تتسارع الأحداث في تشاد، بعد تحرك فصائل من المعارضة نحو العاصمة أنجمينا للسيطرة على الحكم، ومقتل الرئيس إدريس ديبي – الذي حكم البلاد لأكثر من 30 سنة – على جبهات القتال وتولي نجله الحكم في تجاوز للدستور كما تقول المعارضة التشادية.
أحداث متسارعة، تتدخل فيها دول عديدة على رأسها المُستعمر السابق للبلاد فرنسا التي لا ترغب في فقدان نفوذها هناك، لكن هناك دولة قادمة بقوة إلى المنطقة وتسعى هي الأخرى لتعزيز نفوذها ومزاحمة باريس، نتحدث هنا عن روسيا.. فأي دور لها فيما يحدث في تشاد؟
متمردون قادمون من ليبيا
في أكتوبر/تشرين الأول، تم توقيع وقف إطلاق النار في ليبيا، وحينها أيضًا تم التشديد على ضرورة رحيل المرتزقة من البلاد، وهو ما دفع العديد من المجموعات المسلحة التي حاربت إلى جانب خليفة حفتر ضد الدولة الليبية وحكومتها الشرعية للبحث عن موطن جديد لها.
كان من بين المرتزقة مقاتلون كثر من تشاد، اختاروا أخيرًا الرجوع إلى بلادهم وقيادة تمرد ضد السلطة هناك بهدف الاستيلاء على الحكم، ووجدوا في ترشح إدريس ديبي لولاية رئاسية سادسة سببًا مقنعًا لذلك، فبدأ التمرد بسرعة فاجأت العواصم الغربية والإفريقية.
يقود هذا التمرد “الجبهة من أجل التناوب والوفاق” بزعامة مهدي علي، فقد بدأت الزحف من منطقة تيبستي الجبلية في مثلث حدود ليبيا والنيجر وتشاد المعروف بوجود قبائل التبو والطوراق، نحو نجامينا بهدف إسقاط نظام الرئيس ديبي المتوج حديثًا بولاية انتخابية سادسة.
تسعى روسيا من خلال دعمها الفصائل المتمردة في تشاد والقادمة من ليبيا إلى منافسة النفوذ الفرنسي هناك
تتخذ الجبهة التي تضم ائتلافًا من 4 جماعات متمردة من الجنوب الليبي معقلًا لها، وتقاتل إلى جانب حفتر في حربه للسيطرة على ليبيا، وقد تشكلت في أبريل/نيسان 2016 إثر انشقاق عن مجموعة متمردة أخرى تعرف باسم “اتحاد قوى الديمقراطية والتنمية” المدعومة من السودان.
تتألف “الجبهة من أجل التناوب والوفاق” من مقاتلين ينتمون إلى عرقيات مختلفة، الغالبية منها تنتمي لقبائل “التبو” و”غوران” المستقرة على جانبي الحدود التشادية الليبية، ويعتبر “مثلث الموت” الذي انطلق منه هجوم الجبهة في اتجاه تشاد، بؤرة خارج سيطرة الدولة الليبية، وتخضع لنفوذ جماعات الجريمة المنظمة.
بصمة روسية
لا يُعرف العدد الحقيقي للمقاتلين ضمن “الجبهة من أجل التناوب والوفاق في تشاد”، لكن هناك معطيات تقول إن عددهم يتراوح بين 1000 و1500 مقاتل، وقد أتاح عمل أعضائها في ليبيا حصولها على ترسانة هائلة وموارد مالية كبيرة.
ذلك أن اللواء المتقاعد خليفة حفتر أغدق على الجبهة بالمال والسلاح مقابل مساعدتهم في الحرب التي شنها ضد الحكومة الشرعية في ليبيا بقيادة فائز السراج سعيًا منه للسيطرة على الحكم وإقامة نظام عسكري هناك استجابة لحلفائه الأجانب.
ويرجع السبب في تقدم الجبهة بسرعة كبيرة باتجاه العاصمة التشادية أنجمينا وعجز الجيش للتصدي لها إلى الآن رغم أنها تحركت دون مساعدة باقي الفصائل التشادية المتمردة، إلى السلاح والموارد المالية التي كسبتها في ليبيا، وأيضًا إلى التدريبات التي تلقتها هناك.
عناصر الجبهة تلقت تدريبات على يد مرتزقة فاغنر – جماعة شبه عسكرية يديرها حليف مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين – المتمركزة في مدينة سوكنة الواقعة وسط ليبيا وقد مكنتهم فاغنر أيضًا من معدات وأسلحة روسية ثقيلة لاستعمالها في التمرد ضد نظام الرئيس ديبي الذي قُتل في جبهات القتال.
عمل هذه الجبهة المتمردة مع حفتر لوقت طويل وتلقيها أسلحة وتدريبات من مرتزقة فاغنر الروسية، يعني أن الهجوم على النظام التشادي جاء بدعم روسي، فليس من المنطقي أن يتحرك مقاتلو الجبهة من منطقة نفوذ روسيا وحفتر في ليبيا دون تنسيق مع موسكو.
ما يرجح هذه الفرضية أن شركة فاغنر عادة ما تعقد صفقات تكتيكية مع معارضي الحكومات عندما يتعلق الأمر بتأمين الوصول إلى الموارد، وهي من الأساليب والطرق الملتوية التي تستخدمها روسيا لممارسة نفوذها في الدول الإفريقية.
منافسة النفوذ الفرنسي
يبدو أن روسيا تسعى من خلال دعمها الفصائل المتمردة في تشاد والقادمة من ليبيا إلى منافسة النفوذ الفرنسي هناك، ذلك أن باريس تعتبر الفاعل الأبرز في مجريات الأحداث في دولة تشاد، وتملك نفوذًا يمكنها من إدارة الأمور في مستعمرتها السابقة فتتحكم في الجيش وأجهزة الدولة وقصر الحكم وحتى المعارضة بما يتوافق مع مصالحها.
يتبين نفوذ باريس هناك أيضًا في حضور رئيسها إيمانويل ماكرون جنازة الرئيس المقتول ودعمه المجلس العسكري الجديد في تشاد، الذي نُصب بعد وفاة ديبي وترأسه ابنه محمد ديبي (37 عامًا)، وهو جنرال يحمل 4 نجوم، جدير بالذكر أن فرنسا تنشر ما لا يقل عن 5 آلاف جندي في العاصمة نجامينا.
تأمل روسيا في رؤية نظام حليف لها في تشاد لتعزيز تعاونها العسكري معها، فهي تتطلع للاستئثار بسوق السلاح هناك
تعمل موسكو على استغلال الأوضاع الأمنية المتردية في أنجمينا من أجل تعزيز وجودها الأمني والعسكري هناك، ما يعني تنامي سياسات التنافس الدولي في منطقة الساحل إجمالًا، وهو ما سيزيد من حدة التوترات الأمنية في المنطقة.
تتطلع روسيا إلى الحصول على نصيب وافر من الموارد والثروات النفطية والتعدينية التي تزخر بها تشاد ومنطقة الساحل، إذ تتربع على قمة احتياطات بعض من أغلى الموارد الطبيعية في العالم، بما في ذلك اليورانيوم والذهب، وتضخ نحو 130 ألف برميل من النفط الخام يوميًا، وتدر عائدات سنوية بمليارات الدولارات.
كما تملك دول الجوار موارد طبيعية ضخمة، تطمح روسيا لأخذ نصيبها منها في وجود قوى إقليمية عديدة تنافسها عليها، فالكاميرون ونيجيريا غنية بالنفط والغاز، فيما تمتلك مالي وبوركينا فاسو مناجم ذهب، في حين أن النيجر غنية باليورانيوم.
وتأمل روسيا في رؤية نظام حليف لها في تشاد لتعزيز تعاونها العسكري معها، فهي تتطلع للاستئثار بسوق السلاح هناك، خاصة أن أغلب موارد الدولة التشادية موجهة لشراء أسلحة لقمع المعارضين والناشطين الذين يطالبون بالإصلاحات.
نريد الحرية و استقلال. لا نريد حكم عسكري. نريد حكم مدني منتخب من الشعب. و لا نقبل بالتدخلات الخارجية في شؤون #تشاد و كل الشعب التشادي ضد تدخل فرنسا
#التشاديون_ضد_التدخل_الفرنسي
— فارس الصحراء (@rayanchad) April 27, 2021
تعتبر روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم، إذ صدَرت خلال الفترة 2015-2019 إلى إفريقيا 17% من صادراتها من الأسلحة وتستحوذ على 37.6% من سوق السلاح الإفريقية، بينما تستحوذ الولايات المتحدة على 16%، وفرنسا على 14%.
ليس هذا فحسب، بل تسعى روسيا أيضًا إلى تعزيز نفوذها ومكانتها السياسية في تشاد ودول الساحل حتى تحظى بدعم الأفارقة لسياستها الخارجية في المحافل الدولية بهدف تخفيف العقوبات عليها وتمرير أجنداتها.
هذه المعطيات والمؤشرات تؤكد أن تشاد والمنطقة ككل قادمة على أيام ساخنة، فروسيا التي تتقدم حلفاءها هناك، لن ترضى بالتراجع، وفرنسا الماسكة بزمام الأمور منذ عقود والمتحكمة في الدولة لن تسمح بدولة جديدة تزاحمها النفوذ في المنطقة.