تسعى اليونان جاهدة لحشد أكبر قدر ممكن من الدول إلى صفها في صراعها الدائر مع تركيا شرق البحر الأبيض المتوسط، فمنذ بداية التوتر حول الحدود البحرية بين البلدين، وملف التنقيب عن الغاز الطبيعي، نجحت اليونان في جلب تأييد كل من السعودية والإمارات إلى جانب الدعم الأميركي والأوروبي والفرنسي على وجه الخصوص.
وأظهرت السعودية والإمارات وقوفهما بجانب اليونان في العديد من المواقف، بدءًا بالترحيب باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا، والتي وقّعت بداية أغسطس/ آب 2020، مرورًا بالتدريبات العسكرية المشتركة بين كل من الرياض وأبوظبي من طرف وأثينا من طرف آخر في الشهور الماضية، وانتهاءً بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين الرياض وأثينا التي وقعت بالرياض في 20 أبريل/ نيسان الجاري.
والتحركات السعودية والإماراتية لدعم اليونان في صراع شرق المتوسط مستغرَبة، باعتبار أن هاتين الدولتين لا تملكان حدودًا برية أو بحرية سواء مع تركيا أو اليونان، ولكن تركيا ترى الأمر على أنه مناكفة لها عقب النجاحات التي حققتها برفقه حلفائها مقابل الحلف السعودي الإماراتي، المدعوم من مصر والبحرين في العديد من الساحات الدولية والإقليمية، كان أبرزها الملف الليبي والسوري والعراقي وحتى الأذربيجاني.
اتفاقية التعاون الدفاعي بين الرياض وأثينا
عقب الزيارة التي أجراها وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس للسعودية، كشف الوزير عن توقيع بلاده اتفاقًا لتزويد السعودية بنظام باتريوت للدفاع الجوي، بهدف حماية منشآت الطاقة الحيوية في المملكة السعودية من الهجمات الصاروخية، حيث كثّف الحوثيون في الآونة الأخيرة إطلاق صواريخ باليستية ومقذوفات ومسيّرات استهدفت مناطق واسعة داخل المملكة السعودية.
ويعتبر نظام باتريوت الدفاعي أحد أفضل الأنظمة المضادة للصواريخ، حيث يمكن لراداره أن يغطي مساحة تصل إلى 170 كيلومترًا، بينما يمكنه الاشتباك مع أهداف في مدى يصل إلى 150 كيلومترًا.
ووقّع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ونظيره ديندياس، الثلاثاء، خلال لقائهما في الرياض بحضور وزير الدفاع اليوناني نيكولاس باناجيوتوبولوس، اتفاقية تعاون دفاعي عسكري بين البلدين بشأن مشروع الترتيبات الخاصة بالوضع القانوني للقوات المسلحة اليونانية المشاركة في دعم القدرات الدفاعية للمملكة.
تهدف اليونان من خلال توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي مع المملكة السعودية إلى كسبها لحلفها في الصراع الدائر مع تركيا شرق المتوسط.
وبمقتضى اتفاقية التعاون الدفاعي، الموقّعة حديثًا، ستقوم أثينا بنشر قواتها العسكرية وخبرائها على أراضي المملكة العربية السعودية في حدود التعاون، لأجل نصب وتشغيل نظام باتريوت للدفاع الجوي. وأوضح ديندياس، في وقت سابق، أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اليوناني، أن نظام الصواريخ الذي مُنح للسعودية ليس سلاحًا هجوميًّا، بل هو سلاح دفاعي، مطمئنًا بأن بلاده لم ولن تتبع سياسات عدوانية أبدًا.
وتهدف اليونان من خلال توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي مع المملكة السعودية إلى كسبها لحلفها في الصراع الدائر مع تركيا شرق المتوسط، كما تسعى اليونان لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال استخدامها للبوابة السعودية لتحقيق ذلك، ليعلن مجلس التعاون الخليجي في بيان مساء الثلاثاء، عن توقيع أمينه نايف الحجرف، مع وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، مذكرة تفاهم للمشاورات حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
التدريبات العسكرية المشتركة
سبق توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين اليونان والمملكة السعودية لوصول طائرات مقاتلة سعودية من طراز “F-15 C” مع أطقمها الكاملة إلى قاعدة سودا الجوية في جزيرة كريت منتصف مارس/ آذار الماضي، وذلك للمشاركة في مناورات “عين الصقر-1” التدريبية مع القوات الجوية اليونانية في منطقة شرق المتوسط.
ومن جانبها احتفت اليونان بالتدريبات المشتركة مع القوات الجوية السعودية، واعتبرتها نجاحًا لسياستها الخارجية في بناء مزيد من الشراكات ضد تركيا في صراع شرق المتوسط. وأشارت وزارة الدفاع السعودية إلى أن التمرين يهدف إلى صقل مهارات الأطقم الجوية والفنية وتطويرها ورفع الجاهزية القتالية للقوات الجوية، إضافة إلى تبادل الخبرات العسكرية في مجال تنفيذ العمليات الجوية وتخطيطها، بينما اعتبرت وسائل الإعلام السعودية التدريبات على أنها رسالة قوية موجهة لتركيا.
وردًّا على التدريبات المشتركة بين السعودية واليونان، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستبحث مع السلطات السعودية قرارها بشأن إجراء مناورات عسكرية مع اليونان، فيما اعتبرت وسائل الإعلام التركية الأمر على أنه خطوة استفزازية من اليونان والسعودية.
وفي خطوة مشابهة، شاركت القوات الجوية الإماراتية في مناورات جوية مع اليونان في قاعدة سودا الجوية بجزيرة كريت في أغسطس/ آب الماضي، وأثارت هذه الخطوة غضبًا واسعًا في الشارع التركي آنذاك، وأعلنت وسائل الإعلام التركية وقتها عن أن الجيش التركي على أهبة الاستعداد لإسقاط أي طائرة سواء كانت إماراتية أو يونانية مشاركة في المناورات، في حال انتهكت المجال الجوي التركي فوق المياه التركية في شرق المتوسط.
اليونان تحاول حشد مزيد من الشركاء
تحاول اليونان تطويق تركيا في ملف الغاز شرق المتوسط، من خلال توقيع اتفاقيات مشتركة مع دول حوض شرق المتوسط، حيث أبرمت اليونان مع “إسرائيل” اتفاقية تعاون عسكري تهدف بشكل خاص إلى إنشاء مدرسة طيران للقوات الجوية اليونانية، وفق ما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية يوم 4 يناير/ كانون الثاني من العام الماضي. ويذكر أن “إسرائيل” وقبرص اليونانية وقعتا اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بين الطرفين عام 2010، الأمر الذي استنكرته تركيا كونه يتجاهل مصالح وحقوق القبارصة الأتراك شمال الجزيرة.
عقب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تحركت اليونان سريعًا من أجل حث الحكومة الجديدة إلى إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا.
ولزيادة الضغط على تركيا، وقعت اليونان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية الخاصة بينها وبين مصر في 6 أغسطس/ آب الماضي، وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين، وخاصة احتياطات النفط والغاز الواعدة، بالإضافة إلى محاولة اليونان من خلال هذه الاتفاقية إبطال مفعول اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليًّا، والتي أُبرمت في نوفمبر/ تشرين ثاني 2019.
وعقب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، تحركت اليونان سريعًا من أجل حث الحكومة الجديدة إلى إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، والتي عند توقيعها أثارت غضب أثينا والاتحاد الأوروبي باعتبارها غير قانونية، وتسعى اليونان لبدء محادثات حول ترسيم حدود الاختصاصات البحرية والمنطقة الاقتصادية الخاصة بين ليبيا واليونان، حيث أبدت الحكومة الليبية استعدادها لتأسيس لجنة مشتركة مع اليونان تخلص إلى توقيع اتفاقية بحرية بطريقة مماثلة للاتفاقية التركية الليبية.
موقف تركيا
تدرك تركيا جيدًا المساعي اليونانية من أجل حشد المزيد من الدول لمشاركتها في الصراع الدائر حاليًّا شرق المتوسط، حيث تستغل اليونان الخلاف القائم بين تركيا من طرف والسعودية والإمارات من طرف آخر في العديد من الملفات الدولية والإقليمية. وفتح التقارب مع اليوناني الباب واسعًا أمام السعودية والإمارات لتعزيز نفوذهما الإقليمي من خلال زيادة حضورهما في ملفات متعددة لمواجهة تركيا، خصوصًا فيما يتعلق بمستجدات الصراع حول الطاقة شرق المتوسط.
عسكريًّا، لا ترى تركيا أي تهديد مباشر لها، سواء في المناورات العسكرية المشتركة بين اليونان ودول خليجية أو من خلال اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك، والتي أُبرمت مؤخرًا بين السعودية واليونان، وتضع تركيا كل هذه التحركات في خانة الاستعراض لا غير. كما لا يمكن بأي شكل من الأشكال للسعودية والإمارات من تغيير موازين القوى العسكرية في المنطقة لصالح اليونان، وذلك بسبب التفوق التركي الجوي والبحري، بالإضافة إلى بُعد هاتين الدولتين جغرافيًّا عن منطقة الصراع.
دبلوماسيًّا، تسعى تركيا من خلال تحركاتها وتصريحاتها الأخيرة لفك التحالف المعادي لها شرق المتوسط، وخصوصًا محاولتها إبعاد المملكة العربية السعودية والإمارات عن تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لليونان في ملف شرق المتوسط، وجاء ذلك خلال تصريح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أن بلاده لا ترى أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعودية، وأنها مستعدة للتجاوب مع أي خطوات إيجابية تصدر من قبل الرياض وأبوظبي أيضًا.
وأسفر التقارب الأخير بين تركيا ومصر عن تهدئة الصراع بين البلدين، وعزز فرص عودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين إلى طبيعتها، وسط مخاوف يونانية من أن ينتج هذا التقارب توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر، من شأنه أن يهدم الخطط اليونانية في محاصرة تركيا شرق المتوسط.