“لا صوت يعلو في الأرجاء سوى أصوات الرصاص والقذائف”، أربعة أيام صعبة متتالية عاشتها مدينة القامشلي في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، بعد تصاعد حدة التوترات الأمنية بين قسد والنظام السوري في مدينة القامشلي تباعًا، على الرغم من توقفها خلال فبراير/ شباط الماضي، بوساطة روسية ووجهاء من عشائر المنطقة، حيث دارت اشتباكات متقطعة وقصف بقذائف الهاون بين قوى الأمن الداخلي الأسايش التابعة لقسد التي تسيطر على غالبية المنطقة، وميليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري، والذي يسيطر على المربع الأمني وبعض الأحياء داخل المدينة، وصولًا إلى مطار القامشلي.
وكانت قد اندلعت الاشتباكات ليل الثلاثاء صباح الأربعاء 21 أبريل/ نيسان الجاري، على خلفية توترات وخلافات بين ميليشيا الدفاع الوطني والأسايش التابعة لقسد، حيث أسفرت الاشتباكات عن مقتل قيادي من الأسايش، وعلى خلفية ذلك تقدمت الأسايش وشنت حملة عسكرية على الأحياء الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الدفاع الوطني، واستطاعت السيطرة على بعض المقار العسكرية وحاجز في حي طي جنوب القامشلي.
الحسكة القامشلي#قبل_قليل
نزول قوات YPG الى ساحة المعركة pic.twitter.com/F3Djt3YZqz
— همام عيسى (@humam_isa) April 22, 2021
ويعود السبب المباشر للاشتباكات إلى اعتقال قسد قائد ميليشيا الدفاع الوطني عبد الفتاح الليو في حي طي بمدينة القامشلي، ما أدى إلى هجوم ميليشيا الدفاع الوطني على حاجز الأسايش بجانب الحي، ما أسفر عن مقتل مسؤول الحواجز لدى الأسايش الذي يدعى خالد حاجي، وامتدت الاشتباكات لاحقًا إلى باقي الحواجز والمقار العسكرية وصولًا إلى حي حلكو.
وعلى الرغم من أن هذه الخلافات الجارية في مدينة القامشلي ليست بجديدة، إلا أنها باتت تأخذ زخمًا عسكريًّا بعد تقدم الأسايش والسيطرة على أجزاء من الأحياء الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الدفاع الوطني، ووقوع قتلى من طرفي النزاع بينهم قادة بارزين، إلى جانب مقتل وإصابة عدد من المدنيين المقيمين في المنطقة، علمًا أن المنطقة مأهولة بالسكان ومعظم الاشتباكات كانت في الشوارع بالأسلحة والرشاشات الثقيلة وقذائف الهاون، دون الأخذ بعين الاعتبار الأماكن المأهولة بالمدنيين.
جذور الخلاف الذي أشعل فتيل الحرب
تعود جذور الخلاف إلى ما بعد انطلاق عملية نبع السلام التي شنتها تركيا والجيش الوطني السوري، على مناطق سيطرة قسد، شرق الفرات، واستنجاد الأخيرة بروسيا علّها تربط عقد للمحافظة على مناطق سيطرتها بأي ثمن، ما دفع قسد منح روسيا إمكانية اتخاذ مطار القامشلي قاعدة لقواتها.
في تلك الأثناء عملت روسيا على تعزيز دور النظام السوري في الأحياء التي يسيطر عليها، داخل مدينة القامشلي، في محاولة منها لإعادة تعويم نظام الأسد في شرق الفرات، بعد غياب دوره الكلي سوى في بعض الأحياء والقرى الواقعة تحت سيطرته.
ويقول الصحافي سامر الأحمد خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن ما يجري في القامشلي هو امتداد لما حصل في فبراير/ شباط الماضي، ومن أبرز أسباب الاشتباكات هي الواردات النفطية وتحكّم قسد بالمعابر في الطبقة ومنبج، في وقت يعيش فيه النظام السوري ضمن أزمات متعددة، ووجود القوات الأميركية عند الآبار النفطية والتحكم بها، إلى جانب رفض قسد التخلي عن عين عيسى لصالح روسيا والنظام السوري، لذلك بدأ النظام بإشعال فتيل الحرب على قسد”.
وأضاف: “إن سببًا آخر هو رفض قسد وضع صناديق الانتخابات داخل المناطق التي تسيطر عليها في الحسكة ودير الزور والرقة، للتحضير للانتخابات الرئاسية القادمة”.
الدور الإيراني في الخفاء
يبدو دخول إيران إلى المنطقة قبل أشهر ساهم في إشعال فتيل الحرب أيضًا، حيث دخل عدد من المدربين الإيرانيين الذين افتتحوا معسكرات تدريب لعناصر ميليشيا الدفاع الوطني ودفعوا رواتب لهم، وضمن هذا الإطار بدأ يبرز دور إيران في القامشلي، وكان لا بد من حسم هذا الوضع في المدينة من قبل قسد، وربما قد يمتد هذا الصراع إلى مدينة الحسكة أيضًا، بحسب ما أوضح الأحمد.
ويكمن الدور الإيراني في الصراع الحاصل داخل مدينة القامشلي، في دعمها لميليشيا الدفاع الوطني، الذي تسبب بالمعارك الجارية في القامشلي، حيث ترفض قسد وجوده كليًّا داخل أحياء المدينة، لا سيما أنه يستعين بالعشائر.
الصحافي فراس علاوي مدير موقع الشرق نيوز، يقول لـ”نون بوست”: “تدعم إيران ميليشيا الدفاع الوطني الذي يعتبر إحدى أذرعها المحلية، لذلك لها دور فيما يجري في المنطقة وتسعى إلى فرض ميليشيا الدفاع الوطني كواقع هناك لتوسيع رقعة امتداد السيطرة الجغرافية في شرق سوريا، في ظل صراع السيطرة وهيمنة القوى على الأرض، وأهمية المنطقة اقتصاديًّا وقربها من تركيا”.
الدور الروسي في التهدئة
سعت روسيا من بداية التوترات الأمنية منتصف الأسبوع الماضي للوصول إلى التهدئة، بالتعاون مع ممثلين من ميليشيا الدفاع الوطني وقادة من قسد ووجهاء عشائر من المنطقة، علّهم يتوصلون إلى حل، إلا أنهم فشلوا في ظل خرق أحد طرفي النزاع لاتفاق التهدئة المؤقت بعد مقتل أحد وجهاء العشائر المشاركة في عملية حل النزاع، ويدعى هايس الجريان.
وحاول النظام السوري استغلال ما يجري في القامشلي لصالحه من خلال الادعاء أن هناك حربًا بين عرب وكرد، إلا أن مساعيه لم تنجح، بينما عملت قنواته الإعلامية على تحريض العشائر المحلية ضد قسد التي تسيطر على المنطقة.
خلال حديثه لـ”نون بوست”، يقول الصحافي فراس علاوي أيضًا: “إن طرفي النزاع متمسكان بشروطهما، وهي محاولة منهما لفرض نفسيهما في المنطقة، فقسد تسعى إلى إبعاد الدفاع الوطني، وهذا ما يرفضه النظام السوري”، ويرى أن روسيا ستواصل مساعيها في الوصول إلى حل وسط بينهما، وهو بقاء النظام في المنطقة بشرط إخراج ميليشيا الدفاع الوطني المدعوم إيرانيًّا من المدينة، نحو القرى الواقعة تحت سيطرة النظام محيط القامشلي.
بينما يقول الصحافي سامر الأحمد: “مطروح على طاولة التهدئة إخراج الدفاع الوطني والأسايش من القامشلي وإدخال شرطة محلية تابعة للنظام السوري، لكن قسد رفضت هذا المطلب وطرحت فكرة إشراف شرطة روسية بينما تبقى قواتها كقوات أمن داخلي، في حين أن النظام رفض هذا العرض أيضًا”.
#القامشلي #الأن تعزيزات عسكرية للدفاع الوطني في منطقة الطي الجنوبية وتحركات عسكرية وتعزيز قواعد عسكرية وإقامة حواجز ورفع السواتر داخل المنطقة الأمنية (مربع الأمني) في مدينة القامشلي
— همام عيسى (@humam_isa) April 24, 2021
ويضيف: “إن هناك قرارًا روسيًّا بالتنسيق مع قسد على إنهاء وجود ميليشيا الدفاع الوطني في المدينة، مقابل شيء ما لا يمكن معرفته في الوقت الراهن، وتم التوصل إلى تهدئة أمس السبت لكن هناك حشودًا عسكرية من الطرفين، حيث تم استقدام قوات عسكرية تدعى قوات التدخل السريع، بينما يهدد النظام السوري بقصف القامشلي بالمدفعية من الفوج إذا لم تقم قسد بالاستجابة لمطالبه”.
وكانت واشنطن قد أعلنت موقفها الداعم لقسد، سياسيًّا وعسكريًّا، وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، خلال تصريح لشبكة رووداو الإعلامية بشأن الاشتباكات التي تجري بين قوات الأسايش وميليشيا الدفاع الوطني في القامشلي: “سنبذل كل ما في وسعنا لتهدئة الوضع… نريد حل مشكلة القامشلي عن طريق الحوار”.
ويبدو أنه لا يوجد حل في الوقت الحالي، فإن المنطقة على أبواب حرب مفتوحة، في ظل تعنت طرفي النزاع بمطالبهما، لا سيما أن القامشلي تعيش انقسامات تتراوح بين مصالح النظام السوري وقسد مع التوترات الأمنية والاشتباكات، التي تسببت بنزوح أكثر من 3 آلاف عائلة من المناطق التي جرت فيها الاشتباكات خلال الأيام القليلة الماضية، فضلًا عن مقتل أكثر من عشرة مدنيين بينهم أطفال وإصابة آخرين.
وعلى الرغم من المساعي المتواصلة من وجهاء المنطقة لحل النزاع، إلا أنه في الساعات القادمة إذا لم تحصل هدنة رسمية ستنشب حرب في القامشلي، بالتزامن مع حشود كلا الطرفين.