اتضحت هوية المشاركين في الانتخابات البرلمانية المقررة في صيف 2021، كما اتضحت هوية المقاطعين والرافضين لهذا المسار، ما يؤكد التوجه نحو إعادة صياغة الخريطة السياسية ومعادلة توازن القوى في الساحة.
وفي ما يظهر للرأي العام المحلي، فإن مبنى المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) سيكون على موعد في يونيو/ حزيران القادم مع انضمام قوى غير تقليدية من مكونات المجتمع المدني، الذي أصبح يمثل “حصان طروادة” بالنسبة إلى السلطة السياسية الجديدة في البلاد، مع تراجع أحزاب النظام السابق التي ظلت تسيطر على المشهد السياسي في البلاد طيلة العقدين الماضيَين من الزمن، والتي تلقب بـ”الوطنية”، ومقاطعة الأحزاب المحسوبة على التيار الديمقراطي في البلاد بدعوى “عدم توفر المناخ السياسي الملائم”، إضافة إلى دخول الإسلاميين السباق الانتخابي متفرقين مشتّتين بعد فشل تجربة العمل المشترك مع قوى المعارضة في محطات سابقة.
التقليديون خارج السباق
ومن التغيرات الكبرى التي تؤكد أن الجزائر ستكون على موعد مع ميلاد طبقة سياسية جديدة بعد تاريخ 12 يونيو/ حزيران القادم، الحضور البارز للقوائم المستقلة أو ما يعرَف محليًّا بالقوائم الحرة، إذ تكشف آخر الأرقام التي أعلن عنها رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، عن دخول الأحرار بقوة في السباق الانتخابي.
وبلغ عدد الملفات التي سحبها الأحرار الـ 1863 ملفًّا مقابل 1420 ملفًّا لصالح الأحزاب السياسية، وهو الأمر الذي أثار مخاوفها في ظل تراجع شعبيتها لأنها متهمة بالمشاركة في تسيير المرحلة السابقة، إذ عبّر رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، عبد الرزاق مقري، عقب لقاء داخلي جمعه بإطارات حزبه، عن امتعاضه من هذا “التكتيك”، وقال إن تشكيلته السياسية لا تريد أن يكون المجتمع المدني بديلًا ينافس الأحزاب السياسية على الحكم، لأنه بحسبه يخرج عن مهامه المتعارف عليها.
ومن المعالم الأخرى التي يجب تسليط الضوء عليها، مُقاطعة الأحزاب الديمقراطية للانتخابات البرلمانية المقررة في 12 يونيو/ حزيران القادم، ومن بين الأحزاب السياسية التي قررت البقاء خارج دائرة المنافسة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (أقدم حزب معارض في البلاد) الذي يعرَف اختصارًا لدى الرأي العام المحلي بـ”الأرسيدي”، إضافة إلى حزب العمال اليساري وحزب الاتحاد الديمقراطي (حزب حديث النشأة وهو في مرحلة التأسيس حاليًّا) برئاسة المعارض البارز كريم طابو، إضافة إلى حزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير بقيادة المحامية زبيدة عسول، وختامًا جبهة القوى الاشتراكية أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر التي قررت عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة.
ويمثل بقاء التيار الديمقراطي خارج السباق حاليًّا مقابل دخول الأحرار كلاعبين جدد، مستجَدًّا لم تشهده البلاد من قبل، وقد يكون مردّ ذلك حسب الباحث في الشؤون السياسية والأمنية مبروك كاهي، رفع يد بعض التشكيلات السياسية عن منطقة القبائل التي تمثل أبرز مخاوف السلطة السياسية في البلاد عند كل استحقاق انتخابي، بسبب القطيعة السياسية التي تعرف بها المنطقة، فنسبة المشاركة في كل الحالات لا تتجاوز 20%.
إن الغرض من فتح الباب على مصراعيه أمام المستقلين أو الأحرار هو تطهير البيت السياسي في البلاد، وإبقاء الأحزاب التقليدية خارج المجال السياسي.
وفي الاستفتاء الشعبي على الدستور الذي جرى تنظيمه في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فإن غالبية مراكز التصويت في هذه المنطقة التي يقطنها السكان الأمازيغ لم تفتح أبوابها بسبب التخريب الذي طالها من طرف معارضي هذا المسار، قبل أن يعلن عن تعليق كامل للاقتراع في المنطقة، إذ بلغت نسبة التصويت في غالبية مراكز التصويت في ولايات منطقة القبائل (ذات غالبية السكان الأمازيغ) لم تفتح أبوابها بسبب تخريبها من قبل الرافضين لإجراء الاستفتاء، ولعدم توفر الظروف الأمنية المناسبة، قبل أن يعلن عن تعليق كامل للاقتراع في المنطقة، أما في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، فقد سجلت محافظتا بجاية وتيزي وزو أقل نسبة تصويت، حيث لم تتعدَّ 0.02% و0.12% في المنطقتين.
ووفق ما يقوله الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية مبروك كاهي لـ”نون بوست”، فإن اعتماد القوائم الحرة سوف يكسر هيمنة الحزبين التقليديَّين المسيطرين على المنطقة منذ سنوات خلت.
ويعتبر النائب السابق في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان الجزائري) محمد حديبي، أن الغرض من فتح الباب على مصراعيه أمام المستقلين أو الأحرار هو تطهير البيت السياسي في البلاد، وإبقاء الأحزاب التقليدية خارج المجال السياسي.
عزل سياسيّ للمعمرين
وفي إطار رسم الخريطة السياسية الجديدة، عزل القانون العضوي الجديد للانتخابات النواب المعمرون في الغرفة الأولى، إذ تنص المادة 200 من قانون الانتخابات الجديد على ألا يكون المترشح قد مارس عهدتين برلمانيتين متتاليتين أو منفصلتين.
ومن بين النواب المبعدين المعارضة الجزائرية البارزة وزعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، التي تعرضت مؤخرًا لـ”انقلاب أبيض” داخل تشكيلتها السياسية من أجل الإطاحة بها، إضافة إلى بعض النواب المحسوبين على الأحزاب الإسلامية على غرار النائب عن جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف وزميله في الحزب حسن عريبي والقيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية ناصر حمدوداش، ونواب آخرين محسوبين على أحزاب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ولم تهضم المعارضة البرلمانية هذه المادة واعتبرتها “غير دستورية”، إذ يقول البرلماني السابق عن جبهة العدالة والتنمية (حزب محسوب على التيار الإسلامي) لخضر بن خلاف لـ”نون بوست”، إن السلطة السياسية في البلاد عمدت إلى إقصاء شخصيات فرضت نفسها بقوة في البرلمان طيلة السنوات الماضية، حتى أنها شكلت حاجزًا لا يستهان به بالنسبة إلى الحكومات المتعاقبة في حقبة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، لذلك يرى بن خلاف إنه كان من المفروض رمي الكرة في مرمى الشعب، فهو سيد الموقف.
فطيمة سعيدي: قرار عزل النواب المعمرين مخالف للدستور الذي ينص على أن المواطنين سواسية أمام القانون.
ووفق القيادي في حركة مجتمع السلم أحمد صادوق، فإن الهدف من هذه الخطوة هو تعويم مؤسسة البرلمان وإضعافها لصالح هيمنة السلطة التنفيذية، ويقول محدّثي إن ما تحاول السلطة فرضه اليوم “غير قانوني”، لأن مهام المجتمع المدني تقتصر على تحقيق التنمية الشاملة عن طريق تكامل عمله مع الدولة والقطاع الخاص، ولعب دور الوسيط بين السلطة الحاكمة والشعب والتمثيل في المجالس المنتخبة يكون للأحزاب السياسية.
ومنذ وصوله إلى سدة الحكم في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فتح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المجال أمام المجتمع المدني والشباب، ويعتبرهما الحليف الأول للسلطة لتحقيق استقامة الدولة، حتى أنه تعهّد الدعم المادي لتمويل حملات الشباب المرشحين في القوائم المستقلة، وأمرَ بتوفير القاعات التي تنظَّم فيها التجمعات الانتخابية لصالح القوائم المستقلة للشباب مجانًا، وكذلك التكفل بطبع الملصقات والإعلانات الدعائية مجانًا لصالحهم، وهو الأمر الذي أزعج الطبقة السياسية واعتبرته “تمييزًا” وإقصاء غير مبرر للشباب المنضوين تحت لواء الأحزاب السياسية.
وتقول القيادية في حركة مجتمع السلم التي تعرَف اختصارًا بـ”حمس”، فطيمة سعيدي، لـ”نون بوست” إن هذا القرار مخالف للدستور الذي ينص على أن المواطنين سواسية أمام القانون، وكان من المفترض أن يشمل هذا القرار حتى الشباب المترشحين ضمن قوائم حزبية، والهدف منه بحسبها هو تشجيع المجتمع المدني على الممارسة السياسية.