على الرغم من أهمية القراءة باعتبارها أحد أهم العناصر الأساسية التي يعتمد عليها الطفل في تكوين معرفته واستقاء معلوماته، وتكوين حصيلته اللغوية، والحصول على خبرات مختلفة عن مجالات متنوعة؛ إلا أن الطفل أحيانًا ينفر من القراءة مفضلًا اللعب بالأجهزة الإلكترونية أو مشاهدة التلفاز، فيتجه الأبوان مباشرة إلى استنتاج سريع مفاده أن الطفل لا تستهويه القراءة، وأنه طفل حركي يحب اللعب ولا يمكن أن يجلس ساكنًا يقرأ كتابًا؛ وهو أمر غير صحيح، حيث إن هناك مجموعة من الآراء والمقولات الشائعة التي يجب على أولياء الأمور تفاديها في سبيل تعليم الطفل القراءة بشكل فعال.
طفلي لا يزال صغيرًا على القراءة
لعل هذه المقولة هي الأشهر لدى أولياء الأمور وهي خطأ شائع يردده البعض، فيمكن للأسرة أن تقرأ لطفلها منذ سن صغير جدًّا قبل أن يبلغ عامه الثاني، بل إن القراءة في هذه السن تساعد الطفل على تكوين حصيلة لغوية كبيرة حتى إن لم يتحدث، فالحصيلة اللغوية لدى الشخص تقاس بمدى استيعابه للغة أكثر من نطقه لها، وعن طريق القراءة للطفل فقط يمكنك أن تفتح له عوالم جديدة لم يكتشفها بعد.
وفي عصر التكنولوجيا والإنترنت، يمكن لأولياء الأمور الحصول على العديد من الوسائل التعليمية المتنوعة التي تم تصميمها خصيصًا لتشجيع الأطفال في سن صغيرة جدًّا على القراءة وبناء حصيلتهم اللغوية.
على سبيل المثال، أصبحت البطاقات المصورة من أشهر الطرق المستخدمة في سبيل إثراء الحصيلة اللغوية لدى الطفل، فأصبح المعلمون يستخدمونها مع الأطفال في سن صغيرة للغاية (تبدأ من سن الشهور).
وقد أصبحت هذه البطاقات متاحة مجانًا للطباعة على العديد من المواقع التعليمية، كما أنها تغطي العديد من الموضوعات مثل أسماء الحيوانات والطيور، والخضروات والفواكه، والألوان والأشكال، وأعضاء الجسم، ووسائل المواصلات وغيرها من المصطلحات الأساسية التي يكتسبها الأطفال في هذه المرحلة.
كيف يستخدم أولياء الأمور نظام البطاقات المصورة في هذه السن؟
نظرًا إلى أن الطفل في هذه السن لن يجلس ليتلقى المعلومة كالأطفال الأكبر سنًّا، لذا يمكن لأولياء الأمور تطبيق بعض هذه الأفكار:
أولًا، تحويل كل نشاط إلى لعبة، فمثلًا عند تعليم الطفل الألوان، يمكن إحضار البطاقات المصورة للألوان، وإحضار أدوات متعددة في المنزل، وسؤال الطفل مثلًا: ما لون هذه الكأس؟ ما لون هذه الوردة؟ وما لون هذا المكعب؟ وهكذا.
فقد أثبتت الدراسات أن تنشيط أكثر من حاسة من حواس الطفل عند التعليم تساعد على ثبات المعلومة، وبهذه الطريقة نحن نحفّز حاسة البصر، حاسة السمع، وحاسة اللمس؛ وحتى إن لم ينطق الطفل بعد، فلا شك أن الكلمة قد دخلت بالفعل إلى قاموسه اللغوي.
ثانيًا، يمكن استخدام مجموعة من الصور لمختلف أنواع الطعام وخلق محادثة بين البطاقات، مع تغيير طبقات الصور وتكرار اسم كل طعام منها أكثر من مرة في سياق حكاية قصة.
على سبيل المثال: كان هناك طفل اسمه أحمد يحب شرب اللبن كثيرًا – مع إظهار صورة اللبن، ولكنه لم يكن يحب الخضروات – مع رفع صورة الخضروات، وهكذا. يمكنكم استخدام هذه البطاقات لتجربة هذا النوع من الحكايات مع أطفالكم، كما يمكنكم تشجيعهم على اختيار البطاقة المناسبة ليكمل الطفل الجملة بنفسه بمجرد إشارته إلى البطاقة الصحيحة، مثلًا: الطعام المفضل لأحمد هو… ونشجع الطفل على رفع البطاقة المناسبة، وهكذا.
ثالثًا، واحدة من الأفكار التي وُجدت ناجحة أيضًا في إثراء الحصيلة اللغوية للطفل هي تعليق صور البطاقات في الغرفة التي يقضي بها الطفل معظم وقته، ولتكن غرفة المعيشة في المنزل، وبين الآونة والأخرى الإشارة إلى بعض البطاقات وترديد أسمائها للطفل، ولتكن مثلًا بطاقات أسماء الحيوانات، فمن الممكن تعليق بطاقات مصورة لبعض الحيوانات في الغرفة بحيث يراها الطفل طوال الوقت، فيربط مباشرة بين نطق الكلمة وصورة الحيوان.
وكما أكد الخبراء في مدونة “حياة عيلتنا”؛ فالتشجيع سر نجاح أي عملية تعليمية، فنحن نبني شخصية أبنائنا بكلامنا لهم، فعندما نقول للطفل أنت ذكي فسيحاول فعل ما أمكنه ليكون ذكيًّا، وعندما نقول له أنت فاشل فسوف يكون فاشلًا في حياته. مع العلم أن التشجيع لا يكون بالكلام فقط، فهو قد يكون بالاستماع أو بالنظر إلى الطفل عندما يتحدّث إلينا أو بالابتسامة أو بكلمة لطيفة نقولها له أو بشكره على عمل قام به؛ كما أن تشجيع الطفل والثناء على ما يقوم به من شأنه أن يعزز ثقته في نفسه ورغبته في تعلم المزيد.
لن يفهم طفلي موضوع القصة
يلجأ بعض الآباء إلى هذا الاستنتاج أحيانًا إذا لم يُبدِ الطفل اهتمامًا بالقصة أثناء سردها له، ولكن في حقيقة الأمر المشكلة غالبًا تكمن في اختيار القصة المناسبة وطريقة عرضها وقراءتها للطفل، فلكل عمر قصص تناسبه، وهناك القصص المصوّرة التي تحتوي على جمل قصيرة وقليلة، وصور كبيرة ذات ألوان كثيرة لتجذب انتباه الطفل، ولا شك أن استخدام هذه الكتب في تلك المرحلة المبكرة لا يحفز الطفل فقط على النطق ثم الكلام، ولكنه أيضًا يعلمه موضوعات مهمة تمسه في أرض الواقع.
تواجه بعض الأسر صعوبات في السيطرة على استخدام الطفل لهذه الأجهزة للدرجة التي أصبح بها مصطلح إدمان الأجهزة الإلكترونية شائعًا
على سبيل المثال، نشر موقع توينكل -وهو أحد المواقع التعليمية البريطانية الشهيرة- كتابًا تعليميًّا رائعًا يشرح للأطفال ما هو فيروس كورونا ويفسر لهم الوضع الحالي في العالم، وقد جمع المؤلف في هذا الكتاب جميع إجابات الأسئلة الرئيسية التي يرددها الأطفال هذه الفترة، مثل: لماذا يجب أن نبقى في المنزل؟ لماذا يجب علينا غسل أيدينا باستمرار؟ لماذا نعقم كل شيء قبل دخوله المنزل؟ ولماذا توقفت أختي، أو أخي، عن الذهاب إلى المدرسة؟ ولماذا يعمل أبي وأمي من المنزل؟ فاختيار الموضوع المناسب عنصر أساسي في لفت انتباه الطفل للكتب وتشجيعه على استقاء معلوماته وإيجاد إجابات لأسئلته عن طريق القراءة.
طفلي مدمن على الأجهزة الإلكترونية ولا تلفت الكتب انتباهه
منذ مطلع القرن الحالي حدثت العديد من التطورات في عالم التكنولوجيا، فتم إصدار العديد من الأجهزة والألعاب الإلكترونية للأطفال، مثل الأتاري والسيغا والبلاي ستيشن وغيرها من أجهزة ألعاب الفيديو، ثم حدثت نقلة كبيرة خاصة في السنوات الأخيرة، وذلك حين أصبح كل شيء متاحًا على الهواتف وأجهزة التابلت والكمبيوتر، وعلى الرغم من أن الغرض الأساسي من كل هذه الألعاب كان مقتصرًا على الترفيه لسنوات طويلة، إلا أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن ألعاب الفيديو تعتبر إحدى أهم الوسائل في تطوير معدل ذكاء الأطفال وقدرتهم على التفكير العلمي المنظم وحل المشكلات، بل تعمل على تعزيز الروح القيادية لديهم أيضًا.
والحق أن استخدام ألعاب الفيديو من باب الترفيه يعتبر أمرًا صحيًّا ومقبولًا إلى حد ما إذا تم تقنينه واستخدامه في وقت معين من اليوم، ولكن تواجه بعض الأسر صعوبات في السيطرة على استخدام الطفل لهذه الأجهزة للدرجة التي أصبح بها مصطلح “إدمان الأجهزة الإلكترونية” شائعًا.
وفي السنوات الأخيرة، حدثت طفرة كبيرة في ألعاب الفيديو بحيث تم إصدار فئة كبيرة تحت مسمى “ألعاب فيديو تعليمية”، فأصبحت هناك ألعاب فيديو لتعليم الحساب والقراءة واللغة الإنجليزية، وأصبح هناك الكتب الإلكترونية المسجلة صوتيًّا، وأصبح لكل لعبة مراحل ومكافآت وتدرُّج، مثلها مثل ألعاب الفيديو تمامًا ولكن بهدف علمي، ما يجعل هذا النوع من الألعاب يجمع بين الترفيه والتعليم، فيتحمس الطفل ليتعلم المزيد دون أي ضغوطات، وفي سياق مختلف عن السياق التعليمي التقليدي.
على سبيل المثال، تعتبر لعبة Time Tables Rockstar من أشهر الألعاب التعليمية في تدريس جدول الضرب في المدارس البريطانية، كما يمكن للطلاب اللعب بها سويةً على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى عشرات المواقع التعليمية مثل موقع ووردول وموقع توينكل التي خصصت أجزاءً كاملة للألعاب التعليمية.