فندت تركيا كل الادعاءات التي تحدثت عن وجود اتصالات بينها وبين حركة رشاد المحظورة في الجزائر والمصنفة كتنظيم متشدد، مؤكدة حرصها على الرقي بشراكة البلدين الاستراتيجية إلى أبعد الحدود عبر مبدأ عدم التدخل في الشأن الداخلي الجزائري.
وجاء الرد أيضًا من الجزائر لتأكيد حسن العلاقات التي تجمع البلدين، بتوقيع الرئيس تبون على اتفاقية تعاون مع تركيا في مجال النقل والملاحة البحرية، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات إن أصبحت الشراكة بين البلدين تزعج أطرافًا أخرى إلى حد جعلها تروّج لافتراءات لا أساس لها من الصحة، مثلما أكدت السفارة التركية في الجزائر.
نفيٌ قاطع
كذّبت السفارة التركية في الجزائر في بيان رسمي ما جاء في صحيفة الخبر بشأن احتضان أنقرة لعناصر من حركة رشاد، المصنفة على أنها تنظيم متطرف معادٍ للجزائر.
وجاء في بيان السفارة التركية أن “الادعاءات بأن تركيا تحاول التدخل في المشهد الجزائري، وأنها تصرفت لصالح عناصر معينة، لا تعكس الحقيقة“، مبينة أن “هذه الادعاءات تسعى إلى تقويض العلاقات بين البلدين الصديقين والشقيقين”.
واضطرت السفارة التركية إلى الرد رسميًّا على ما جاء في صحيفة الخبر الجزائرية ذات الانتشار الواسع، بعد أن نقلت عن مصادر لم تسمِّها أن “اجتماعات رسمية جمعت في مناسبتين ممثلين عن الحكومة التركية بعناصر من حركة رشاد، بمدينتي إسطنبول وأنطاليا، وأن موضوع اللقاءات تمحور حول توفير الدعم اللوجستي والسياسي بهدف تقوية التنظيم وتمكينه من الشارع الجزائري”.
وتصنف السلطات الجزائرية حركة رشاد التي يوجد قادتها بالخارج ضمن الحركات المغضوب عليها، فهي بالنسبة إليها امتداد لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلّ، لأن خطابها لا يختلف عن خطاب المتشددين.
وجاء في بيان المجلس الأعلى للأمن في اجتماعه المنعقد بتاريخ 6 أبريل/ نيسان الجاري برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، أنه “درس ما سُجّل من أعمال تحريضية وانحرافات خطيرة من قبل أوساط انفصالية، وحركات غير شرعية ذات مرجعية قريبة من الإرهاب، تستغل المسيرات الأسبوعية”، في إشارة إلى حركة رشاد التي ترددت بعض شعاراتها في المسيرات الأسبوعية للجزائريين المطالبة بالتغيير.
وتعتقد أنقرة أن الأطراف التي تقف وراء هذه “الادعاءات” تسعى للتشويش على التعاون بين البلدين، فقد جاء في بيان السفارة أنه “من الواضح أن ناشري هذه الدعاية الكاذبة وهذه الإشاعات التي تهدف إلى المساس بالتطور الإيجابي للعلاقات الحميمية والودية ببن الجزائر وتركيا، لا تأخذ بعين الاعتبار عمق الروابط الأخوية بين البلدين”.
رغم اختلاف وجهات النظر بين الجزائر وتركيا في بعض القضايا الدولية مثل سوريا على سبيل المثال، إلا أن البلدين حافظا دومًا على علاقاتهما المتينة التي تتطور عامًا بعد عام في شتى المجالات
وأكدت السفارة أن “هذه العلاقات الثنائية التي تتطور في جميع المجالات على أساس الاحترام المتبادل، وكذلك روابط الصداقة التي تعود إلى عدة قرون بين شعبي البلدين، قوية ومتينة بما فيه الكفاية لدرجة تتغلب على جميع المبادرات السلبية التي تحاول إلحاق الضرر بتلك العلاقات”.
ودعت السفارة وسائل الإعلام إلى “إعادة التحقق من مصادر معلوماتها، وإظهار اليقظة المتزايدة بشأن معلومات متضاربة لا أساس لها، والتصرف وفقًا لأخلاقيات الصحافة”.
ورغم اختلاف وجهات النظر بين الجزائر وتركيا في بعض القضايا الدولية مثل سوريا على سبيل المثال، إلا أن البلدين حافظا دومًا على علاقاتهما المتينة التي تتطور عامًا بعد عام في شتى المجالات، ما يجعل احتمال اتصالات مع حركة رشاد غير ممكن، حسب البعض، خاصة أن التعاون بين الجانبَين صار يشمل حتى الجانب الأمني.
وفي هذا الشأن، سبق لأنقرة أن سلّمت للجزائر في أغسطس/ آب 2020 المساعد الأول المتقاعد قرميط بونويرة الذي شغل منصب رئيس أمانة أركان الجيش، والمتهم بتسريب وثائق ومعلومات سرية وحساسة من مقر وزارة الدفاع الوطني، كما سلمت الجزائر في العام نفسه لأنقرة رجل أعمال تركي مرتبط بحركة غولن التي تصنفها السلطات التركية على إنها إرهابية.
تأكيد جزائري
وبدورها أكدت الجزائر أن العلاقات بين البلدين تسير في الطريق الصحيح، فبينما كانت السفارة التركية تحرر بيانها التي تدحض ما نقلته الصحافة، كان مجلس الوزراء الجزائري برئاسة الرئيس تبون يدرس اتفاق تعاون بين البلدين.
وجاء في بيان للرئاسة الجزائرية أن مجلس الوزراء صادق على مرسوم رئاسي يتضمن اتفاقًا للتعاون مع تركيا في مجال النقل والملاحة البحرية.
والأكيد أن الجزائر تريد الاستفادة من التجربة التركية في هذا المجال، بالنظر إلى ما تحققه سنويًّا من إنجازات على هذا الصعيد، إذ تبقى الخطوط التركية ضمن أقوى شركات الطيران العالمية، وهو صيت ترغب الجزائر الاستفادة منه ضمن خطط إعادة بعث شركة الخطوط الجوية الجزائرية.
وسيساهم اتفاق الملاحة البحرية في تسهيل الحركة التجارية بين البلدين، إضافة إلى المساهمة في تعزيز التعاون بين الطرفين لدخول السوق الإفريقية مثلما تم التطرق إليه سابقًا في لقاء جمع مسؤولين من وزارة التجارة بالسفيرة التركية في الجزائر ماهينور أوزديمير غوكطاش، حول إنشاء تكتل شركات مختلطة لدخول أسواق دولية.
ويعزز اجتماع مجلس الوزراء تأكيدات سفير الجزائر في تركيا مراد عجابي، الذي أكد مؤخرًا في تصريح لوكالة الأناضول متانة العلاقات التي تجمع البلدين، والتي وصفها بـ”الرائعة”.
وأكد عجابي أيضًا أن بلاده تأمل في زيادة قدوم رجال الأعمال الأتراك المستثمرين إلى أراضيها، مشيرًا إلى أن الجزائر هي الشريك التجاري الثاني لتركيا في إفريقيا، وأنقرة تحتل المرتبة الأولى بين الدول الأكثر استثمارًا في الجزائر.
مصادقة الرئيس تبون على اتفاق التعاون بين البلدين وتصريحات السفير عجابي تعتبر بمثابة رد غير مباشر، وتأكيدًا على حرصها على تعزيز التعاون بين البلدين
وأضاف عجابي أن “هناك فرصًا جديدة، وأنا متفائل جدًّا حيال المستقبل، لذلك نوجه دعوة لرجال الأعمال”.
وبيّن السفير الجزائري أن “الفرص كبيرة، وإرادتنا أيضًا كبيرة.. وإن شاء الله سننجز معًا أعمالًا كبيرة بطريقة مفيدة وقوية أكثر في الفترة القادمة”.
ورغم أن السلطات الجزائرية تحاشت التعليق رسميًّا على ما وردَ بشأن المعلومات المتعلقة بحركة رشاد، إلا أن مصادقة الرئيس تبون على اتفاق التعاون بين البلدين وتصريحات السفير عجابي تعتبر بمثابة رد غير مباشر، وتأكيدًا على حرصها على تعزيز التعاون بين البلدين، خاصة بالنظر إلى العلاقة التي تربط الرئيسين عبد المجيد تبون ورجب طيب أردوغان.
شراكة ناجحة
تضع الجزائر شراكتها مع تركيا في خانة التعاون الناجح المبني على مبدأ رابح-رابح، بالنظر إلى أن الاستثمارات التركية في الجزائر في معظمها خارج قطاع المحروقات، وهو ما يخالف النظرة الغربية للجزائر المبنية على أنها سوق فقط للاستفادة من ثرواتها الباطنية، خاصة النفطية.
وتبرز الاستثمارات التركية في قطاعين بارزين هما مصنع الحديد والصلب بوهران ومصنع النسيج بغليزان، إضافة إلى عديد شركات البناء التي تنجز مشاريع سكنية في مختلف ولايات البلاد.
ويتراوح حجم المبادلات التجارية بين الجزائر وتركيا حاليًّا بين 3.5 و4.2 مليار دولار، ويأمل البلدان في أن يبلغ قريبًا 5 مليارات دولار، على أن يصل مستقبلًا إلى 10 مليارات دولار، حسب ما ورد في تصريحات سابقة لمسؤولي البلدين، ومنهم الرئيس أردوغان.
وتنشط اليوم في الجزائر 1245 شركة تركية مستثمرة، توظف 25 ألف جزائري، إضافة إلى أن الجزائر تموّل تركيا بالغاز، التي تحتضن مصنعًا لسوناطراك الجزائرية بأضنة في مجال البيتروكيماويات.
وبتفحُّص كل هذه المعطيات، يظهر أن كل الظروف مهيأة لإقامة شراكة حقيقية بين الجزائر وتركيا، بالنظر إلى أن الواقع الحالي لا يعكس حجم الإمكانات المتاحة ولا الأهداف المسطّرة من طرف الجانبين، ولعل ذلك سيكون بإقامة منطقة التبادل الحر الجزائرية التركية التي دعا إليها الرئيس أردوغان خلال زيارته إلى الجزائر في يناير/ كانون الثاني 2020، لأن تعزيز التعاون الثنائي سيكون أحسن رد على أي طرف يحاول تعكير العلاقات بين البلدين.