في عام 1974 كانت قد مرت تسع سنوات على مذبحة الشيوعيين في إندونيسيا، وهي السنة نفسها التي ولد فيها المخرج الأميركي جوشوا أوبنهايمر، الذي نشأ في بيئة شكلت له وعيًا سياسيًّا خاصًّا سيستوحي منه سينماه، فقد كان أبوه أستاذًا في العلوم السياسية، ووالدته ناشطة نقابية ومحامية عمالية وبيئية.
كان الأبوان قد فرّا من معسكرات هتلر ضد اليهود في ألمانيا، لذلك كان جوشوا في طفولته يسمع عن قصة الهولوكوست أكثر مما يسمع عن قصة سندريلا أو بيتر بان. ولّدت تلك النشأة إيمانًا داخليًّا لجوشوا مفاده أن الهدف من السياسة والفن والأخلاق هو محاولة منع حدوث تلك الإبادات وحقول الدم من الحدوث لأشخاص آخرين.
استكشاف إندونيسيا
ذهب جوشوا إلى إندونيسيا مندفعًا بالسؤال عن النفاق الغربي، لماذا يخضع الإنسان الأبيض الغربي نفسه؟ لماذا يستمر بالتشدق بمبادئ التنوير والليبرالية في الوقت الذي يشرف فيه على مآسٍ إنسانية في أماكن بعيدة عن نظره؟ كان جوشوا يتحرك بدافع سؤال: “لماذا نستمر في الكذب على أنفسنا؟”.
وصل إلى إندونيسيا عام 2001 لتصوير فيلمه الأول The Globalisation Tapes الذي من خلاله يلقي الضوء على آثار العولمة في العديد من البلدان النائية عن أعين أوروبا، وهناك تمكّن من جعل مجموعة من عمال مزارع نخيل الزيت أن يشتركوا في تمثيل مأساتهم التي يتعرضون لها، والمعاملة القاسية التي يلاقونها على أيدي شركة بلجيكية، تضمنت إجبار العاملات على رش مبيدات الأعشاب القاتلة دون ملابس واقية، واستخدام أفراد الأمن المستأجرين لقمع أولئك الذين حاولوا الاحتجاج وتشكيل اتحاد نقابي يحافظ على حقوقهم.
أفراد الأمن هؤلاء كانوا مجموعة من المجموعة المتعصبة للحزب الحاكم المعروفة باسم بانكاسيلا، وهناك التقى جوشوا بهم للمرة الأولى، ودُهش من وجود عصابة منظمة، ترعاها الحكومة شرعيًّا وقانونيًّا، ومن ذلك الباب قرر أن يقضي سنوات إنتاجه الفني داخل إندونيسيا ليكتشف تاريخ الدم بها.
رؤية أوبنهايمر للعالم، رؤية يغذيها الغضب من الظلم الصارخ للرأسمالية العالمية، وتواطؤ المستهلكين، فهو يرى أن الرعب والخوف في إندونيسيا وفي أماكن أخرى من العالم، شكّلا عنصرًا أساسيًّا في الاقتصاد العالمي، فذلك الهاتف الذكي الذي يستمعله مواطن في الغرب، قد يكون صانعه شخصًا منتحرًا بسبب حالة اليأس التي يتعرض لها في ظروف العمل بالمصنع، إنه أمر لا يريد العالم أن يفكر فيه، ولذلك يصنع جوشوا أفلامًا استفزازية لضمير العالم.
المخرج جوشو (يمين) أثناء تصوير فيلم The Act of Killing
كان جوشوا مخرجًا ملتزمًا بطريق الرسالة التي يجب أن تقدمها السينما التسجيلية أو الروائية، ولكنه بلمسته الخاصة قرر أن يصنع أفلامًا واعية اجتماعيًّا تتضمن الجمع بين الخيال والواقعية والفولكلور، ليظهر كيف يتشكل العالم الواقعي من خلال الخيال والقصص.
قضى جوشوا في إندونيسيا أكثر من عقد من الزمن، كان من باكورة إنتاجه فيلمان هامان ترشحا للعديد من الجوائز الأكاديمية وحازاها، هما فيلم The Act of Killing الذي عرض عام 2012، وفيلم The Look of Silence الذي عرض عام 2014، ويتفق الفيلمان في مناقشة قصة مذبحة الشيوعيين في الستينيات، ولكنهما يختلفان في زاوية التناول.
اللافت في قضية إبادة الشيوعيين في إندونيسيا، أنه رغم مرور أكثر من نصف قرن على الحادثة لم تعرّض الدولة نفسها لعملية نقد ذاتي، ولم يحاسَب القتلة، بل ما زال الشيوعيون مطاردين حتى اليوم، وما زال القتلة أبطالًا في أنظار الحكومة والشعب، وهو ما يدفع المرء إلى التساؤل ما الذي دفع هؤلاء القتلة إلى الاشتراك في أفلام تدين أفعالهم، وتظهر شناعتها؟
وافق أنور كونجو وأمير حسن، وهما من أكبر منظمي عملية الإبادة والمشاركين فيها، على الاشتراك في أفلام جوشوا مدعومين بالحصانة التي يتمتعون بها، واقتناعهم بأن إعادة تمثيلهم الشنيعة ستجعلهم أكثر بطولية في نظر الكثيرين في البلاد. يحلو لجوشوا أن يُرجع تلك الحالة التي يمرون بها إلى “التنافر المعرفي” الذي يعانون منه، فهو التوصيف لحالتهم النفسية المعقدة، فتفاخرهم بما فعلوه يساعدهم في الحفاظ على نظام من الخوف، لكنه ليس مظهرًا حقيقيًّا من مظاهر الفخر، إنه مجرد محاولة يائسة للتعايش مع ما اقترفته أياديهم.
يحاول جوشوا في أفلامه الاقتراب من الحالة الفلسفية التي ناقشتها حنة آرنت المعروفة بتفاهة الشر، فمرتكب جرائم الإبادة الجماعية -في حالة آرنت كان أدولف آيخمان- ليس بالضرورة شخصًا تحركه الدوافع الخبيثة والقاتلة، ولا يدرك خطورة أفعاله ولا يقبل تحمل مسؤوليتها، من خلال تصوير الحياة الشخصية العادية اليومية لهؤلاء الأشخاص، وإعطائهم مساحة للحديث عن أحلامهم ومخاوفهم، ومحاكمتهم لماضيهم، وتصوير البيروقراطية التي مرت من خلالها عملية الإبادة المنظمة للشيوعيين في إندونيسيا، والتي مكّنت الكثير من مرتكبي المذبحة من إعفاء أنفسهم من الشعور بالذنب ووخز الضمير.
يؤكد أوبنهايمر دائمًا على اعتقاده في أفلامه بأن القتلة ليسوا وحوشًا، ولكنهم أناسًا عاديين حاصرتهم الأيديولوجيا السياسية التي دعمت قتل الشيوعيين المشتبه فيهم، بل الذين كان متوقع منهم أن يميلوا إلى الشيوعية في أعقاب الانقلاب.
محاكمة سينمائية لفعل القتل
في فيلمه الأول والأطول عن الإبادة The Act of Killing الذي ترشح لجائزة الأوسكار كأفضل وثائقي، وحاز جائزة الـ”بافتا”، يصدّر جوشوا فيلمه بفقرة مكتوبة على صورة خلفية لإندونيسيا الحديثة ذات الأضواء المبهرة، فحواها:
“في عام 1965 تعرضت حكومة إندونيسيا لانقلاب عسكري، أي شخص كان يعارض تلك الدكتاتورية العسكرية، كان يلقى حتفه بوصفه شيوعيًّا، أعضاء النقابات، الفلاحين، الصينيين، في أقل من عام واحد، وبرعاية الحكومات الغربية وصمتها، أكثر من مليون شيوعي قد قُتلوا.
استخدم الجيش المرتزقة والعصابات للقيام بتلك العمليات المنظمة للإبادة، ومنذ وقتها تمتعوا بالسلطة وظلوا فيها حتى اللحظة، حينما قابلناهم كانوا فخورين بما فعلوه، ومتطلعين لإخبارنا بقصصهم ووصفها، ولفهم هذا الأمر سألناهم لإعادة تصوير الجرائم التي ارتكبوها بأي شكل يرغبون في فعله، الفيلم يتتبع تلك العملية، ويوثق عواقبها”.
في ذلك التصدير يجمل جوشوا حكمه التاريخي على المذبحة، ابتداء بإدانة الحكومات الغربية الرأسمالية التي دعمت كل انقلاب عسكري ضد الشيوعيين، ومناقشة الشعور الإنساني للقتلة تجاه ما فعلوه.
عديد من الشخصيات تشترك في بطولة هذا الفيلم، إلا أن البطل الرئيسي للقصة هو أنور كونجو، الرجل الكهل العجوز، المحب لتربية الدجاج، وقضاء الوقت مع أحفاده وأسرته، وعلاقاته الودية مع جيرانه في الحي.
يناقش الفيلم قضية القتل والإبادة من خلال القتلة أنفسهم وزعيمهم أنور كونجو، ويتتبع جوشوا مأسسة تلك العصابات التي قامت بالإبادة، وانخراطها في الهيكل التنظيمي للحكومة والدولة المتمثل في جماعة البانكسيلا اليمينية المتطرفة التي ترعاها الحكومة، إن البانكسيلا تشكل الدليل الحي أمام الناس الذي يجعلهم يهربون من شعورهم بالذنب تجاه إخوانهم في الوطن، فعشرات السنين من تدجين الشباب والمراهقين وأدلجتهم ضد الشيوعية أشخاصًا وفكرًا، واحتفائهم برؤساء العصابات من أمثال أنور كونجو وغيره، تعطي كل يوم للحياة في إندونيسيا تطهيرًا وإعفاء من ذنب المليون قتيل.
يقدم جوشوا فيلمه الأول بأسلوب دوكيودراما، فالحدث التسجيلي ليس إلا تاريخ المذبحة والأشخاص الذين شاركوا فيها، أما الحكاية نفسها حينما تقدَّم للسينما ستقدَّم بالأسلوب الروائي، فيستعين جوشوا بالقتلة لتمثيل أدوارهم بأنفسهم، من خلال تذكرهم للجريمة التي ارتكبوها، وإعادة تمثيلها، فهو لم يعتمد طيلة الفيلم على لقطة أرشيفية واحدة، ولكنه أعاد بناء الحدث كاملًا من خلال الحكاية على لسان أبطال الفيلم، القتلة.
يقاطع جوشوا في فيلمه الأول بين حياة المجرمين الشخصية وجريمتهم التاريخية، ليرينا كيف يمكن أن يكون الشر تافهًا، لدرجة التعايش معه على مدار خمسين سنة، واستمداد الشعور بالبطولة، والمكانة الاجتماعية المرموقة، من خلال أن تكون مجرمًا.
ويستهدف شخصية أنور كونجو تحديدًا، ليسلط الضوء على مكامنها، ويترك لها المساحة الأكبر للانفجار تمثيليًّا وتعبيريًّا، ويبني جوشوا صورته السينمائية الفولكلورية عن جمال الطبيعة الإندونيسية التي تتوازى مع قسوة البشر فيها، من خلال صناعة مجموعة من المشاهد السريالية الجمالية التي يعبّر فيها أنور كونجو عن الكوابيس التي ظلت تلاحقه على مدار حياته جراء جريمته، إن ذلك التقاطع السريالي الواقعي جعل المخرج الألماني فرنر هرتزوغ يصف تجربته مع الفيلم أنها الأكثر رعبًا وسريالية مما شاهده في العقد الأخير.
أبرز جوشوا شخصية أنور كونجو المركّبة، لتكون محط التعاطف من المشاهدين، فالفيلم يمكن اعتباره من زاوية أخرى جلسة نفسية مكثفة أخضع فيها جوشوا أنور للعلاج والبوح، الذي قاده في النهاية إلى الاعتراف بالجرم والبوح به والبكاء والندم، لقد استطاع جوشوا من خلال شخصية أنور محاكمة القتلة، الذين لم يحاكموا قضائيًّا أو اجتماعيًّا، الشيء الذي انعكس على حياة كونجو الواقعية فابتعد عن البانكسيلا وكل أنشطتها المتطرفة.
إن اللذة التي صورها جوشوا في استمتاع القتلة بما فعلوه وأعادوا تصويره، تصبح في بعض الأحيان استفزازية للمشاهد الغربي، ويؤكد جوشوا على كون تلك اللذة استفزازية فهو شيء متعمد، ليثير في نفس المشاهد الغريب الإيمان بأنه كان جزءًا أساسيًّأ من الرعب والظلم والصمت، فالحكومتان الأميركية والبريطانية اللتان كانتا أكبر مورد للأسلحة، قد صدقتا على القتل الجماعي للشيوعيين، بحجة الحرب الباردة.
إن تلك الجدية، والنقد اللاذع الذي يوجهه جوشوا إلى حكومات الغرب وبريطانيا تحديدًا، ظهرت في ردود الفعل، فقد قامت شبكة BBC بقطع إشارة بث حفل الـ”بافتا”، عندما كان يُبث خطاب تتويج جوشوا بجائزته عن الفيلم كأفضل وثائقي لعام 2012، وقد تقبّل برضا أن يحتمل التهديدات التي تواجهه بالقتل من العصابات الإجرامية داخل إندونيسيا بعد عرض الفيلم.
الناجون
في موجة الاحتفاء بفيلم The Act of Killing، ظهرت بعض الأصوات الناقدة للفيلم بسبب تجاهله الناجين من المذبحة، فقد قُدّم من زاوية القتلة فقط، ولذتهم بفعل القتل والإبادة، وبعد عامين أطلق جوشوا فيلمه الثاني The Look of Silence، والذي يتناول فيه الإبادة تلك المرة من زاوية المجني عليه.
يعد فيلم The Look of Silence بمثابة تطور سردي للفيلم السابق، واختار جوشوا ذلك العنوان معبّرًا عن شعور المتضررين من الإبادة داخل الوطن، فليس لهم الحق في التظلم، أو طلب القصاص، فكل ما حدث تجاه الإبادة وما أعقبها، لم تنظر إليه الأمة الإندونيسية إلا بنظرة صامتة ومتآمرة، نظرة ترى ولكنها انتقائية الرؤية ومنحدرة إلى حد القمع المعنوي للضحايا.
أبٌ يبلغ من العمر 104 عامًا، وأمّ تبلغ من العمر 100 عامًا لم تكفها للتغلب على أحقادها تجاه قاتلي ابنها رملي، وابنٌ هو أدي الذي يحاول تقفي آثار قصة قتل أخيه من لسان قاتليه. يقدم جوشوا المذبحة بالحس البصري الإدراكي الرائع نفسه للطبيعة الإندونيسية، والإيمان بإمكانية تقاطع الجميل مع الدموي، وطريقة تبادل الحوار بين الأشخاص بهشاشة واقعية مرعبة.
أدي هو طبيب عيون في أوائل الأربعينيات، يسافر حول المكان لإجراء مقابلات شخصية مع المتورطين في قتل أخيه وسجنه، بحجة أنه يصنع لهم عدسة جديدة تعدل من رؤيتهم، في إسقاط على قصر نظرتهم لحادثة الإبادة منذ البداية.
التقى أوبنهايمر بأدي للمرة الأولى في عام 2003 وكان لا يزال يصور فيلمه الأول، وقد علم أنه أخو رملي الذي سمع عن مقتله البشع، وقرر جوشوا أن يجعل أدي مركزًا لفيلمه تنطلق من خلاله الأحداث، فهو رجل هادئ وحازم ومثقل عاطفيًّا، اختار أن يواجه الماضي وجهًا لوجه في مخاطرة شخصية كبيرة، ويفتّش عن قصة مقتل أخيه من روايات القتلة والناجين، تتعقب الكاميرا وجه أدي بينما يشاهد روايات القتلة التي تتلذذ بالقتل، ويتابع لقطات فيديو تعيد تمثيل قتل أخيه الشنيع.
ومن خلال نظرات أدي نستطيع أن ننظر إلى صورة أخرى من صور الجنون التي أصابت القتلة في هذا الوقت، واستخدموها بمثابة تبرير أخلاقي لارتكابهم المذبحة بدماء باردة، فهم يتحدثون عن عادتهم في شرب دماء الضحايا، والتي بشأنها ستمنعهم من الجنون، والشعور بالذنب لقتلهم، إنها حادثة تعبّر بوضوح جلي عن حالة اختلال وحمى جماعية أصابت الجميع في مطاردة الشيوعيين، إنها حالة من الشعوذة الرجعية القاتلة التي سيطرت على المجتمع في تلك الفترة.
مشهد من فيلم The Look of Silence
يقدم لنا جوشوا أوبنهايمر القتلة ممثلين في شخص أمير حسن في هذا الفيلم، وهو معلم مدرسة سابق في مدرسة لإحدى القرى، كما أنه أحد زعماء العصابات التي أشرفت على الإبادة المنظمة، ويظهر الفخر في مداه أن ذلك الرجل قد ألف كتابًا عن عمليات القتل تلك، يصفها بالعديد من الرسومات والقصص، كأنها نموذج إرشادي ومرجعي للتعامل مع الشيوعيين في أي مكان، وكان رملي هو أحد الضحايا الذين قتلوا على يد أمير حسن ذاته بطريقة بشعة، تفننت في إظهار إلى أي منحدر أخلاقي يمكن للبشر أن يهبطوا إليه.
بينما كانت مهمة جوشوا في فيلمه The Act of Killing هي الكشف عن هروب الجناة من وزرهم إلى أوهامهم، والتعايش مع أكاذيبهم التي ينسجونها لإزاحة عبء الضمير، كانت مهمته في فيلم The Look of Silence إظهار كيف يبدو الصمت المخيف للناجين، وصمت المجتمع على مظلوميتهم، مستمرًّا في جعلهم يعيشون بشكل منفصل عن المجتمع. يقدم جوشوا في فيلمه رسالة واضحة بأن هذا الخوف لن يزول حتى تتم معالجته.
إن ذلك الخوف تمثله مأساة الأب روكون، ففي أحد المشاهد نجد الأب داخل منزله يزحف مرعوبًا باكيًا معتقدًا أنه دخيل في منزل شخص آخر سيقضي عليه، فقد كان ذلك الأب قد عانى صدمة مقتل ابنه رملي ولم يشفَ منه أبدًا، ونسي عائلته واسمه وكينونته، وكل ما يتذكره هو الخوف، كصدى بعيد من صوت منسي منذ زمن طويل.
إن أدي فرد استثنائي في تعاطفه وصبره ورغبته في الفهم والكشف عن الأسباب التي دعت إلى قتل أخيه والتمثيل بجثته، فهو لا يسعى للانتقام ممن يواجههم، بل هو بحد ذاته اعتراف منهم بالتكلفة الفادحة لجرائمهم وكيف أن الخوف الذي غرسوه ما زال باقيًا. إن أدي بمثابة سؤال مطروح حول كيف يمكن لهؤلاء الأشخاص فعل تلك الأمور والعيش حولنا والحفاظ على هذا الخوف حيًّا؟ ولأن هناك حشدًا إعلاميًّا واجتماعيًّا كبيرًا يعتقد ببطولة هؤلاء القتلة في إبادة الشيوعيين، فقد كان نقل أدي وأسرته في الواقع بعد عرض الفيلم إلى مكان آخر أمر حتمي للحفاظ على حياتهم.
في النهاية أحدثت أفلام جوشوا أوبنهايمر صخبًا وهزة وعي وإدراكًا للتاريخ الإندونيسي المعاصر، فكما يقول بطل فيلم The Look of Silence أدي، إن تلك الأفلام فتحت عيون الكثير من الناس، ووسائل الإعلام في إندونيسيا الآن تتحدث عن الماضي بطريقة مختلفة تمامًا، إن الناس أخيرًا يرون ما حدث قبل 50 سنة على أنه خطأ، والأمر متروك للحكومة اليوم لبدء عملية مصالحة وإعادة تأهيل حقيقية للمجتمع.