مباشرة إثر تنصيب الحكومة الليبية الجديدة، أكد خليفة حفتر أنه سيعمل لتحقيق المصالحة في البلاد وتوحيد مؤسسات الدولة، لكن مع مرور الوقت تأكد زيف ذلك، فها هو يسعى لتكريس الانقسام والتقليل من شأن حكومة عبد الحميد دبيبة والتصرّف كأنه الحاكم الفعلي للبلاد.
تعطيل عمل الحكومة
في أبرز مؤشّر على ذلك، عرقلت ميليشيات حفتر اجتماعًا وزاريًّا كان مبرمجًا أن يعقد اليوم في بنغازي بقيادة رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة، حيث وجهت الميليشيات تهديدات للدبيبة عقب دعوة وزرائه لاجتماع أول للحكومة في مدينة بنغازي، دون أن يضع على جدول أعماله لقاء مع حفتر.
وأظهرت مقاطع فيديو مجموعة من المسلحين التابعين لحفتر يشترطون زيارة رئيس الحكومة لقائدهم حفتر في قاعدة الرجمة حتى يتمكن من دخول بنغازي والتجول فيها سالمًا، كما دعا البعض لمظاهرات رافضة للزيارة.
في ضوء ذلك، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، ليل أمس، إرجاء زيارتها إلى بنغازي، كبرى مدن شرق البلاد، وذلك بعدما عمم عبد الحميد الدبيبة دعوة لكل وزراء الحكومة ووزراء الدولة بشأن عقد الاجتماع الوزاري العادي الثالث للحكومة في بنغازي.
طموح حفتر منذ عودته إلى ليبيا لم يبقَ رهين المجال العسكري، بل عمل على أن يكون لاعبًا سياسيًّا بارزًا على القوى الدولية.
وفقًا لعديد التقارير، فقد منع مدير أمن المطار، سعيد العكوكي، وفدًا من موظفي الحكومة من الدخول إلى بنغازي بعد وصولهم إلى مطار بنينا، عصر أمس الأحد، بالتزامن مع احتشاد العشرات من المسلحين المدعومين بمدنيين موالين لحفتر داخل المطار، مطالبين بـ”طرد الوفد”.
ويضم الوفد الذي جاء للتجهيز للزيارة الأولى لرئيس الحكومة إلى بنغازي منذ توليه منصبه وعقد الاجتماعات الحكومية فيها، عددًا من المسؤولين الأمنيين وأعضاء بجهاز المراسم ومجموعة من الحرس الخاص برئيس الحكومة، إضافة إلى عدد من موظفي مجلس الوزراء.
أدرك أن منع وفد حكومي من دخول #بنغازي يعتبر تمرد على الشرعية.
و أدرك أن رد الفعل من الرئاسي و رئيس الحكومة يجب أن يكون قويا.
و أدرك أن إحالة حفتر للتقاعد قرار صعب و تداعياته خطيرة.
لكنني أدرك أن الحكومات لا ينبغي ان ترضخ للخارجين على الشرعية مهما كان الثمن.— Abdurrahman Shater (@alshater1939) April 25, 2021
كان من المنتظر أن تبحث هذه الزيارة عديد المسائل أهمها توحيد مؤسسات الدولة، ونخص بالذكر الجيش الليبي الذي يدّعي حفتر قيادته، لكن إلغاء الزيارة يؤكد أن الانقلابي الذي حاول السيطرة على طرابلس بالقوة لا يسعى لحلحلة المشاكل العالقة في البلاد إلى الآن.
تصفية الخصوم
لم يتوقف حفتر عند هذا الحد، فها هو يواصل سياسة التهديد والوعيد التي انتهجها منذ عودته إلى الساحة الليبية من منفاه في الولايات المتحدة الأميركية الذي دام 20 سنة، ورغم حديثه عن ضرورة المصالحة إلا أنه يكرّس عكس ذلك.
ففي اجتماع له مع عائلات قتلى ميليشياته المسلحة من مدينة الزنتان (تضم أكثر حلفائه ولاءً بالمنطقة الغربية)، قال حفتر مرتديًا لباسًا عسكريًّا: “لن يبقى أي واحد يطلق عليه إخوان (جماعة الإخوان المسلمين).. لن نتعايش معهم أبدًا”.
يُظهر حفتر هنا إصراره على استئصال أحد أبرز المكونات السياسية في ليبيا، رغم أن المجلس الرئاسي الذي يدّعي دعمه ومساندة أعماله، أسّس مطلع هذا الشهر “مفوضية عليا للمصالحة الوطنية” لحل الخلافات بين الليبيين.
لن تستقيم البلاد بوجود حفتر ومن معه
ماحدث اليوم ليس له إلا عبارة واحده استمرار الفوضى الخلاقه لبقاء مليشيات حفتر وعدم إجراء جميع الانتخابات والاستفتاء ايضاً— نبيل السوكني أعلامي ليبي (@NabilSokni) April 26, 2021
هذا الخطاب الاستئصالي لحفتر ليس بالجديد على الليبيين، فدائمًا ما يطلّ عليهم متوعدًا باستئصال خصومه وتصفيتهم، حتى أنه قام بتصفية من عمل معهم لفترة طويلة وخالفه في بعض الجوانب فقط، فالمهم عند حفتر ألا يخالفه أحد وألا يقف أي شخص أو طرف حجرة عثرة أمام طموحه لقيادة ليبيا.
يعلم حفتر أن خطابه لا يخدم أجواء المصالحة، التي تعهّد بتحقيقها رئيس المجلس الرئاسي، لكنه يصرّ على ذلك، فالغاية عنده مزيد من تقسيم البلاد وفرض رؤيته الأحادية على الليبيين، حتى يتمكّن من فرض أجنداته التخريبية في البلاد.
تحركات منفردة
طموح حفتر منذ عودته إلى ليبيا لم يبقَ رهين المجال العسكري، بل عمل على أن يكون لاعبًا سياسيًّا بارزًا على القوى الدولية، التي تجاهلته إبان تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في أعقاب اتفاق الصخيرات عام 2015، وها هو الآن يسعى لتصدير نفسه كأنه حاكم البلاد.
في تحرك منفرد، دون أن يكون لحكومة عبد الحميد دبيبة علم به، وقّع خليفة حفتر، وبلباس مدني، على مخطط لبناء 3 مدن غرب وشرق وجنوب بنغازي تتسع لـ 12 مليون نسمة، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد سكان ليبيا 7 ملايين نسمة.
في السياق نفسه، وعد حفتر عائلات قتلى ميليشياته بـ 20 ألف وحدة سكنية، بمعدل مسكن لكل قتيل أو أسرة قتيل، على حد قوله، كما وعدهم بتوفير فرص عمل لأبنائهم بعد تأهيلهم، إضافة إلى تكفل قواته بمصاريف تعليم أبناء القتلى حتى المرحلة الجامعية، فيما تكون الأولوية في طلبات الحج والعمرة لهذه الأسر.
عديد المؤشرات تظهر أن الانقلابي خليفة حفتر ماضٍ في خططه الرامية إلى تعزيز الانقسام في ليبيا دون رجعة.
يغدق حفتر بالوعود على عائلات قتلى ميليشيات الكرامة، كأنه الحاكم والآمر الناهي في البلاد، متناسيًا أن هناك حكومة جديدة ومجلسًا رئاسيًّا جديدًا تم انتخابهما مؤخرًا ومنحهما برلمان طبرق ثقته، وأعلن هو بنفسه تهنئتهما ووعدهما بالعمل معهما وتسهيل مهامهما.
تبيّن من هنا أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي حاول في مرات سابقة السيطرة على العاصمة طرابلس وفرض نظام عسكري في البلاد، يُظهر عكس ما يُبطن، فها هو يتحرك كأنه لا توجد حكومة وحدة وطنية اعترف بها شخصيًّا.
يبدو واضحًا أنه ليس من السهل أن يتخلّى حفتر عن طموحاته لقيادة ليبيا، فبعد أن عجز عن ذلك عسكريًّا ها هو يحاول الآن مدنيًّا، عبر تقديم الوعود استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة التي يأمل أن يترشح لها رغم أن عديد الشروط غير متوفرة عنده.
تعزيز الانقسام
تحركات حفتر المنفردة وتعطيل عمل الحكومة وخطابه الاستئصالي، من شأنه تكريس الانقسام في ليبيا، في الوقت الذي يراهن فيه المجتمع الدولي على حكومة دبيبة لإعادة الاستقرار إلى البلاد وبناء دولة مدنية ديمقراطية تقطع مع سنوات الفوضى التي تسبّب فيها حفتر.
اخبروا الدبيبة بأن حفتر لا عهد له ولا ميثاق ولا يعترف بالسلم ابدا
— Bóshra Mošbah ?? (@BoshraMosbah) April 25, 2021
يأمل الليبيون أن تحقّق السلطة الانتقالية الجديدة التوافق والمصالحة وتنهي الخلافات والأزمات التي خلفتها الصراعات المسلحة في البلاد، لكن يبدو أن لحفتر رأيًا آخر، فهو يتغذى من الانقسام لذلك يسعى إلى تعزيزه وجعله أمرًا واقعًا في البلاد.
عديد المؤشرات تظهر أن الانقلابي خليفة حفتر ماضٍ في خططه الرامية إلى تعزيز الشرخ في ليبيا دون رجعة، حتى يستطيع إعادة تقديم نفسه في معمعة الانقسام كشخصية قادرة على توحيد ليبيا وقيادتها إلى بر الأمان بعيدًا عن الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي.
كلما لاح أمل لإنهاء الأزمة التي تعيشها ليبيا حتى يتبدد من جديد، نتيجة طموحات حفتر نحو حكم البلاد بأي طريقة كانت، فحفتر لم يرضَ أن يكون على هامش الفعل السياسي لذلك ها هو يسعى لإعادة فرض اسمه في المشهد السياسي للبلاد، استعدادًا للانتخابات الرئاسية المزمع القيام بها نهاية السنة الحالية.