تشهد العلاقات المصرية الإماراتية توترًا مكتومًا خلال الأونة الأخيرة بصورة تتناقض تمامًا مع ما كانت عليه قبل 7 سنوات، حين كانت أبو ظبي الداعم الأبرز والأقوى لنظام ما بعد الثالث من يوليو/تمًوز 2013، لتصل الأجواء بين البلدين إلى مرحلة غير مسبوقة من الضبابية.
الميكافيللية الإماراتية والبرغماتية المصرية كانتا السبب الأبرز وراء هذا البرود في العلاقات التي كانت بالأمس حميمية بين عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، خاصة بعد تقاطع المصالح بينهما في العديد من الملفات التي تحمل بين ثناياها تهديدًا للأمن القومي لمصر على وجه التحديد.
أرخى هذا الفتور الواضح في العلاقات بستائره على مستقبل العديد من المصالح المشتركة والقضايا العالقة بين البلدين خلال الفترة الحالية، وهو ما يمكن قراءته من خلال التناقض الكبير في السياسة الخارجية لكل من النظامين حيال بعض الملفات الإقليمية.
بعض المصادر رجحت قيام ولي عهد أبو ظبي بزيارة قريبة للقاهرة، يحاول من خلالها تخفيف حدة التوتر الذي تجاوز بعده الرسمي إلى المستوى الشعبي، حيث تتعرض الدولة الخليجية إلى هجوم وانتقادات حادة من قبل نشطاء ومغردين مصريين بسبب ما أسموه تغليب الإمارات لمصالحها الخاصة على الأمن القومي المصري، هذا بخلاف توريطها للدبلوماسية المصرية في أكثر من مسار، الأمر الذي وصفه البعض بـ”الخيانة”.
زيارة تبريد الأجواء
الملف الأبرز الذي يحمله بن زايد في حقيبته حال زيارته للعاصمة المصرية يتعلق بمحاولة تبريد الأجواء المشتعلة بين البلدين رغم أنها لم تخرج للعلن بصورة رسمية، لكن مؤشراتها الواضحة تكشف عنها موجات شد وجذب مكتومة بين القاهرة وأبو ظبي خلال العامين الماضيين.
ويعد الملف الليبي في مقدمة الملفات التي ساهمت في تعزيز هذا التوتر، حيث حادت القاهرة كثيرًا عن الخط الإماراتي المرسوم مسبقًا، والذي كان يعتمد على دعم ميليشيات اللواء متقاعد خليفة حفتر على طول الخط، وهو ما رأه الجانب المصري توريطًا سياسيًا وعسكريًا ربما يكون له أبعاده السلبية.
هذا بخلاف التعاون المقلق بين أبو ظبي وتل أبيب، الأمر الذي اعتبرته القاهرة – حتى وإن لم تفصح عن ذلك رسميًا- تهديدًا لها، لاسيما ما أثير مؤخرًا بشأن التعاون بين البلدين – الذين وقعا على اتفاقية تطبيع في سبتمبر/حزيران الماضي-، لتنفيذ مشروعات تنموية لوجستية تحمل بين ثناياها تهديدًا لموارد مصر الهامة وأبرزها قناة السويس.
وفي السياق ذاته فقد نشبت أزمة كبيرة بين البلدين مؤخرًا بسبب اتهامات كانت قد وجهتها الإمارات للمخابرات المصرية بشأن امتلاكها لمعلومات عن مخطط استهداف سفارتي أبوظبي في كل من إثيوبيا والخرطوم والذي كشف عنه في فبراير/شباط الماضي، دون تزويد الجانب الإماراتي بها، بحسب تسريبات لبعض المصادر الإعلامية.
المصادر أشارت إلى مواجهة حدثت بين مسؤول إماراتي ورئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، بشأن تلك المعلومات، لكن الأخيرة نفى هذا الأمر بالكلية، هذا في الوقت الذي تؤكد فيه تلك المصادر على حصول القاهرة على تلك المعلومات بالفعل بحكم نشاطها الاستخباراتي الأخير في منطقة القرن الإفريقي خلال الأونة الماضية.
الجانب الإماراتي لم يخف امتعاضه من هذا الفتور في العلاقات مع الحليف المصري، ولذا جاء الرد سريعًا لكن من خلال أدوات واستراتيجيات اقتصادية، إيمانًا بقيمة وتأثير تلك الأداة على الموقف المصري، فكان الانسحاب من العديد من المشروعات خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة وسحب مليارات الدولارات كانت قد وعدت بها الدولة النفطية للاستثمار في هذا المشروع الذي يصفه السيسي بـ”الجمهورية الجديدة”.
لو كانت الامارات حليف فعلى لمصر كما يدعي النظام و مؤيديه لما لعبت دور مهم وحاسم فى ملف الصلح والسلام بين ايتريا و اثيوبيا، اليوم ايتريا حليف قوى لإثيوبيا فى ملف سد النهضة، الامارات دعمت اثيوبيا فى ملف السد عبر تمويل بنوك إماراتية، وأخيرًا ارسال مساعدات إماراتية لإثيوبيا. pic.twitter.com/kEc6tF38VS
— مدنى (@madnaa_) April 1, 2021
سد النهضة.. الملف الأبرز
تقرير سابق لـ”نون بوست” كان قد كشف تعزيز الإمارات لعلاقاتها مع إثيوبيا في خضم الأزمة مع القاهرة بشأن تعثر مفاوضات سد النهضة، في ظل التعنت الإثيوبي الذي بات يمثل تهديدًا للمستقبل المائي لقرابة 100 مليون مصري، فبينما كان ينتظر المصريون تغير حكومة آبي أحمد لسياساتها المتشددة بشأن هذا الملف استجابة للضغوط التي تتعرض لها داخليًا وخارجيًا، إذ بأبناء زايد يوقعون مذكرة تفاهم عسكرية لتعزيز التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية مع الحكومة الإثيوبية في 2019.
وسبق تلك الاتفاقية دعم اقتصادي أخر، حيث قدمت الدولة الخليجية لنظيرتها الإفريقية 3 مليارات دولار عام 2018 كمساعدات واستثمارات، فيما عززت استثمارتها لتصل إلى أكثر من 90 مشروعًا منها 33 مشروعًا عاملًا و23 مشروعًا قيد الإنجاز.
وظلت الدولة الخليجية الحليفة لنظام السيسي الداعم الأكبر لحكومة آبي أحمد، والحاضنة السياسية والاقتصادية لها في مواجهة جبهة تحرير تيغراي، وذلك عبر مسارات ثلاث، الأول: اقتصادي من أجل مواجهة الاحتقان الشعبي الداخلي، الثاني: عسكري، للتصدي لأي تهديدات داخلية أو خارجية، أما الثالث: الدعم السياسي في عدد من الملفات بعضها يتقاطع مع دول عربية شقيقة كمصر والسودان.
هذا الدعم الواضح ساهم في توتير الأجواء القاهرية الإماراتية بصورة قادت نشطاء – وفي سابقة من نوعها خلال السنوات الثمان الماضية- إلى شن حملة ضد الإمارات بسبب هذا الموقف المتخاذل، في الوقت الذي أعلنت فيه بعض دول المنطقة دعمها الكامل للموقف المصري في حرب المياه الدبلوماسية التي يخوضها ضد الجانب الإثيوبي.
الميكافيللية الإماراتية تسعى للحفاظ على العلاقات مع الخصمين، القاهرة وأديس أبابا، دون التضحية بأحدهما، وهو ما يمكن قراءته من خلال تلك الزيارة المرتقبة لبن زايد، الذي من المرجح أن يحاول الوصول إلى نقطة مشتركة بشان ملف السد تكون مرضية بشكل أو بأخر لجميع الأطراف.
وعليه فقد ربط البعض بين تلك الزيارة والمبادرة الإماراتية لحلحلة أزمة السد التي أعلنت عنها مؤخرًا ورفضتها القاهرة، خاصة بعد عودة وزير الري السوداني، ياسر عباس، الحديث عنها مرة أخرى، والإشارة إلى إمكانية تحويل هذا المشروع إلى استثمار مشترك بين الدول الثلاث (مصر – السودان – إثيوبيا).
الأموال الإماراتية التي تم ضخها في مشروع السد، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، بجانب الأهداف السياسية واللوجستية التي تسعى لتحقيقها من وراء هذا الدعم، والتي تتطابق مع الحليف الإسرائيلي، كلها تطورات تدفع الإمارات لمحاولة امتصاص غضب الجانب المصري الذي تغيرت لغته بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، وصلت إلى التلويح بالخيار العسكري، وإن كان مستبعدًا.
التقارب المصري التركي
تشهد الساحة التركية المصرية مؤخرًا مغازلة دبلوماسية من الطرفين بشأن التقارب بينهما وتبريد الأجواء الملتهبة والمستمرة منذ الانقلاب العسكري في يونيو/حزيران 2013، والتي تأتي انطلاقًا من التحديات الراهنة التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة.
رسائل متبادلة، على المستوى السياسي والعسكري، بين القاهرة وأنقرة، لاشك وأنها أقلقت أبو ظبي بصورة كبيرة، في ظل حالة العداء الواضحة بين البلدين، إذ ترى الأخيرة أن التحركات التركية الإقليمية تمثل العائق الأبرز في تحقيق الأجندة الإماراتية في المنطقة.
وكما كان للإمارات دور محوري في تعطيل خطوة المصالحة مع قطر وتوظيف نفوذها السياسي والاقتصادي للحيلولة دون إتمام هذه الخطوة، فإنها تسعى في إطار مواز إلى عرقلة أي تقارب مصري تركي من شأنه أن يهدد مصالحها المتشعبة في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
اعتمد الإماراتيون طيلة السنوات الماضية في توسعة دائرة نفوذهم الإقليمي على سياسة “فرق تسد” فكان تعزيز الجراح الغائرة في اليمن وليبيا ودول القرن الإفريقي وتعميق الخصومة والخلافات الدبلوماسية مع قطر وفلسطين، والتدخل في شؤون مصر وتونس والمغرب، الاستراتيجية الأكثر حضورًا واستخدامًا خلال العقد الأخير.
وفي المحصلة فإن الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات بشأن سد النهضة والحديث عن تصعيد دبلوماسي وسياسي ضد أديس أبابا، بجانب القلق بشأن احتمالية أن يكون لتركيا دور في هذا المسار مستقبلًا من خلال القيام بدور الوساطة، هذا بخلاف تنحية حفتر المدعوم إماراتيًا من المشهد الليبي المرحلة المقبلة، كل هذا ربما يدفع بن زايد لحمل حقيبته متوجهًا للقاهرة في أقرب وقت.