بعد شهور قليلة تعتزم المملكة المغربية تنظيم الاستحقاقات البرلمانية والجماعية (البلدية)، هي الثالثة منذ الإصلاحات الدستورية لعام 2011، إلا أن المناخ الذي يجري فيه التحضير للانتخابات يشهد غيابًا للنقاش السياسي الجاد، الذي من شأنه أن يُحدث تنوعًا في الآراء والمواقف ويعزز إرساء الديمقراطية الحقيقية.
ديمقراطية هجينة
يستمر مؤشر الديمقراطية العالمي في تصنيف المغرب ضمن خانة “الأنظمة الهجينة”، فقد حلت المملكة في المركز 96 عالميًا من أصل 167 دولة، وفقًا للمؤشر الذي يصدر سنويًا عن مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية، معتمدًا على مدى التزام هذه الدول بمعايير العملية الانتخابية والتعددية وأداء الحكومة والمشاركة السياسية والثقافة السياسية والحريات المدنية.
من المفروض أن ينصب النقاش السياسي على دور الأحزاب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، من أجل خلق مناخ من الثقة في المشهد السياسي، يتجسد في إقبال الناخبين على المشاركة في العملية الانتخابية، عوض عزوف فئة كبيرة خاصة الشباب، وهو ما يؤرق الدولة والأحزاب على حد سواء.
في ظل سياق سياسي صعب ودقيق، يتسم بفقدان المواطن المغربي الثقة في العملية السياسية والانتخابية، تتخوف الدولة والقوى السياسية من تدني نسبة المشاركة والإقبال على صناديق الاقتراع، المزمع تنظيمه صيف أو بداية خريف العام الحالي.
دخل المشهد السياسي عام 2021 مثقلًا بالأزمات، وطفت على السطح الصراعات الداخلية التي تعيشها الهيئات الحزبية في الأغلبية والمعارضة على حد سواء
تكرار سيناريو 2007
وفقًا لمعطيات وزارة الداخلية بلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية نحو 15.75 ناخبًا وناخبة، أي بزيادة قدرها حوالي 44 ألف مقارنة بالانتخابات السابقة المنظمة في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2016، إلا أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع يومها لم تتجاوز 43%، وهي نسبة ضعيفة إذا قورنت بالجارة الإسبانية حيث بلغت نسبة التصويت 69% في الانتخابات التشريعية لـ2019.
تتوجس الدولة والأحزاب السياسية من تكرار سيناريو انتخابات 7 من سبتمبر/أيلول 2007 عندما تدنت نسبة المشاركة إلى 37%، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشكل عقبة حقيقية أمام المسار الإصلاحي الذي انتهجه المغرب منذ الربيع العربي، وجعله استثناءً في المنطقة.
منذ اعتماد دستور المملكة المغربية الجديد عام 2011، يشير الواقع السياسي المعاش إلى استمرار السلوكيات والأسباب نفسها التي لا تغري الناخبين بالمشاركة، ووجود أزمة ثقة في العملية السياسية والانتخابية، كما في القوى السياسية المرتبطة بها.
مخاض عسير ومؤلم
دخل المشهد السياسي عام 2021 مثقلًا بالأزمات، وطفت على السطح الصراعات الداخلية التي تعيشها الهيئات الحزبية في الأغلبية والمعارضة على حد سواء، تائهة في مخاض عسير ومؤلم، تجسدت في أزمات حادة بين قياداتها وقواعدها.
احتد التوتر التنظيمي لحزب العدالة والتنمية، المتصدر للمشهد السياسي منذ العام 2011، إثر قرار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، في 10 من ديسمبر/كانون الأول 2020، الذي وقعه رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني بمعية جاريد كوشنر ومئير بن شبات.
لكن الأزمة لم تقف عند هذا الحد، بل نفذ رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران تهديده بتجميد عضويته، بمجرد اعتماد المجلس الحكومي مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، كما قرر قطع علاقاته مع العثماني وقيادات أخرى من الحزب قبل أن يتراجع عن ذلك بعد تدخل عدد من الإخوان لإصلاح ذات البين، لكنه لم يتراجع عن تهديده بالانسحاب نهائيًا من الحزب إذا صوت نواب العدالة والتنمية في البرلمان لتمرير هذا القانون المثير للجدل.
انشغال الأصالة والمعاصرة في ترتيب أموره الداخلية لم ينته بعد، بالتالي منح فرصة لصعود منافس جديد وهو حزب التجمع الوطني للأحرار
صراع الأعيان واليسار
حزب الأصالة والمعاصرة هو كذلك لم يتعاف بعد من أزمته الداخلية التي طال أمدها، بعدما توالت خسارته الانتخابية في الإطاحة بالإسلاميين في محطتي 2011 و2016، وجد هذا الحزب نفسه أكثر من مرة يواجه أزمة داخلية تهدد وحدته جراء عدم القدرة على استيعاب التناقضات الكبيرة بين مكوناته، أي الأعيان واليساريين.
ولم تفلح جميع محاولات رأب الصدع المتفاقم داخل أكبر حزب معارض في البرلمان، بل تصاعدت الزوابع داخل الأصالة والمعاصرة منذ المؤتمر الرابع الذي عُقد بين 7 و9 من فبراير/شباط 2020، وتولي عبد اللطيف وهبي قيادة الأصالة والمعاصرة خلفًا للأمين العام المنتهية ولايته حكيم بنشماس، وذلك باعتبار وهبي مرشحًا وحيدًا في جو اتسم بالتوتر، وسيطرت عليه مظاهر الاحتجاجات والتشابك بالأيدي والانسحاب الجماعي للمتنافسين (ثلاثة مرشحين) من سباق الأمانة العامة، مباشرة قبل بدء عملية التصويت.
أسلوب رخيص
انشغال الأصالة والمعاصرة في ترتيب أموره الداخلية لم ينته بعد، بالتالي منح فرصة لصعود منافس جديد وهو حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة رجل الأعمال الشهير ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، هذا الأخير يسابق الخطى من أجل بلوغ هدفه المنشود بالتربع على منصب رئاسة الحكومة، وقد نجح حزبه في استمالة عدد من الأعضاء بعدما استقالوا جماعيًا من الأصالة والمعاصرة.
مؤخرًا قامت ضجة حول التجمع الوطني للأحرار، في شهر رمضان بعدما تفاجأ مواطنون – استفادوا من إعانات خيرية لمؤسسة غير حكومية – بأنفسهم أعضاء في هذا الحزب، بعد توصلهم ببطاقات الانخراط، علمًا بأنهم لم يطلبوا ذلك بل فقط أدلوا بنسخ من بطاقة التعريف الوطنية قصد الاستفادة من هذه المبادرة.
استنكر المواطنون هذا الأسلوب الرخيص الذي ينم عن استمرار الأحزاب السياسية في استغلال حاجة الفقراء من أجل استمالة أصواتهم مع اقتراب الانتخابات، فعوض أن يجتهد اللاعبون السياسيون في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العالقة، فإنهم يتسابقون للاحتفاظ بمناصبهم أو الترقي فيها، مهما كانت وسيلتهم، فالغالية تبررها.
عوض أن يرتقوا بخطابهم إلى نقاش ونقد سياسي بناء يخدم المسار الديمقراطي، ينخرطون في دوامة من المواجهات، تجعل المتابع كمن يشاهد مسرحية هزلية
السياسة والهزل
أخنوش اعتبر ردود الفعل هذه عبارة عن أخبار زائفة تخدم أجندات سياسية، مبرزًا أن تلك المؤسسة وقف على تأسيسها وتنميتها بمعية عدد من المساهمين منذ خمس سنوات، وقال مضيفًا: “لكن للأسف اليوم ألاحظ خرجات تشكك في النوايا وتبخس المجهود التنموي والتضامني.. أنا أتعجب من أولئك الذين يزرعون الكلام ولا يزرعون العمل”، إلا أن زعيم الأحرار لم يشر أبدًا في خرجته الإعلامية إلى منح مواطنين عضوية الحزب دون أن يعبروا كتابيًا أو حتى شفهيًا عن رغبتهم في الانخراط.
أصبح مألوفًا أن تتفجر فضيحة حزب سياسي، ثم يخرج فيما بعد مدافعًا عن نفسه بإلصاق التهمة إلى قوى سياسية منافسة، كأن مهمته الوجودية هي الدفاع عن تنظيمه وتبرير أخطائه ومهاجمة الأحزاب السياسية الأخرى.
كل يبخس من الآخر ويسعى للاستقواء من أخطائه وأزماته الداخلية، في مناخ يتسم بتبادل الاتهامات والصراع غير الناضج، الذي يزيد من فقدان ثقة المواطنين في هؤلاء اللاعبين، فعوض أن يرتقوا بخطابهم إلى نقاش ونقد سياسي بناء يخدم المسار الديمقراطي، ينخرطون في دوامة من المواجهات، تجعل المتابع كمن يشاهد مسرحية هزلية.