الواقفون خلف قيس سعيّد صنفان: صنف الدراويش الذي يرون فيه نبيًّا مخلّصًا، وهؤلاء فاقدون للعقل والتمييز. ومن عاد إليه عقله منهم انسحب في صمت رغم يأسه من الطبقة السياسية السائدة بلا استثناء.
وصنف الذين يبحثون عن مساعد لهم على الخلاص من خصومهم السياسيين، وهؤلاء اختاروا لعقولهم أن تستقيل لتقودهم انفعالاتهم، ولو نظروا مليًّا لعلموا كثيرًا من الأمور، ولا يزال النظر ممكنًا لهم لو كانت الغلبة فيهم للعقلاء منهم.
الخوف ليس من قيس سعيّد، فهو قبل غيره يدرك أنه لا يستطيع بنفسه شيئًا، ولا يستطيع حتى بغيره، وليس من قواتنا العسكرية والأمنية، فتلك قد بيّنت أنها تشهد تطورًا باتجاه أن تكون مؤسسات جمهورية، إذ ليس في مصلحتها أن تكون أداة للبطش بالشعب لصالح أي طرف، إنما الخوف من هؤلاء الذين اختاروا أن يصطفوا خلف الرجل نكاية بخصومهم السياسيين. من جانب هؤلاء وحدهم قد تؤتى الديمقراطية وينتكس المسار وتُغدر الثورة.
قيس سعيّد شخص شعبوي انقلابي يستثمر في أوجاع الناس وفي ما يرافق الانتقال إلى الديمقراطية من صعوبات، ليلعن السياسة والسياسيين وليلبس جلباب المنقذ، غير أنه لمّا أدرك عجزه وبدأت شعبيته في التآكل بدأ في استدراج بعض السياسيين الذين حوّلتهم أحقادهم الأيديولوجية إلى كائنات غريزية لا تعرف خفض الجناح لشركائها في الوطن، وتحوّل المنافسون لديهم إلى أعداء وصار الصراع معهم صراعًا وجوديًّا يحكمه النفي، ولو كان الصراع سبيلًا إلى المجهول.
لهؤلاء أقول: ليس الحل في مساعدة المنقلب على تنفيذ انقلابه. لن تكونوا شركاء بل ستكونون أدوات يتخلّص منها بعد استعمالها. الانقلابيون في التاريخ لم يستثنوا أنصارهم من الاستبعاد والتصفية للاستئثار بالسلطة والثروة والسلاح. لا أحد من الزعماء الذين جاؤوا إلى السلطة بالانقلاب أخذته الرأفة بمن انقلب معه. لا تذهبوا بعيدًا وانظروا إلى شركاء السيسي في انقلابه: لن يخرج مصير داعمي قيس سعيّد، لو مرّ إلى انقلابه، عن مصير داعمي السيسي، وهم ثلاثة أصناف:
صنف المنافسين الذين كانوا شركاء في الانقلاب من المدنيين، من قبيل السياسيين حمدين صبّاحي ومحمد البرادعي وممدوح حمزة والروائي علاء الأسواني والأستاذ الجامعي حسن نافعة ووزير الخارجية في عهد مبارك وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى، ابحثوا عن هؤلاء وأمثالهم لن تجدوا لهم حضورًا خارج صفحات التواصل الاجتماعي التي تحمل أسماءهم، بل إن بعضهم انتهى به الأمر إلى السجن بتهمة الإرهاب من قبيل ممدوح حمزة.
ليس الحل في مساعدة المنقلب على تنفيذ انقلابه. لن تكونوا شركاء بل ستكونون أدوات يتخلّص منها بعد استعمالها.
صنف المشاركين من العسكريين والأمنيين، مثل وزير الداخلية محمد إبراهيم ووزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي ورئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمود حجازي صهر السيسي.
صنف الإعلاميين الذين اختاروا أن يكونوا طبولًا للسيسي يدافعون عن نظامه ويهاجمون ناقديه بشراسة لافتة. قيس سعيّد سيستعمل حلفاءه حتى يتخلص من خصومه، كما فعل السيسي وجميع الانقلابيين، ويستولي على الدولة، ثم لن يتردد في الرمي بهؤلاء الحلفاء في سلة المهملات ليعودوا، في أحسن الأحوال، إلى سالف عهدهم في زمن الاستبداد من الأكل والثرثرة، وستنساهم ساحات الوغى الإعلامي كأن لم يكونوا.