاب، ستكون تركيا دائمًا على الخطوط الأمامية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك ذلك الخطر الجديد.
لقد فتحنا حدودنا واحتضننا جميع هؤلاء الذين هربوا من كوباني والذين رغبوا في اللجوء لتركيا، قدمنا كوباني بكل المساعدات الإنسانية الممكنة، وتعاوننا بشكل كامل مع التحالف الدولي، وسهلنا أيضًا مرور قوات البشمركة الكردية من العراق إلى كوباني، وسنواصل إسهامنها في إنقاذ المدينة حتى يعود سكانها إلى ديارهم.
لكن ما بعد كوباني يتطلب إجراءات فعالة واستراتيجية واضحة، على الجميع أن يكون مستعدًا للقيام بدوره، ولا ينبغي أن يُترك طرف واحد فقط لتحمل التبعات، داعش هي نتاج شر أكبر، لا نتحدث فقط عن الأرض الخصبة التي وفرها عدم الاستقرار في سوريا، لكن أيضًا بسبب ما فعله النظام السوري، لقد كان النظام هو الراعي الأول لداعش، وكانت نيته هو أن يقضي على المعارضة السورية، جنبًا إلى جنب مع المطالب المشروعة للشعب السوري، لكن خطة بشار الأسد جاءت بنتائج عكسية، نمت داعش خارج نطاق السيطرة، إذ غذتها الأسلحة والمناطق التي سيطروا عليها من العراق.
في كوباني، قُتل قرابة 400 شخص خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، في سوريا، قُتل أكثر من 200 ألف شخص منذ اختار النظام شن حرب ضد شعبه، منذ أكثر من ثلاث سنوات. لم يتردد النظام في استخدام المدفعية الثقيلة ضد الأحياء المدنية، أو أن يقصف أرضه بصواريخ باليستية، لقد أصبحت الهجمات بقنابل البراميل جزءًا من الروتين اليومي للسوريين، لقد استخدم النظام أيضًا الأسلحة الكيميائية. طالما بقي هذا النظام؛ لن تكون سوريا مستقرة وآمنة، وسيستمر العنف والإرهاب في الظهور والنمو، النظام لن يتورع عن استخدام أي وسيلة من شأنها أن تبقيه في السلطة، ولابد من معالجة الأسباب الجذرية لذلك.
مطلوب إجراءات حازمة وشاملة، من ضمنها فرض منطقة حظر طيران مع مناطق آمنة في سوريا لحماية مواطنيها، دون ذلك، فإن أي عملية لن تكون كافية للقضاء على التهديدات الحالية.
مع الأسف الشديد، لم يستمع أحد لتحذيراتنا الماضية من النتائج المحتملة لما يحدث في سوريا والعراق، في سوريا، يجب أن يكون الهدف هو جعل النظام يدرك عدم وجود حل عسكري للصراع، النظام يجب أن يدخل في مفاوضات جادة لانتقال سياسي حقيقي وشامل من شأنه أن يؤدي إلى تغيير سياسي حقيقي على النحو الذي دعمه مؤتمر جنيف في 2012.
في العراق، يجب أن يكون الهدف هو ضمان عدم تكرار أخطاء الحكومة السابقة، كانت داعش قادرة على مثل هذا التقدم السريع على الأرض بسبب البيئة التي خلقتها السياسات القمعية والطائفية على مدار العقد الماضي، وبينما تستلم الإدارة الجديدة مهامها، لدينها فرصة لإنهاء الطائفية وأسبابًا تدعو للتفاؤل.
وفي هذه الأثناء، سنبقى متيقظين لاحتياجات الشعب السوري والعراقي، مساعدة تركيا للشعبين غير مسبوقة، عدد السوريين الذين فروا إلى تركيا من جميع الخلفيات العرقية والدينية في ارتفاع مستمر ويقتربون الآن من 2 مليون شخص، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، وصل أكثر من 200 ألف سوري إلى تركيا قادمين من كوباني.
هذا العبء تم تقديره من قبل القوى الدولية بالكلمات لا بالأفعال، لقد بلغت التكلفة حتى الآن أكثر من 4 مليار دولار، ولا يمكن لتركيا أن تواصل العمل كما لو كانت الأمم المتحدة، التعامل مع المحنة السورية مسئولية جماعية، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي، وهذا أصبح حتميًا.
هذا هو التحدي الخطير الذي يواجه العالم بأسره، يجب إنهاء تلك اللامبالاة القاسية، يجب أن نتعامل وجهًا لوجه مع التهديدات التي تمثلها سوريا والعراق، ويجب على العالم ألا يسمح للنظام السوري بالاستمرار في السخرية من القانون والنظام الدوليين.
التاريخ يُبنى على هذه الأحداث، ويمكن دومًا للخير أن ينتصر، لكن يجب علينا أن نساعد في هذا الاتجاه.
المصدر: الغارديان