الأربعاء الماضي، دُعي11 مليون ناخب في موزمبيق إلى التصويت لانتخاب رئيس ونواب جدد لولاية مدتها خمس سنوات، في استحقاق مهم لاستقرار البلاد التي تعاني من تفاوت اجتماعي كبير.
موزمبيق الثرية بالفحم، والتي بإمكانها أن تحتل المرتبة الرابعة عالميًا في إنتاج الغاز، هي كذلك إحدى أكثر دول العالم فقرًا، وتعيش الغالبية العظمى من السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة، في فقر مطبق، فتعتمد على موارد زراعية ضئيلة، فيما ترتفع إيجارات منازل الأثرياء الجدد في العاصمة مابوتو بشكل مذهل.
في الأغلب سيجد حزب جبهة التحرير نفسه مضطرًا للقبول بوجبة أكثر تواضعًا بكثير مما اعتاد عليه عندما تظهر نتائج الانتخابات الأخيرة، فلأول مرة منذ عشرين عامًا يواجه الحزب الحالي والجبهة السابقة تآكلاً واضحًا في نصيبه من التمثيل البرلماني، في مقابل زيادة واضحة في نصيب كلٍ من حزب المقاومة القومي والحزب الديموقراطي الحديث العهد نسبيًا.
من الواضح أن الحالة الموزمبيقية ليست سوى تمظهر لمشهد إقليمي أوسع، فنموذج جبهة التحرير الموزمبيقية وتحولها من الكفاح المسلح إلى السيطرة على المشهد السياسي ليس بفريد على الإطلاق، ومن الممكن الرجوع إلى الصعوبات المشابهة التي مر بها حزب المؤتمر القومي الأفريقي في جنوب أفريقيا مقابل إنجازات أحزاب أحدث عهدًا بالبلاد كحزب مقاتلي الحرية الاقتصادية، وليس الاحتقان الشعبي ضد جبهة التحرير الجزائرية بمثال بعيد عن هذه الحالة.
والانتقال التدريجي لكلا البلدين تجاه حياة سياسية أكثر تعددية لا يجب أن يكون مجرد دلالة على نضج الديموقراطية في البلاد؛ بل يجب أن يكون إشارة تحذير لأحزاب الكفاح المسلح السابق، فمن الجلي أن ما سبق من الكفاح المسلح لم يعد يكفي لسد جوع الأطفال أو السيطرة على معدلات التضخم.
وليس لهذه الأحزاب مفر من القلق بشأن مستقبلها السياسي سوى عبر ضمان انتخابات متلاعب بها، كما تشير التقارير لما حدث على يد روبرت موجابي وحزب الجبهة الوطنية التابع له في زيمبابوي.
وعلى الرغم من معدلات النمو المرتفعة التي تعتمد على الموارد الطبيعية؛ لم تفلت كل من ناميبيا وأنجولا من هذه اللعنة، فاضطرار كل من حزب حركة التحرير الأنجولي وحزب سوابو الناميبي الحاكمين إلى استخدام العنف المتزايد في كبت الاحتجاجات المتصاعدة لا يخفي خلفه سوى محاولة لحفظ حالة من اللاعدالة الاقتصادية والبطالة.
تمثل موزامبيق أوضح مثال على حالة اللاعدالة السابق ذكرها، فبالرغم من معدل نمو صحي يفوق الستة بالمائة على مدار العقد الماضي؛ يعيش تسعة من كل عشر موزمبيقيين على أقل من دولارين أمريكيين في اليوم، وفي دولة تمر بنمو اقتصادي مدعوم باحتياطي ضخم من الغاز والفحم؛ يعلم المواطنون بأن عليهم المطالبة بنصيب أكبر من الكعكة الاقتصادية من خلال تصويتهم في الانتخابات.
ومن غير الممكن فصل الهجوم الشديد على حزب جبهة التحرير عن فشله في التعامل مع الفروق الطبقية الشديدة والفساد المالي مع الحفاظ على حالة من عدم الشفافية.
ففي عصر تميز بمعدلات استهلاك فاقت أي شيء؛ لابد وأن الجوع يكتسب أبعادًا أعمق كثيرًا كمحرك للغضب الشعبي، ولا دليل على ما سبق خير من مظاهرات الطعام في مابوتو في 2010، أو مظاهرات الخبز التي حركت الربيع العربي، فبينما أظهر تقرير لمنظمة أوكسفام أن قرابة ربع الشعب الجنوب أفريقي (حوالي 13 مليون نسمة) ينامون جائعين؛ كلفت التجديدات والتوسعات في منزل الرئيس زوما دافعي الضراب قرابة 22 مليون دولار أمريكي.
يمكن القول إذن، أن الانتخابات في موزمبيق كشفت عن مدى عمق الفارق بين الفقراء والأغنياء، بفضل قدرة المجتمع المتزايدة على استخدام شبكات التواصل.
فنتيجة للتطور السريع لتكنولوجيا المعلومات والاتصال الدائم بشبكات التواصل الاجتماعي؛ اكتسبت صحافة المواطن نضجًا وتغلغلاً غير مسبوق في هذه المجتمعات الأفريقية، وأصبحت ثقافة التربح بين النخب الحاكمة، والفروق الطبقية الشاسعة حقائق جيدة التوثيق وواسعة الانتشار، وبينما يبدو على حزب جبهة التحرير الأنجولية بوادر مقايضته للحقوق الدستورية بفترة حكم أطول، يأمل المحللون أن أقرانه من جبهات التحرير السابقة لن يقوموا بمثل هذه البيعة، وأن تصبح هذه الاضطرابات بمثابة جرس إنذار يجدد الدم في عروق هذه الأحزاب ويدعوها لطرح مقاربات أكثر فعالية لهذه المشاكل وأن يهيئوا لسياسية ترتكز على المواطن بشكل أكبر، حتى لا يضطروا إلى حصاد مر في المستقبل القريب نتيجة لتجاهل هذه البوادر.