ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما علم تيكل أن الشرطة الإثيوبية اعتقلت كيداني زكرياس هابتماريام، رئيس عصابة وحشية للاتجار بالبشر، في شباط/فبراير سنة 2020 حيث من المقرر أن يمثُل أمام المحكمة، شعر بالغبطة. وفي هذا السياق، قال المهاجر الإثيوبي البالغ من العمر 29 سنة في ليبيا إنه تعرض للتعذيب والتجويع لأشهر في أحد المستودعات في ليبيا على يد كيداني. وصرح تيكل، الذي طلب التحدث باسم مستعار، لموقع ميدل إيست آي عبر الهاتف من مكان مجهول في ليبيا: “بالطبع كنت سعيدا. لقد كان كيداني مسؤولا عن الكثير من حالات الموت والمعاناة. لكنني كنت ساذجا للاعتقاد بأننا سنحصل على أي نوع من العدالة”.
لا يزال الرجل المحبط يحاول استيعاب خبر هروب كيداني، المتهمّ من قبل عشرات المهاجرين بالقتل والاغتصاب والابتزاز، من احتجار الشرطة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بعد سنة من اعتقاله. ويُعدّ كيداني، الإريتري في منتصف العمر، من بين أكثر المهرّبين المطلوبين في العالم من قبل وكالات إنفاذ القانون على جانبي البحر الأبيض المتوسط. لقد وصفه ضحاياه بأنه قاتل ومتعطش للدماء، وهو من بين العديد من مهربي البشر الذين استفادوا من الفوضى في ليبيا ما بعد القذافي، ويعتقد أنه استغل آلاف المهاجرين المحتملين الذين ينحدرون من القرن الأفريقي مثله.
يُقال إن كيداني، الذي وقع إحضاره إلى محكمة أديس أبابا لجلسة استماع مقررة في 18 شباط/فبراير، غيّر ملابسه وخرج إلى شوارع منطقة لديتا الصاخبة ليتوارى بعدها عن الأنظار. ويُعتقد أن كيداني نجح في دفع رشاوى للخروج من الحجز. يوم الجمعة، أدانت محكمة إثيوبية كيداني الهارب بتهم تهريب البشر. ومن المتوقع أن يُحكم عليه غيابيا في الأسابيع المقبلة، حيث لن تُنفّذ هذه العقوبة مُطلقا.
في هذا الصدد، قال تيكل: “هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في إثيوبيا، للأسف. المال يشتري لك مخرجا”. ومع هروب كيداني وتأجيل تنفيذ العدالة ضد رفاقه، أخبر الناجون موقع ميدل إيست آي عن الفظائع التي تعرضوا لها، بينما يستمر الصراع الاقتصادي والكفاح في زيادة يأس المهاجرين المحتملين، مما يغذي شبكات الاتجار بالبشر في جميع أنحاء المنطقة.
“جميع أنواع الأعمال الوحشية”
لا تزال إثيوبيا تحتجز تيولدي غواتوم، إريتري آخر متهم بأنه زعيم عصابة تهريب. تيولدي، المعروف باسم “وليد”، هو أحد شركاء كيداني المتهم أيضا باستخدام العنف المفرط في ليبيا والمطالبة بفدية مالية من عائلات المهاجرين الذين ينحدرون من إثيوبيا وإريتريا والصومال، وقتل أولئك الذين لم تتمكن أسرهم من تسليم مبالغ كبيرة تصل إلى ستة آلاف دولار.
شهد أكثر من اثني عشر ناجيا من الاتجار بالبشر وأفراد عائلاتهم وشهود عيان ضد الرجلين خلال محاكمتهما. ورسمت الشهادة الجماعية صورة لشبكة العمليات المعقدة التي يديرها المهربيْن عبر إثيوبيا والسودان وليبيا، مستغلين يأس المهاجرين المحتملين. وتجدر الإشارة إلى أن حوالي 70 بالمئة من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، تقل أعمارهم عن 30 سنة.
أدى ارتفاع تكاليف المعيشة والفقر والبطالة إلى جعل أعداد متزايدة من الإثيوبيين يفكرون في مغادرة البلاد عبر ممرات المهاجرين الخطرة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك الطريق الخطير للغاية عبر ليبيا والبحر الأبيض المتوسط بحثا عن آفاق أفضل في أوروبا.
تُعتبر مثل هذه الظروف مهيّأة للمتاجرين بالبشر، الذين حوّلوا إثيوبيا إلى مركز للهجرة في السنوات الأخيرة بسبب الطلب على خدماتهم. ويقول الناجون إنهم استُدرجوا من قبل شركاء كيداني وتيولدي المقيمين في إثيوبيا، حيث وعدوهم بتسهيل هجرتهم إلى أوروبا مقابل دفع الرسوم. في الواقع، وقع إرسال هؤلاء الناجين من إثيوبيا إلى أم درمان، ثاني أكبر مدينة في السودان. وبمجرد الوصول إلى هناك، وقع نقل الضحايا غير المرتابين عبر الصحراء الليبية وتسليمهم مباشرة إلى مستودع كيداني في بلدة بني وليد، على بعد حوالي 180 كيلومترا جنوبسّ شرقيّ العاصمة الليبية، طرابلس.
في هذا الإطار، أفاد الناجون أن المستودع كان مكان احتجاز الأسرى المختطفين في ظروف مزرية، حيث تعرضوا لسوء المعاملة والتهديد بالقتل حتى تقوم أسرهم إما بإيداع أموال الفدية أو ترتيب اجتماعات شخصية لتسليم حزم من النقود إلى شركاء المهربين المقيمين في إثيوبيا، الذين يحضرون مثل هذه اللقاءات مع إخفاء وجوههم. غالبا ما كان الأسرى يتعرضون للتعذيب إلى حد الموت للحصول على مدفوعات من أحبائهم، الذين عادة ما يلجؤون إلى بيع الممتلكات وأيّة عقارات قد يمتلكونها للحصول على الفدية. بعد ذلك، يعود المهاجرون المفرج عنهم إلى أوطانهم، بمساعدة سفاراتهم أو وكالات الأمم المتحدة.
كان فؤاد بدرو، وهو مواطن إثيوبي يبلغ من العمر 24 سنة، من بين أولئك الذين وقعوا في شراك شبكة المتجرين. لقد أمضى أكثر من ستة أشهر في مجمع بني وليد، حيث روى أنه تعرض للتعذيب على يد كيداني نفسه، قبل أن تدفع عائلته مبالغ هائلة من المال لشراء حريته. وفي حديثه مع “ميدل إيست آي”، قال فؤاد إن “كيداني يعيش في منزل مجاور للمخيم. وكان يأتي لرؤيتنا وضرب أحدنا عندما يروق له ذلك. إن الرجل وحش وهمجي. لقد شهدت الفظائع بجميع أشكالها. إن كيداني وعصابته غارقون في الدماء، والقتل لا يرقى لأي شيء يُذكر بالنسبة لهم”.
وليد فعل بالنساء ما يحلو له، حتى أنه منحهم لمقاتلين آخرين كجوائز
خلال المحاكمة، وصف الشهود أنه وقع تقييدهم بالحبال وجلدهم بوحشية، وسكب البلاستيك المذاب على أجسادهم. علاوة على ذلك، تُرك العديد من المهاجرين دون رعاية طبية ومُعرّضين للأنواء الجوية دون حماية، مما أدى إلى إصابتهم بمختلف الأمراض والالتهابات الجلدية. وفي هذا الصدد، أفاد فؤاد قائلا: “تصوّر أن تُترك جائعا دون طعام لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام، وذلك إلى جانب المعاناة التي سببتها معاملتهم الوحشية، ثم أن تُترك معرضا لدرجات الحرارة الشديدة. ويستطيع وحدهم من عاشوا تلك التجربة أن يألفوا حقيقتها”.
نقل موقع “ميدل إيست آي” عن أحد الناجين الآخرين باسم إتسوبي ميسيل، البالغ من العمر 26 سنة، أن “الضرب كان مبرحا دون رحمة، ومات كثير من الناس جراءه. في المقابل، كانت الفترة الوحيدة التي كان بإمكاننا فيها الذهاب إلى الخارج ورؤية نور الشمس واشتمام الهواء الطلق، كانت لدى استدعاء كيداني أحدنا لضربه”.
من جانبه، أكد إيتسوبي أن كيداني وتيولدي متهمان باغتصاب مئات النساء. وفي هذا السياق، صرّح قائلا: “وليد فعل بالنساء ما يحلو له، حتى أنه منحهم “لمقاتلين” آخرين كجوائز”. وأشار عدد من الشهود إلى أن المقاتلين، حيث كان الكثير منهم رعايا إثيوبيون وإريتريون، ساعدوا على فرض المعاملة الوحشية. ومن جهتهم، حما حراس ليبيون مسلحون مستودعات كيداني ومنعوا الأسرى من الفرار، مما يعني أن اثنين من أشهر المتجرين بالبشر في شمال إأريقيا يمكنهم أن يعتمدوا على ما يكاد يوصف بميليشيا كاملة لحماية مراكز عملياتهم في ليبيا.
خشية الانتقام
لا يعدّ فؤاد مجرد ناجٍ فحسب، وإنما هو الرجل الذي رصد كيداني في شوارع أديس أبابا خلال السنة الماضية وتعرّف على معذبه على الفور، فسارع في إبلاغ ضابط شرطة قريب، الذي احتجز بدوره كيداني ونقله إلى أقرب مركز شرطة. في المقابل، أثار فرار المتّجر من السجن مخاوف لدى فؤاد على حياته الآن.
صرّح فؤاد قائلا: “لم أعد أثق بأي أحد الآن. كيف يمكن لأحد كبار المجرمين أن يخرج من سجون الاعتقال بكل سهولة؟ يعدّ الخطر على سلامتي حقيقيا، بل إن [الشهود] جميعًا معرضون للخطر”. في يوم الجمعة الماضي، أجّلت محكمة في أديس أبابا موعد النطق بالحكم في محاكمة تيولدي، بسبب “شكلياتٍ إجرائية”.
من جهته، ذكر نائب المدعي العام الإثيوبي فيكادو تسيغا أن التأخير في المحاكمة خارج عن سيطرة النظام القضائي. وفي هذا الشأن، قال تسيغا لموقع “ميدل إيست آي” إن “الشرطة بدأت بالتحقيق فور اعتقالنا للرجال. في المقابل، لم يتنبأ أحد بتفشي الجائحة. وعلى الرغم من أن كوفيد-19 أخّر التحقيق والمحاكمات، إلا أنه من شأن محاكمة تيولدي أن تُعقد قريبًا”.
مع ذلك، أثار التأخير في قضية تيولدي، بالإضافة إلى الهروب السهل المذهل لزميله الخطير، مشاعر اليأس لدى الناجين من شبكة الاتّجار بالبشر. في هذا الإطار، أعرب إتسوبي عن ذلك، قائلا: “لا أثق في مسؤولي النظام القضائي الإثيوبي. لقد خانوا أبناء وطنهم. إذا عاد [كيداني] إلى ليبيا، فبالإمكان تصوّر مدى عدوانيّته تجاه الإثيوبيين حينها”.
في أواخر سنة 2020، تعرض الضحايا لمصدر آخر من الإحباط مع قرار الإفراج المؤقت عن المغني وكاتب الأغاني الإثيوبي طارقجن مولو، وهو أحد الشركاء المزعومين لكيداني، حيث اعتُقل النجم الصاعد في المشهد الموسيقي الإثيوبي بتهمة محاولة رشوة شهود الادعاء للتراجع عن شهادتهم ضد المتاجر بالبشر. بالإضافة إلى ذلك، وقع القبض على المغني في آب/ أغسطس، إذ اتهمته الشرطة الإثيوبية بمساعدة زعيم الاتجار بالبشر في عمليات غسيل الأموال، وتلقي تحويل برقي قدره مليون بر إثيوبي (ما يعادل 24 ألف دولار) بهدف استخدامها للضغط على شهود المحاكمة.
الصراع في منطقة تيغراي الشمالية بإثيوبيا وعدم الاستقرار العام في أماكن أخرى من البلاد يعني أن الإثيوبيين سيظلون مستهدفين من قبل أخطر المجرمين في إفريقيا
يُزعم أن صعود طارق في القطاع الموسيقي كان ممولا بشكل جزئي من خلال أموال واردة من شبكة كيداني للاتجار بالبشر، وذلك وفقًا لناشطة حقوق الإنسان ميرون إستيفانوس، التي تتبعت عصابات الاتجار بالبشر في المنطقة لسنوات. عموما، أوضحت ميرون لموقع “ميدل إيست آي” أن “طارقجن وكيداني كانا صديقين منذ سنوات، لأن كيداني يحب الفنانين والمشاهير بشكل عام. وقد غطى كيداني تكاليف العديد من حفلات طارقجن في دبي. فعادة ما كان كيداني جالسا في الصف الأمامي أثناء تلك الحفلات، ثم كانا يذهبان للشرب والاستمتاع بوقتهم معًا بعد ذلك”.
بالنسبة للناجين من عصابة الإتجار بالبشر، فلا بد أن يُحاسَب طارقجن على دوره المزعوم في دعم العملية المميتة. في هذا الصدد، قال تيكلي: “لا ينبغي أن يكون المغني خارج السجن. لقد بنى حياته المهنية باستخدام المال الملطخ بدماء المهاجرين الأبرياء. وكان على اطلاع تام بنوع الأنشطة التي يشارك فيها صديقه كيداني”.
لم يتضح تأثير احتجاز كيداني وتيولدي لمدة سنة على شبكات الاتجار بالبشر في إثيوبيا. في المقابل، أفادت ميرون أن الصراع في منطقة تيغراي الشمالية بإثيوبيا وعدم الاستقرار العام في أماكن أخرى من البلاد يعني أن الإثيوبيين سيظلون مستهدفين من قبل أخطر المجرمين في إفريقيا. وشددت ميرون على أن “الحرب تعني أن المزيد من الإثيوبيين يرغبون في مغادرة البلاد، حيث يستغلّ المهربون هذا الموقف بالفعل”.
المصدر: ميدل إيست آي