ترجمة حفصة جودة
كان الوضع فوضويًا وعصيبًا في مطبخ عائشة العابد مع قدوم أول أيام شهر رمضان، يجب أن يكون الطعام جاهزًا على الطاولة في تمام الساعة 7:07 مساءً عند مغيب الشمس حين ينتهي يوم الصيام الطويل.
عادة ما تكون هناك أجواء احتفالية مرحة مع بداية شهر المسلمين المقدس بالتجمع حول وجبة دسمة، لكن الأجواء اليوم صامتة وكئيبة عند هذه الأسرة السورية اللاجئة الصغيرة.
بينما كانت الأم – 21 عامًا – لطفلين تعمل مع صغيرتها ذات العامين، كان كل شيء حولهم يذكرهم بصعوبات الحياة، في المطبخ المؤقت حيث كانت تجلس على الأرض لتقطيع الخيار بجوار موقد الغاز ذي الشعلة الواحدة، وفي منزلهم المكون من خيمة ذات أرضية خرسانية وجدران خشبية مغطاة بقماش القنب، وفي وجبة الإفطار المكونة من أرز وشوربة عدس وبطاطس مقلية وسلطة الزبادي بالخيار، بينما أرسلت لها أختها القليل من الدجاج والسمك.
تقول العابد: “يبدو أنه سيكون رمضانًا صعبًا، من المفترض أنه تكون هذه الوجبة أفضل من ذلك بعد يوم الصيام، يحتاج المرء إلى المزيد من التغذية لجسده، إنني أشعر بالقهر”.
يأتي رمضان هذه العام بينما تصبح حياة اللاجئين السوريين في النزوح أكثر صعوبة وسط الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها بلدهم المضيف لبنان، وتتضح المعاناة أكثر خلال الشهر الكريم، فمن المفترض أن يتبع هذا الصيام وجبة دسمة لملء البطون الفارغة.
بحسب الاستطلاع فإن أكثر من نصف الأسر السورية تعاني من انعدام الأمن الغذائي بزيادة 28% عن الوضع في 2019
يقول رائد مطر – 24 عامًا – زوج عائشة: “هذه الأسعار الباهظة ستقتل الناس، أحيانًا نصوم طوال اليوم ثم نفطر على بصلة”.
يضم لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري ويعاني من أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب الجائحة والانفجار الضخم الذي دمر أجزاءً من العاصمة في أغسطس/آب الماضي.
وفقًا لتأثير الأزمات المركبة، تقول الأمم المتحدة إن نسبة أسر اللاجئين السوريين التي تعيش تحت خط الفقر المدقع – بما يعادل 25 دولارًا في الشهر للفرد وفقًا لمعدلات السوق السوداء – تضخمت إلى 89% عام 2020 مقارنة بنسبة 55% في 2019.
يلجأ المزيد من الناس إلى الحد من حجم أو عدد الوجبات، وبحسب الاستطلاع فإن أكثر من نصف الأسر السورية تعاني من انعدام الأمن الغذائي بزيادة 28% عن الوضع في 2019.
لكن اللاجئين ليسوا وحدهم في ذلك، فهذا الاضطراب الاقتصادي الذي جاء تتويجًا لسنوات من الفساد وسوء الإدارة أرهق اللبنانيين أيضًا ودفع بنسبة 55% من سكان البلاد البالغ عددهم 5 ملايين نسمة إلى خط الفقر وتسبب في غلق الأعمال التجارية.
وبينما أصبحت الوظائف نادرة، يقول مطر إن الكثير من اللبنانيين أصبحوا يتنافسون على الأعمال ذات الأجور المنخفضة مثل البناء والسباكة، التي كانت تُترك سابقًا للعمال الأجانب مثله، لقد فقدت الأجور قيمتها مع انهيار العملة المحلية بعد أن كانت ثابتة أمام الدولار لعقود، وبعد أن كان مطر يجني ما يعادل أكثر من 13 دولارًا في اليوم أصبح يجني أقل من دولارين وهو ما يعادل بالكاد كيلو ونصف من السكر غير المدعوم.
يقول مطر: “الناس هنا متعاونون وطيبون لكن الوضع أصبح كارثيًا، حتى اللبنانيين أنفسهم لا يستطيعون العيش، تخيل إذًا كيف ندبر الأمر”، لقد أصبحت الأعصاب مهتاجة، فمطر من بين مئات النازحين من مخيم عشوائي العام الماضي، بعد أن أشعل مجموعة من اللبنانيين النار فيه، في أعقاب شجار بين السوريين واللبنانيين.
كان هذا هو النزوح الخامس لأسرة العابد الصغيرة، بعد التنقل بشكل أساسي بين عدة مستوطنات عشوائية في شمال لبنان، اضطروا بعدها للتنقل مرتين، الأولى عندما ضاعف مالك الأرض اللبناني الإيجار، مخبرًا مطر بأنه يستطيع تحمل الإيجار لأنه يحصل على مساعدات كلاجئ، والآن تعيش الأسرة في خيمة بقرية بحنين.
هذا العام، يحتفل السوريون بالذكرى العاشرة لثورتهم التي تحولت إلى حرب، يقول العديد من اللاجئين إنهم لا يستطيعون العودة لأن منازلهم دُمرت أو لأنهم يخشون الانتقام، إذ يعتبرهم النظام معارضين أو بسبب هروبهم من التجنيد مثل حالة مطر، كان مطر والعابد قد فرّا من سوريا عام 2011 ثم التقيا في لبنان.
حتى قبل رمضان كانت رهف الصغير – لاجئة سورية أخرى في لبنان – تشعر بالقلق بشأن الطعام الذي يمكن أن تصنعه لأسرتها، تقول رهف – التي ترملت مؤخرًا ولديها 3 فتيات -: “لا أعلم ماذا أفعل، فالفتيات يواصلن الحديث عن اشتياقهن للحم والدجاج والبسكويت والفاكهة”.
أصبح تساؤلات البنات مؤلمة للغاية، لماذا لا يمكننا الحصول على الشيبسي مثل أطفال الجيران؟ لماذا لا نشرب الحليب لنكبر كما يقولون في التلفاز؟
ومع تضاؤل خيارات الأسرة، أصبحت تساؤلات بناتها مؤلمة للغاية، لماذا لا يمكننا الحصول على الشيبسي مثل أطفال الجيران؟ لماذا لا نشرب الحليب لنكبر كما يقولون في التلفاز؟ تبدأ الصغير في البكاء عندما تسألها ابنتها الصغرى عن طعم الفراولة التي تراها في التلفاز، فتشتريها لها لاحقًا من أموال مساعدات الأمم المتحدة.
في رمضان، قررت الصغير أن لا ترى بناتها أي من صور وجبات إفطار الآخرين، حيث تقول: “لا أريد أن يقارن أنفسهن بالآخرين، عندما تصوم في رمضان فإنك تشتاق للكثير من الأشياء”.
كانت بداية رمضان مثيرة للدموع، فهو أول رمضان منذ وفاة زوجها، اعتادت البنتان الكبيرتان إيقاظ والدهن لهن في السحور الذي كان يعده بنفسه، وقبل وفاته بعدة أشهر – نتيجة سكتة قلبية – انتقلت الأسرة إلى شقة بغرفة نوم واحدة مشتركة مع بعض أقاربهم.
هذا العام كان إفطارهم بسيطًا للغاية، بطاطس مقلية وشوربة وسلطة الفتوش، كانت الصغير ترغب في إعداد بعض الدجاج لكنها وجدته باهظًا للغاية.
قبل أن يدفعهم العنف للفرار من سوريا، كانت الأجواء احتفالية في رمضان، كانت الصغير تطبخ الطعام وتتبادل الزيارات مع الأهل والجيران ويتجمعون حول الأصناف الشهية وأطباق الحلوى.
تقول الصغير التي لجأت لإيمانها وسط هذه المعاناة: “الآن لا أهل ولا جيران ولا حلوى، أصبح رمضان مثله مثل بقية الأيام بل إننا نشعر فيه بغصة أكبر، إنني أدعو الله وأصلي كثيرًا عساه يستجيب لدعائنا في رمضان ويتبدل الحال، ربما يفتح لنا طريقًا جديدًا”.
المصدر: واشنطن بوست