“سيبقى مدلول هذه الثورة وسيبقى معناه التاريخي والشعبي والمجتمعي الوطني خالد الذكر في ذاكرة العرب وذاكرتنا وذاكرة الناس وربما في ذاكرة التاريخ”… ميشيل كيلو، في حديث سابق لنون بوست.
رحل اليوم الإثنين، المعارض السوري البارز والعنيد ميشيل كيلو، متأثرًا إصابته بفيروس كورونا، في العاصمة الفرنسية باريس، رحل كيلو بعد نضال كبير لنظام الحكم الأسدي على مدار العقود الماضية، ويعد من الوجوه المعارضة البارزة في فترة ربيع دمشق، ومن الموقعين على وثيقة “إعلان دمشق”، ومن أبرز وجوه المعارضة خلال الثورة السورية كذلك.
حياة مليئة بالنضال
يقول ميشيل كيلو إن والده قال له مرةً: “كيف تستطيع أن تكون مجرد مسيحي فحسب في بيئة تاريخية أعطتك ثقافتك ولغتك وحضارتك وجزءا مهما من هويتك”، ولد ميشيل في مدينة اللاذقية الساحلية عام 1940 لأب واسع الثقافة. وتلقى كيلو تعليمه في مدارس مدينته وبعدها درس الصحافة في مصر وألمانيا، وعمل عام 1966 في دائرة الترجمة بوزارة الثقافة في دمشق.
هاجم ميشيل كيلو”الجبهة الوطنية التقدمية” التي شكّلها الأسد من أحزاب تدور في فلك حزب البعث، وذلك في مداخلة له أمام “اتحاد الكتّاب العرب” عام 1979.
عمل كيلو على ترجمة بعض الكتب إلى العربية منها “الإمبريالية وإعادة الإنتاج” و”كتاب الدار الكبيرة”، و”لغة السياسة” و”كذلك الوعي الاجتماعي”. كما انتهى كيلو من كتابه “من الأمة إلى الطائفة سوريا في حكم البعث والعسكر” روى فيه حكم البعث لسوريا خلال 50 عامًا وكيف حول الأسد الأب والابن سوريا إلى دولة تعيش في الفقر والاستبداد.
يعتبر كيلو من الوجوه البارزة في فترة ربيع دمشق، ومن الموقعين على وثيقة “إعلان دمشق”، وتعرض للاعتقال عدة مرات بداية من السبعينيات حتى 2009، حيث أفرج عنه عقب اعتقال دام ثلاث سنوات، بعد إدانته من قبل المحكمة العسكرية بـ “نشر أخبار كاذبة، وإضعاف الشعور القومي، والتحريض على التفرقة الطائفية”.
بعد اعتقاله في فترة السبعينيات سافر كيلو إلى فرنسا ليقيم فيها حتى نهاية الثمانينيات، أما اعتقاله الثاني فكان في مايو/ أيار 2006 بتهمة “إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات المذهبية”، بعد ذلك أحيل كيلو إلى المحكمة العسكرية. وأصدرت المحكمة عليه حكمًا بالسجن لمدة 3 أعوام، حيث جرى الإفراج عنه كيلو في مايو/ أيار 2009.
أعلن كيلو تأييده المطلق للثورة السورية منذ بداياتها، ومع ازدياد المضايقات الأمنية عليه غادر كيلو إلى العاصمة المصرية القاهرة، ليؤسس فيها “المنبر الديمقراطي السوري”. ثم أطلق كيلو هيئة “سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية”، بهدف “ردم الهوّة بين المسيحيين وبقية الشعب”.
انضم كيلو إلى “الائتلاف الوطني السوري” عام 2013، ومن ثم أسس “اتحاد الديمقراطيين السوريين”، لينسحب كيلو بعد ذلك من المشهد السياسي مستقرًا في باريس ومتفرغًا للكتابة ببعض الصحف والمواقع العربية بالشأن السوري وواقع المعارضة السورية ومسيرة الثورة.
وصيةٌ مؤثرة
إثر إصابته بمرض كورونا بعث ميشيل كيلو بوصيته إلى السوريين، وكانت كلماته ثورية مؤثرة تدعو للاجتماع وعدم التفرق وأخذ طريق الحرية دربًا للخلاص من الاستبداد، وفيها يقول الراحل كيلو: إلى الشعب السوري الذي أعتز به، وأنتمي إليه. إلى شابات سورية وشبابها، أمل المستقبل: هذه نصائح صادرة من قلبي، وعن تجربتي، وعن أملي بمستقبل أفضل لكل السوريين:
“لا تنظروا إلى مصالحكم الخاصة كمعارضة مع المصلحة العامة، فهي جزء أو يجب أن تكون جزءاً منها”، مضيفًا: “لا تنظروا إلى وطنكم من خلال أهدافكم وإيديولوجياتكم، بل انظروا إليهما من خلال وطنكم، والتقوا بمن هو مختلف معكم بعد أن كانت انحيازاتكم تجعل منه عدواً لكم”. وتابع: “لن تقهروا الاستبداد منفردين، وإذا لم تتحدوا في إطار وطني وعلى كلمة سواء ونهائية، فإنه سيذلكم الى زمن طويل جداً”.
يضيف كيلو في رسالته : “لن يحرركم أي هدف آخر غير الحرية فتمسكوا به في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلوا عنه أبداً لأنه قاتل الاستبداد الوحيد”. وقال: “أنتم الشعب وحده من صنع الثورة فلا تتركوا أحداً يسرقها منكم”، وختم وصيته: “اعتمدوا أسساً للدولة تسيرون عليها ولا تكون محل خلاف بينكم، وإن تباينت قراءاتها بالنسبة لكم، لأن استقرارها يضمن استقرار الدولة، الذي سيتوقف عليه نجاح الثورة. ولا تكون إطلاقا محل خلاف بينكم، فهي أسس ما فوق حزبية أو أيديولوجية، فالدولة دولة وليس لها هوية إيديولوجية لأنها التعبير على مستوى المؤسسات والمصالح العليا عن عموم الشعب”.
فور إعلان وفاة المعارض ميشيل كيلو نعى سياسيون ومعارضون سوريون من كافة التوجهات الراحل كيلو، وقال رياض حجاب رئيس الوزراء السوري السابق :”أتقدم بخالص العزاء لأسرة الأستاذ الكبير ميشيل كيلو وسائر ذويه ومحبيه … وصيته التي خطها قبيل وفاته تعتبر نهجا يحتذى به في التعاون والتكاتف الوطني”.
أتقدم بخالص العزاء لأسرة الأستاذ الكبير ميشيل كيلو وسائر ذويه ومحبيه … وصيته التي خطها قبيل وفاته تعتبر نهجا يحتذى به في التعاون والتكاتف الوطني
— د.رياض حجاب (@MediaPmoffice) April 19, 2021
في السياق نعى الكاتب السوري أحمد أبازيد في تغريدة له الراحل قائلًا: “توفي ميشيل كيلو اليوم، بعد وفاة حبيب عيسى أمس، عاشوا طيلة حياتهم مناضلين، وقضوا سنين في سجونه، ورحلوا في لحظة قهر لهم ولنا لأن الطاغية لم يرحل بعد. الرحمة لهم والعزاء لسوريا ولعنات في كل وقت على آل الأسد”.
توفي #ميشيل_كيلو اليوم، بعد وفاة حبيب عيسى أمس، عاشوا طيلة حياتهم مناضلين، وقضوا سنين في سجونه، ورحلوا في لحظة قهر لهم ولنا لأن الطاغية لم يرحل بعد.
الرحمة لهم والعزاء لسوريا ولعنات في كل وقت على آل الأسد
— أحمد أبازيد (@abazeid89) April 19, 2021
من جهته قال الباحث السوري عباس شريفة: “فقدت الثورة السورية اليوم قامة ثورية كبيرة قاومت نظام الاستبداد طوال 7 عقود مضت تعرض خلالها للنفي والاعتقال ،قد ناهز 81 من العمر ولم يجف له قلم ولا هدأ له لسان ساعياً لفضح جرائم النظام الأسدي و مصراً على إسقاطه. ميشيل كيلو إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.”.
فقدت #الثورة_السورية اليوم قامة ثورية كبيرة قاومت نظام الاستبداد طوال 7 عقود مضت تعرض خلالها للنفي والاعتقال ،قد ناهز 81 من العمر ولم يجف له قلم ولا هدأ له لسان ساعياً لفضح جرائم النظام الأسدي و مصراً على إسقاطه. #ميشيل_كيلو
إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
— عباس شريفة (@abbas_sharifeh) April 19, 2021
محمد سرميني مدير مركز جسور للدراسات قال في نعيه لكيلو: “لقد كان صادماً أن تغيِّب كورونا فقيد الثورة السورية الأستاذ الكبير ميشيل كيلو لقد عاش الفقيد حياته بين الاعتقال والتغريب في سبيل الحرية، وكانت كلماته للسوريين تحمل خبرة 81 عاماً من النضال، مع روح التفاؤل والأمل واليقين الذي كان سر محبة السوريين له وسر انتظارهم لكلماته.
لقد كان صادماً أن تغيِّب #كورونا فقيد الثورة السورية الأستاذ الكبير #ميشيل_كيلو
لقد عاش الفقيد حياته بين الاعتقال والتغريب في سبيل الحرية، وكانت كلماته للسوريين تحمل خبرة 81 عاماً من النضال، مع روح التفاؤل والأمل واليقين الذي كان سر محبة السوريين له وسر انتظارهم لكلماته. pic.twitter.com/FWcQjYFOXa
— محمد سرميني sarmini (@mohsarmini) April 19, 2021
اختلف الكثيرون مع كيلو خلال مسيرته السياسية، لكنهم متوحدون في حزنهم على فقدهم الكبير برحيل ميشيل كيلو الذي ناضل ضد الاستبداد وحارب الأسدين طوال فترة حكمهما التي لم يشهد نهايتها، ولعلّ أكبر شاهد على مسيرته ووطنيته هي كلماته الأخيرة التي وجهها للسوريين “شعبنا يستحق السلام والحرّية والعدالة… سورية الأفضل والأجمل بانتظاركم”.