تحدّث تقرير أصدرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية في اليومين الماضيين، عن جلسات حوارية شهدتها العاصمة العراقية بغداد، جمعت الوفدين السعودي والإيراني بوساطة عراقية، وسادت أجواء من التفاؤل على طاولة الحوار. وفي هذا الإطار قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة في مؤتمر صحفي له يوم الاثنين 19 أبريل/ نيسان 2021، إن طهران ترحب دائمًا بالحوار مع السعودية، لكنه لم يؤكد أو ينفِ إجراء محادثات مباشرة هذا الشهر بين الطرفين، حيث قطعت الدولتان العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ يناير/ كانون الثاني 2016، إثر الاعتداء على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، بعد إقدام السلطات السعودية على إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، ودخلت العلاقات بينهما بعد ذلك في العديد من صراعات الوكالة في الشرق الأوسط.
تكررت فرص الحوار بين الدولتين في أكثر من مناسبة، وتحديدًا في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية، حيث أقدمت إيران على العديد من المبادرات الحوارية مع دول الخليج العربية، ومنها السعودية، إلا إن هذه المبادرات لم تلبث أن تفشل في تحقيق طموحاتها أمام رغبات قادة الحرس الثوري الإيراني في تصدير الثورة إلى كل دول الجوار، وهو ما يؤشر إلى أن هناك فرقًا بين ما تريده إيران الدولة وإيران الحرس الثوري، وفي مقابل ذلك لم تأمن دول الخليج العربية لهذه المبادرات الإيرانية المتكررة، وذهبت عوضًا عن ذلك إلى توثيق الشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وتأمين الوجود العسكري الأميركي في الخليج، ما جعل أزمة عدم الثقة مستمرة حتى اللحظة الراهنة.
حاولت الإدارة الأميركية ومنذ الأيام الأولى التأكيد على أولويات استراتيجية مهمة في سياستها الخارجية
التحول الأميركي متغيّر رئيسي في الحوار
الجديد هذه المرة هو أن المناقشات التي جمعت الوفدين السعودي والإيراني في بغداد، جاءت متوافقة مع محادثات فيينا التي تجمع إيران مع الأطراف الأخرى في الاتفاق النووي، في محاولة لإعادة إحياء هذا الاتفاق، بعد أن انسحبت منه الولايات المتحدة في مايو/ أيار 2018، ولتشكل أيضًا ترجمة حقيقية لما سبق وأن أعلنت عنه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنها بصدد إعطاء فرصة للقوى الإقليمية المتضررة من الاتفاق النووي، لكي تبدي قلقها واشتراطاتها في أي اتفاق جديد مع إيران. وعلى هذا الأساس، إن الحوار السعودي الإيراني قد يأتي هو الآخر في إطار محاولة لتخفيف التوتر بين الطرفين، وإنهاء حرب اليمن.
وبحسب الأنباء، فإن الجولة الأولى من المحادثات السعودية الإيرانية أجريت في العاصمة العراقية بغداد في 9 أبريل/ نيسان 2021، وتضمنت مباحثات بشأن هجمات الحوثيين على المملكة، ووصفت المصادر المباحثات بأنها “إيجابية”، مؤكدة أنه تم الاتفاق على عقد جولة جديدة في الأسبايع المقبلة، حيث كان على رأس الوفد السعودي رئيس الاستخبارات خالد بن علي الحميدان، وذكرت المصادر أن بغداد سهّلت أيضًا فتح قنوات اتصال بين إيران ومصر من جهة، وبين إيران والأردن من جهة أخرى. كما أشار موقع جادة إيران إلى أن هناك محادثات إماراتية إيرانية جرت في بغداد أيضًا، على هامش الحوار السعودي الإيراني.
حاولت الإدارة الأميركية ومنذ الأيام الأولى التأكيد على أولويات استراتيجية مهمة في سياستها الخارجية، ومنها التوجه نحو الشرق لاحتواء الصين، مع الالتزام في حل صراعات الشرق الأوسط، ويبدو أن هذا التوجه الأميركي دفع بالقوى الإقليمية، وتحديدًا العربية، إلى معالجة مشاكلها مع إيران، بعيدًا عن الارتباط ببرامج السياسة الأميركية الحالية، التي على ما يبدو لم تعد تولي الاهتمامات السياسية لدول الخليج العربية أولوية كبيرة، كما كانت عليه في ولاية دونالد ترامب السابقة.
فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تجنبت السعودية مرارًا وتكرارًا العروض الإيرانية لإجراء محادثات، واصطفت مع حملة الضغط الأقصى التي قادتها إدارة ترامب ضد إيران، ومع اعتراف إدارة بايدن بأن هذه الحملة لم تؤدِّ إلى إخضاع إيران أو تغيير سلوكها الإقليمي، فإن التوجه الأميركي الجديد يوحي برغبة شديدة بالتوصل إلى صفقة جديدة مع إيران، ولذلك فإن التحرك السعودي الأخير يوحي بمحاولة قطع الطريق على إدارة بايدن بخصوص الإقدام على أي صفقات مع طهران لا تلبي طموحاتها وأهدافها في المنطقة.
محفزات الصراع والتوتر ستظل قائمة ومؤثرة في مسارات المستقبل، لأن القوى الدافعة، خصوصاً تلك المتعلقة بالطموحات الجيوسياسية، لا يمكن التوفيق بينها
أسئلة متعلقة بمستقبل الحوار
شهدت إيران خلال الأيام الماضية العديد من التصدعات الأمنية التي أحاطت بها بشكل أو بآخر، بدءًا من الهجوم الذي تعرضت له سفينة “سافيز” في البحر الآحمر، مرورًا بالهجوم الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية، وأخيرًا وفاة نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني محمد حجازي، جراء تعرضه لمضاعفات كيميائية في جسده تعود للحرب العراقية الإيرانية.
وفي مقابل ذلك ما زالت الفصائل الولائية المرتبطة بإيران، تستمر بشنّ هجمات صاروخية على المصالح الأميركية في العراق، فضلًا عن استمرار الهجمات الحوثية في الداخل السعودي. وهو ما يؤشر إلى مدى الصعوبة التي تكتنف مواقف الطرفين في التوصل لحالة الثقة التامة، خصوصًا أن مسارات العلاقة بينهما محكومة بالصراع حول الهوية والنفوذ والقوة.
وفي إطار هذه الديناميات الإقليمية المستمرة، وتحديداً في سوريا والعراق، والتقارب بين مصر وتركيا، ودخول “إسرائيل” في ترتيبات أمنية جديدة مع بعض دول الخليج العربية، فإن محفزات الصراع والتوتر ستظل قائمة ومؤثرة في مسارات المستقبل، لأن القوى الدافعة، خصوصاً تلك المتعلقة بالطموحات الجيوسياسية، لا يمكن التوفيق بينها وهي لا تزال قائمة، فقط عندما ينبغي أن ترتفع التكاليف إلى مستوى قد يرى أي من الطرفين أنه يهدد مكانته الإقليمية أو المحلية، عندها يمكن أن يكون هناك انخفاض ملحوظ في مستوى المنافسة الجيوسياسية بين البلدين، وهو أمر مرتبط بشكل أو بآخر بمخرجات الحوار الأميركي الإيراني في فيينا مستقبلًا.