ترجمة: حفصة جودة
وقّعت مصر اتفاقات لتصنيع لقاحَي “سينوفاك” الصيني و”سبوتنيك في” الروسي، وسط آمال بتحويل البلاد إلى مركز لإنتاج لقاحات فيروس كورونا للقارة الإفريقية بأكملها، حيث وقّعت شركة مملوكة للدولة اتفاقيتَين يوم 21 أبريل/ نيسان مع شركة سينوفاك الصينية للصناعات البيولوجية، من أجل إنتاج لقاحها لفيروس كورونا في مصر.
بعدها بيوم وقعت شركة مصرية اتفاقية مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي وصندوق الثروة السيادية الحكومي الروسي لتصنيع لقاح “سبوتنيك في” محليًّا، وتخطط مصر إنتاج 80 مليون جرعة من اللقاح الصيني و40 مليون جرعة من اللقاح الروسي سنويًّا.
يقول المراقبون إن هذه الكمية ستكون كافية لتغطية احتياجات المصريين وتعزيز الاستجابة الوطنية لكوفيد-19، كما يقول محمود أبو الخير عضو لجنة الصحة في البرلمان: “سيكون عدد الجرعات المنتجة محليًّا من اللقاحَين كافيًا لتلبية الاحتياجات الوطنية، وعلى كل حال تخطط مصر لأكبر من مجرد تلبية الاحتياج المحلي”.
كما يقول مسؤولو الصحة المحلية إن الفائض من إنتاج اللقاح سيتم تصديره للدول الإفريقية لتلبية الاحتياجات المتزايدة في القارة.
طموحات الإنتاج
استعدت مصر لإنتاج لقاح كوفيد-19 محليًّا منذ عدة أشهر، وتمتلك الأمة العربية -التي يُقدر عدد سكانها الآن بأكثر من 100 مليون- قاعدة صناعية دوائية تعمل منذ عقود، لكن هذه القاعدة الآن أصبحت مجرد ظل لعدة أسباب، من بينها سياسات تسعير الدواء المضلّلة، ونقص التمويل الكافي للأبحاث، والمنافسة الصعبة من صنّاع الأدوية الإقليميين والعالميين.
افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مدينة دوائية ضخمة في محافظة القليوبية شمال القاهرة، ستقوم تلك المدينة بإنتاج أدوية ومواد خام عالية الجودة بأسعار معقولة.
ومع ذلك تبذل مصر جهدها لإعادة صناعة الدواء إلى قوتها السابقة، وفي شهر يناير/ كانون الثاني قال المتحدث باسم وزارة الصحة خالد مجاهد إن مصر تتطلع إلى أن تصبح مركزًا لصنع وتوزيع اللقاحات في الشرق الأوسط وإفريقيا.
يأتي ذلك بعد وقت قصير من جولة وزيرة الصحة هالة زايد في مجمع تخزين اللقاحات في حلوان؛ المدينة الصناعية التي تقع جنوب القاهرة الكبرى، ويضم المجمع ثلاجات لتخزين كل أنواع اللقاحات.
بعد 3 أشهر من ذلك افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مدينة دوائية ضخمة في محافظة القليوبية شمال القاهرة، ستقوم تلك المدينة بإنتاج أدوية ومواد خام عالية الجودة بأسعار معقولة.
تقوم مصر بإنتاج حوالي 85% من الأدوية الموجودة في السوق محليًّا، ومع ذلك تعد المواد الخام تحديًا كبيرًا لـ 150 شركة دوائية في البلاد، حسبما يقول المتخصصون، كما يقول خبير الأدوية المستقل محمود فؤاد: “تعتمد معظم شركات الدواء المحلية على المواد الخام التي تأتي من الخارج، ويدفعون مليارات الدولارات سنويًّا لاستيراد هذه المواد”.
الموجة الثالثة
تأتي الاستعدادات لتصنيع لقاحات كوفيد-19 محليًّا مع اتساع مجال انتشار المرض في مصر وبداية الموجة الثالثة، فإصابات ووفيات كوفيد-19 اليومية في ازدياد، ما يؤدي إلى تصاعد الخوف في البلاد والدعوة إلى فرض إجراءات وقائية أكثر صرامة.
تجاوزت الإصابات اليومية الآن 800 إصابة، حيث ارتفعت بعد انخفاضها عقب ذروة ديسمبر/ كانون الأول الأخيرة، بينما تجاوزت الوفيات 40 حالة يوميًّا.
بدأ تحصين العاملين في الخدمات الصحية بمستشفيات العزل منذ أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، ورغم ذلك ما زال العاملون في الخطوط الأمامية للاستجابة الوطنية يسقطون ضحايا الفيروس.
وقد قالت زايد في يناير الماضي إن تقارير الإصابة والوفيات التي تصدرها وزارة الصحة يوميًّا مجرد 10% من الرقم الفعلي، ورغم زيادة عدد الإصابات فإن المواطنين فشلوا في الالتزام بالقيود، كما فشلت السلطات في فرض إجراءات الوقاية.
كما يقول مختصّ أمراض الرئة البارز رشدي يوسف: “يلتزم عدد قليل من الناس بالإجراءات الوقائية، ما تسبب في الارتفاع الحالي، وعلى السلطات أن تتصرف الآن وتمنع انتشار المرض بفرض المزيد من الإجراءات الوقائية ومن بينها التباعد الجسدي وارتداء الكمامات”.
يتوقع مسؤولو الصحة أن ترتفع حالات الإصابات والوفيات في الأيام القادمة بسبب التجمعات العائلية التي تعد تقليدًا مصريًّا هامًّا في شهر رمضان، الذي سيستمر حتى منتصف مايو/ أيار المقبل، وتظهر حدة الموجة الثالثة للجائحة بشكل ملحوظ في وسط محافظة سوهاج، حيث ازدادت أرقام العدوى والوفيات بشكل كبير.
طرح بطيء للقاح
يأتي الإنتاج المحلي المحتمل للقاحات وسط تجاه مصر إلى طرح لقاح كوفيد-19 بوتيرتها الخاصة، فقد بدأ تحصين العاملين في الخدمات الصحية بمستشفيات العزل منذ أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، ورغم ذلك ما زال العاملون في الخطوط الأمامية للاستجابة الوطنية يسقطون ضحايا الفيروس.
توفي حوالي 50 عاملًا من العاملين في الخدمات الصحية بسبب فيروس كورونا في النصف الأول من شهر أبريل/ نيسان، ليرتفع عدد وفيات مجال الصحة بسبب هذا المرض منذ ظهوره في مصر في فبراير/ شباط العام الماضي إلى 500 حالة، وفقًا لنقابة الأطباء.
كان الأمين العام لنقابة الأطباء أسامة عبد الحي قد اشتكى من بطء وتيرة تحصين العاملين في مجال الصحة يوم 20 أبريل/ نيسان، وحذّر من المخاطر الكبيرة لذلك، وتتعرض السلطات الصحية أيضًا لانتقادات بسبب بطء وتيرة التطعيم العام الذي بدأ في أول مارس/ آذار.
يقول المتخصصون إن بطء وتيرة طرح اللقاح سيعيق قدرة مصر على احتواء فيروس كورونا، ويقول يوسف: “لقد تمكّنا من تحصين جزء صغير من السكان فقط حتى الآن، فكيف سنستأصل أو نحتوي المرض بهذه الطريقة”.
حتى يوم 27 مارس/ آذار، تمكنت مصر تقديم 164534 جرعة من لقاحات كوفيد-19 وفقًا لموقع “Covidvax.live” الذي يقدم تعدادًا مباشرًا لجرعات اللقاح التي تم تقديمها حول العالم.
دبلوماسية اللقاح
في منتصف فبراير/ شباط هذا العام، قال السيسي إن بلاده ستستخدم إمكاناتها لمساعدة الدول الإفريقية للحصول على لقاحات كوفيد-19، وتحاول مصر أن تستخدم لقاحات كورونا -التي تُحرَم منها معظم الدول الإفريقية بينما تحصل الدول الغنية على معظم الجرعات المنتجة لأنفسها- كورقة دبلوماسية لكسب الحكومات والشعوب الإفريقية، حسبما يقول المحللون.
يأتي ذلك في الوقت الذي تكافح فيه تلك الدولة العربية للعودة إلى الأجواء الإفريقية. تقول هبة البشبيشي أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة: “هذه هي الحقيقة خاصة إذا أصبحت دولتنا بوابة إفريقيا للقاحات في هذا الوقت الحرج”.
دعمت القليل من الدول الإفريقية مصر في مواجهتها السياسية الحاسمة مع إثيوبيا، ومع ذلك تحاول القاهرة الآن إعادة بناء الثقة مع العواصم الإفريقية.
قد أهملت مصر روابطها مع الدول الإفريقية لفترة طويلة في الماضي، لكنها على كل حال دفعت الثمن باهظًا، خاصة فيما يتعلق بالتطورات الحاسمة في الفترة السابقة، ومن بينها بناء إثيوبيا لسدٍّ ضخم فوق النيل الأزرق الرافد الرئيسي لنهر النيل، الذي يوفر لمصر معظم مياهها.
وقد دعمت القليل من الدول الإفريقية مصر في مواجهتها السياسية الحاسمة مع إثيوبيا، ومع ذلك تحاول القاهرة الآن إعادة بناء الثقة مع العواصم الإفريقية، حيث تعمل على حماية حصتها من نهر النيل.
الحلم يتحقق
يتوقع مسؤولو الصحة أن تبدأ المصانع المحلية في إنتاج لقاحَي “سينوفاك” و”سبوتنيك في” في الأشهر القليلة القادمة، لكن هذه الخطوة تأخرت كثيرًا نظرًا إلى أن مصر تحدّثت عن الإنتاج المحلي للقاح الصيني منذ يوليو/ تموز الماضي.
يقارن بعض الناس مصر بالهند، حيث استعدت شركة الأدوية الهندية Serum Institute of India لإنتاج لقاح “أسترازينيكا” منذ أبريل/ نيسان العام الماضي، والآن تنتج مئات ملايين الجرعات من اللقاح نفسه للدول النامية.
يشير متخصصو اللقاح المحليون أيضًا إلى بعض التحديات في طريق إنتاج اللقاحات في مصر، ومن بينها الطبيعة الفقيرة لمختبرات البلاد، حيث يقول خبير اللقاحات علي فهمي: “نحن بحاجة ماسة إلى تحديث مختبراتنا، ورغم ذلك إن إنتاج اللقاحات محليًّا هو حلم قديم يتحقق أخيرًا”.
المصدر: ميدل إيست آي